ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية - 16/16

الرئيسية » الأعمدة » بصائر » ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية – 16/16

إن  الانخراط في العكوف الكوني على معالجة جملة من القضايا والإشكالات ذات العلاقة بتنزيل مختلف أجيال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها كونيا على أرض عالمنا المعولم، في مراعاة لمقتضياته السياقية المختلفة والمتداخلة، وكذا في مراعاة للمستلزمات المعرفية والثقافية والتشريعية.

والإسهام في بلورة نظرية R.M.R” – Reverse Moderate Relativism” في مجال حقوق الإنسان، والتي تعنى بالنظر  التعارفي المنفتح، إلى ما يمكن أن تغني به المنظومات التشريعية المختلفة، منظومة حقوق الإنسان الكونية. وقد انكببنا في مقامنا هذا على النظر فيما يمكن أن تغني به المنظومة التشريعية الإسلامية منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا.

ووعيا بأن حال الفرد المستهدف بضمان حقوقه والاستنهاض للقيام بواجباته ـ وعلى حد تعبير مارسيل غوشيه، لا يتغير من الخارج فحسب، وإنما من الداخل أيضا، حيث إن هذا الفرد في الوقت نفسه الذي يجد فيه أن تحديده يعاد، سواء تعلق الأمر بحقوقه أم بمصالحه، فإن عناصر علاقته بنفسه تتغير بشكل أساسي، وينقلب إدراكه الداخلي لمكونات شخصيته رأسا على عقب، وإنها ظاهرة ذات تأثير بالغ يعيد فكرة الذاتية المتعلقة بصورة المواطن المطروحة منذ القرن 18 إلى بساط البحث(1).

مما يستلزم نظرا مستأنفا، واجتهادا متجددا، بخصوص موقع الفرد، والتشاكس السياسي، والتسويقي الشرس للاستئثار باهتمامه وطاقاته ومقدّراته،  ولا شك أن من آكد حقوق الإنسان، الحق في قدر نسبي من التوقير حتى لا تضيع منه أزِّمة ذاته، فَيَتِيه عنها وعن محيطه.

وقد استحضرنا ضمنيا،كون مكتسب الديمقراطية في عالمنا المعاصر، قد نما في تمظهرات كثيرة له، على التصادم مع «المقدس»، مما أصاب الديمقراطية عن طريق العدوى، بشيء من «القداسة» ! جعلتها تسمو فوق الذاتيات والمكتسبات الشخصية، فاستحثت الإنسان للخروج من حالة «القصور» مما سربل الديمقراطية ب “وقار” جعل منها «دعوة» وخدمة على حد تعبير غوشيه «شبه كهنوتية»(2) ومادة للتفاني غير المشروط، في مقارفة لأن تصبح «المشروع الشامل» الذي يحيط بالوضع البشري بأكمله، مما كان من نتائجه استدعاء الأديان إلى المجال العام، فأعطى الديمقراطية هيئتها الجديدة في منطقتنا وما حولها، مما يُلزم باجتهاد متجدد، يتغيّى تعميق محيط الفعل الحقوقي والسياسي، وحتى الاقتصادي.

وإذ إن تملّك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات المبثقة منه، أمر ضروري في الالتزام بمقتضياته، فإنه من اللازم تفعيل مقاربة R.M.R، ببرهانية ترفع وهم التناقض مع ثقافتنا المحلية بكل مرتكزاتها، ومن أهمها الدين الإسلامي، وذلك بفتح نوافذ الاجتهاد والتجديد غير المتعارضين روحا مع الإعلان العالمي، ولا مع فحوى النظم الاعتقادية والتشريعية في العالم والتي جميعها تجعل الإنسان في مركزيتها ولبابها، وما الإسلام ببدع من هذه النظم.

وقد تبين أن الشريعة الإسلامية ليست فقط غير متعارضة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإنما تكتنز قوة اقتراحية، من شأنها، إغناؤه، وتزويده بجملة من آليات التفعيل والإجراء، ولا سيما في مجال القرن الوظيفي الممقدر«dosé» للحق بالواجب، كما تبين أثناء الحديث عن الجيل الثالث من حقوق الإنسان. ولا شك أن هذه المقاربة من شأنها تجاوز الكليشيه  المعتاد الذي مفاده، وكما يقول الباحث Jason Morgan Foster  «أن بعض الثقافات تتلكؤ في قبول الحقوق التي تبنّاها معظم عالمنا باعتبارها أساسية، فإنه يتبين في هذه الحالة ـ للعبرة ـ أنه على العكس من ذلك تماما ـ  فإن الثقافة الإسلامية ليست وراءً، بل هي رائدة، حيث إن خطابها التشريعي مقدّرٌ، ومُقتدى بهذا الصدد، مما من شأنه أن يمنح منظورا منعشا للتداول حول كونية حقوق الإنسان»(3)

(1) ـ مارسل غوشيه الدين في الديمقراطية ص 114، يعني غوشيه هذه  المسألة قائلا:”إن إطار هذه التحولات التي تجري في المجتمع المدني، ونمط تركيبه وديناميكيته، هو الذي يجب أن يتم خلاله فهم التحولات، حتى تلك المتعلقة بالمعتقد، وهي تحولات متعلقة بطبيعته وموقعه، وفي الوقت نفسه، بأوضاعه الخاصة وحالته العامة. فالمعتقدات تحولت إلى هويات، مما يعني في الوقت ذاته، طريقة أخرى للاندماج فيها من الداخل، وطريقة أخرى للانتماء إليها من الخارج” مارسيل غوشيه الدين في الديمقراطية ص 113.

(2) ـ مارسل غوشيه، الدين في الديمقراطية ص 129

(3) ـ Jason Morgan Foster-Yale University, Human Rights And Development L.G, Vol 8, pp 116

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *