ضغوط الذكاء الاصطناعي تدفع إلى تطوير النظم التعليمية داخل الجامعات

الرئيسية » تربية وتكوين » ضغوط الذكاء الاصطناعي تدفع إلى تطوير النظم التعليمية داخل الجامعات

ضغوط الذكاء الاصطناعي تدفع إلى تطوير النظم التعليمية داخل الجامعات

تبرز أزمة النظم التعليمية ومدى مواكبتها للتطور التكنولوجي الحاصل من أشد الأزمات تعقيدا وأكثرها إرباكا لبرامج ومخططات الدول في بلوغ أهدافها التنموية، فيما تضاعف دول أخرى جهودها عبر تطوير نظمها التعليمية بما يواكب التطور الحاصل في سوق العمل ولازالت تراهن على ذلك كسلاح لكسب التحدي.

تعمل أغلب الجامعات في الدول الكبرى وفي بعض الدول العربية، الخليجية خصوصا، جاهدة على التركيز على تطوير نظمها التعليمية ومواكبة أحدث التطورات التكنولوجية إدراكا منها لضرورة التركيز على تخريج أجيال قادرة على التكيّف مع مختلف هذه التطورات ومسايرتها، لكن هذا الطرح، وفق العلماء والمختصين في التعليم يصطدم بعدة عوائق، ذلك أن للمسألة وجوها متعددة تُطرح وسيناريوهات مفترضة تتطلب الفحص والتدقيق خصوصا إذا تعلق الأمر بمدى التطابق بين ما وصل إليه التقدم التكنولوجي والمستوى الذي يسير عليه تكوين الطلاب ومدى اطلاعهم على ذلك في بعض الجامعات.

ومن هذا المنطلق تبرز الأزمة القائمة في العلاقة بين الطرق التي تتم بواسطتها معالجة النظم التعليمية وتحديثها وتطويرها ومدى مواكبة هذه النظم لتيار جارف يكتسح العالم ويتقدم بثبات وهو التطور التقني أو ما يعبر عنه بالذكاء الاصطناعي.

وأضحى مصطلح الذكاء الاصطناعي كثير التداول إلى درجة أن البعض أصبح يربطه بالخوف من سيطرة الآلات واضمحلال دور العنصر البشري، بما يؤثر حتى على مواصلة تكوين الطلاب وتخريجهم. وعرّف جون مكارثي، الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955، الذكاء الاصطناعي على أنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية”، فيما يقدم البعض تعريفهم الخاص للذكاء الاصطناعي على أنه “دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها”.

وتطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي كثيرا في السنوات الأخيرة، وتعد تقنية “التعلّم العميق” التي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي أسلوب الدماغ البشري، أي قدرتها على التجريب والتعلم والتطوير الذاتي دون تدخل البشر، من أبرز مظاهره.

ويجمع الخبراء والمختصون في مجال التعليم على أن الغرض من التعليم العالي هو إعداد الطلاب وتحضيرهم لسوق الشغل. وفي هذا الإطار يقول شون غالاغر، وهو من كبار رواد الأعمال في العالم، إن “أحد الأهداف الأساسية للتعليم العالي هو إعداد الطلاب لسوق العمل. وإن من المسلمات اعتبار الغرض من التعليم العالي هو إنتاج كوادر مؤهلة لأداء وظائف في ظل اقتصاد عالمي معقد”. وركز المهتمون بتطوير نظام التعليم العالي في الولايات المتحدة على هذا الهدف الأساس جاعلين من تنمية رأس المال البشري الأساس لكل تصوراتهم. لكن، وفق ما يطرحه الخبراء، فإنه إذا صدقت التنبؤات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإن العلاقة بين التعليم العالي والإعداد لسوق العمل لم تعد قائمة. وهنا يطرح سؤال شديد الأهمية مفاده: ما هي الغاية الأساسية من التعليم العالي عندما يجعل الذكاء الاصطناعي من الحاجة البشرية (خريجي الجامعات) زائدة عن الحاجة؟

ولتفسير بعض الجوانب من هذه المقاربة المستعصية على الفهم، يتدخل المحللون والمهتمون بقطاع التعليم في العالم على رأسهم ديفيد ستيلي، من شبكة شرق غرب للتعليم، لطرح ثلاثة سيناريوهات ممكنة، حيث تخيل كل واحد منهم العالم بعد مرور 25 سنة، أين يكون الذكاء الاصطناعي طاغيا في كل مكان ليطرحوا مجموعة من الأسئلة منها بالأساس: ما هو الدور الذي ستلعبه مؤسسات التعليم العالي، وكيف سيفكر قادة التعليم العالي بشكل استراتيجي من أجل الاستمرار في ظل الظروف الموصوفة؟

أما عن السيناريو الأول والذي يرى أن التعليم العالي قد عفا عليه الزمن، فيرى هؤلاء أنه في ظل الذكاء الاصطناعي ومع تراجع عدد الوظائف التي تتطلب مهارات إدراكية بشرية، لم يعد تطوير رأس المال البشري أمرا حتميا، وبالتالي أصبح التعليم العالي غير ضروري بالنسبة إلى معظم الطلاب. ولا يزال هناك عدد قليل من مؤسسات التعليم العالي كأماكن يذهب إليها الطلاب لتطوير إمكانياتهم العقلية، ولكن العديد من المؤسسات قد أغلقت أبوابها لأنها لم تعد مراكز لإعداد الطلاب لسوق العمل، وهي إحدى المهام الأساسية لمؤسسات التعليم العالي.

أما عن السيناريو الذي يرى أن التعليم العالي بشري بامتياز، فيحاجج أصحابه بأنه في وقت ما كان التعليم العالي يرتبط بالحصول على المعلومات. ومع انفجار المعلومات وسهولة الحصول عليها، أصبح التعليم العالي يركز على تنمية المهارات. ومع تقدم الوسائل التقنية وتطورها بشكل خيالي أصبح الكثير من المهارات البشرية غير ضروري، في المقابل حوّل التعليم العالي تركيزه إلى تنمية الصفات عوض تنمية مهارات الطلاب. ولم يعد الطلاب يدخلون الجامعات لدراسة المحاسبة والهندسة أو تكنولوجيا المعلومات، لأن هذه المهن يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي. وهؤلاء الطلاب يريدون تطوير الفضول والإبداع والخيال والتعجب واللعب، وهي أمور لم ينجح الذكاء الاصطناعي في السيطرة عليها. ولا يوجد منهج محدد، ولا توجد مجموعة مقررات يتعين على الطالب دراستها في هذه الجامعة. وبدلا من ذلك، يتم تشجيع الطلاب على متابعة اهتماماتهم والانتقال من موضوع إلى موضوع وفقا لما يمليه الفضول لدى كل واحد منهم. وهنا يقول الخبير دانيال بينك إن “سمات الجانب الأيمن من الدماغ، مثل اللعب وصنع المعاني، ستهيمن في عصر الآلات الذكية بعد أتمتة مهارات الجانب الأيسر من الدماغ”. ويضيف “لقد وصلنا إلى عصر الجهاز الذكي أين يحول التعليم العالي مهمته إلى التركيز على صفات معينة من الدماغ”.

أما السيناريو الثالث والأخير وهو المتعلق بالتعليم العالي المشترك، فإن هدف التعليم العالي في هذه الحالة هو إنتاج ذلك النوع من التعليم الهجين. وهنا ينفذ الذكاء الاصطناعي العديد من المهام المعرفية بكفاءة أكبر من البشر. ولكن الذكاء البشري ضروري أيضا لاستكمال العديد من المهام المعرفية.

وفي هكذا مستوى تصف سفيتا ماكشين كيفية عمل الخوارزميات والمصممين معا بقولها “يصبح الإنسان هو الوصي. لقد انتفت الحاجة إليه كمشغل للآلة في التصميم التوليدي. وهو يختار أفضل الحلول الممكنة ويعمل جنبا إلى جنب مع الكمبيوتر في خلق التصاميم الأكثر مثالية. ومع توفر العديد من الاحتمالات يمكننا الآن اختيار التصميم الذي يناسب احتياجاتنا من حيث الهيكل والوزن والشكل.. إلخ. لا يُستبدل البشر عندما يبدأ الجهاز في إعداد التصاميم الخلاقة، وبدلا من ذلك يصبح الإنسان معلما أو موجها”.

ما هو مؤكد أن قادة التعليم العالي في العالم يحتاجون للبدء في التحضير لمثل هذا اليوم، وتحديد كيف ستتماشى مؤسساتهم مع الواقع الجديد، فيما يقر الخبراء بأن أولئك فقط الذين فعلوا ذلك واستعدوا لمثل هذا اليوم سيكون النجاح حليفهم في عصر يتجاوب فيه مستوى الخريجين والمؤهلين للعمل مع المستوى الذي بلغه الذكاء الاصطناعي.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *