ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية - 15/16

الرئيسية » الأعمدة » بصائر » ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية – 15/16

إعمال أصل الاستحسان

بيَّن الإمام الشاطبي بعض معاني الاستحسان الذي هو أخذٌ بالمصلحة عند المالكية قائلاً: «الاستحسان في مذهب مالك: الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلِّي؛ لأنه يقوم على التيسير ودفع المشقة ورفع الحرج عن الناس.

ومقتضاه: الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسَل على القياس؛ فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهّيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة، في أمثال تلك الأشياء المفروضة(1)، كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمراً إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى، أو جلب مفسدة كذلك»(2).

فآلية إعمال أصل الاستحسان، اعتبارا لمآل إهدار حقوق الإنسان وضمانها، يمكّن من القيام بترجيحات معتبرة بهذا الخصوص، مما يفتح ذريعة العدالة، ويسدّ ذريعة الظلم.

إعمال فقه الموازنات:

قال الشاطبي: «وإنا وجدنا الشارع قاصداً لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معها حيث دارت، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز»(3)

ومفاد ذلك وجوب الموازنة بين الاحتمالات الممكنة في غير المحكم من الأحكام، ترجيحا وموازنة بين ما تحققه تنزيلاتها في إطار الشرع الحنيف، وبمقاييسه وموازينه، من المصلحة في الظرف الواقعي المعين، ثم اعتماد الاحتمال الذي يرجُح أنه أكثر تحقيقا للمصلحة بضوابطها الشرعية المبينة في أماكنها، واعتبار ذلك هو الحكم الشرعي في تلك الحالة، وهذا مناط الاجتهاد، فيما مردّ الأحكام فيه إلى النظر

 ومن تداعيات الوعي العميق عند علمائنا بهذه الآليات في النظر، كونهم درجوا على ألا يسقطوا من اعتبارهم الآراء المرجوحة في تراثنا الفقهي، إذ هي ذخيرة اجتماعية قد تمس إليها الحاجة في أوضاع لاحقة مختلفة، فما لم يرجح في واقع عيني مشخص نظرا لملابِسات وسياقات معينة، قد يضحى راجحا ضمن ملابسات وسياقات أخرى، وفقه إمام دار الهجرة إمامنا مالك رضي الله عنه يحضر فيه هذا الوعي العميق بشدة، لانبنائه على قواعد واقعية كعمل أهل المدينة، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع.

وفقه الموازنات فقه دقيق يقتضي أن يكون المُعمِل له(فردا كان أم جماعة) ريّانا من علوم النص وعلوم السياق، وعلى دراية بالعواقب والمآلات، مما ينتج عنه ملكة في الترجيح والتغليب، بعد القيام بالتسديد والتقريب، وجليّ أن ذلك من معضدات ضمان حقوق الإنسان في المجتمعات.

(1) – يقصد الإمام الشاطبي”العلم بقصد الشارع بالاستقراء الكلي للأدلة في إجمالها وتفصيلها، كما هو مبين في كتابه الموافقات.

(2) ـ الموافقات4/207

(3) ـ الموافقات 2/225، وقال في الموازنة بين المصالح الكلية: “وكل واحدة من هذه المراتب لمّا كانت مختلفة في تأكد الاعتبار –فالضروريات آكدها ثم تليها الحاجيات ثم التحسينيات- وكان مرتبطا بعضها ببعض كان في إبطال الأخفِّ، جرأةٌ على ما هو آكد منه، ومدخل للإخلال به، فصار الأخفُّ كأنه حمى للآكد، والراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، فالمخلّ بما هو مكمّل، كالمخل بالمكَمَّل من هذا الوجه” الموافقات1/30.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *