شبكات استشعار جديدة تقدم بيانات متكاملة لرصد الجرائم بسرعة

الرئيسية » إعلام ورقميات » شبكات استشعار جديدة تقدم بيانات متكاملة لرصد الجرائم بسرعة

كاميرات أمنية، وأجهزة قراءة لوحات المركبات، ومتعقّبات الهواتف الذكية، وطائرات الدرون… هذه الأجهزة المحيطة بنا تراقبنا طوال الوقت. ولكن ما الذي قد يحدث إذا انصهرت تيارات البيانات المرسلة منها جميعها في عقل إلكتروني واحد؟

اختراقات جديدة

تأخذ الاختراقات التقنية الجديدة في عالم أجهزة الاستشعار اليوم حيزاً كبيراً؛ منها أشعة الليزر القادرة على رصد الفرد من على بعد مسافة تعادل طول ملعبي كرة قدم من خلال قياس معدل ضربات قلبه… والوسيلة التي تجعل الهاتف الذكي يتجسس على أي شيء قريب منه بواسطة البلوتوث؛ على الثلاجة الإلكترونية أو جهاز «فيت بت» الرياضي، ونظام الرؤية الكومبيوترية الذي يتيح للسلطات معرفة ما إذا كان أحد المشبوهين قد فرّ من مجال رؤية أحد أنظمة الكاميرات الأمنية. ولكن التركيز على كل واحدة من هذه الأدوات مرهق.

في مبنى مكتبي كبير بمدينة مونتريال الكندية وعلى طول أحد الجدران، تمتدّ شبكة من الأجهزة الإلكترونية التي تلمع بضوء خافت كئيب كأجهزة قراءة لوحات المركبات وأقفال تتصل بـ«وا – فاي» ووحدات معالجة بيانية. وهنا يجلس جيوفاني غاتشيوني الذي يدير قسم السلامة العامّة في شركة «جينيتيك» المختصة بالتقنيات الأمنية. وتشغل هذه الشركة 4 «مراكز للتجربة» لترويج منتجات مخابراتية للمسؤولين الحكوميين. هنا؛ تُعد البرامج الرقمية التي وافق غاتشيوني على تعريف مراسل مجلة «وايرد» على طريقة عمل أبرز مبيعاتها.

إشعارات أمنية

على شاشة كبيرة تعرض نسخة تجريبية من «سيتيغراف»؛ المنتج الأبرز للشركة. وتظهر الشاشة خريطة للقسم الشرقي من مدينة شيكاغو تحيط بأطرافها مقاطع فيديو صغيرة من الكاميرات الأمنية المنتشرة في الحيّ. في أحد المقاطع، تظهر امرأة وهي ترفع أمتعتها من سيّارة وتضعها على الرصيف لتسمع إشعاراً صوتياً فوق رأسها ينبّهها من «ركن السيارة غير القانوني». انتشرت على الخريطة رموز ملوّنة كمنزل يحترق، ومسدّس، وصورة لشخصين يتعاركان. وكل واحدٍ من الرموز يرمز إلى حالة طوارئ معلنة، حسبما يشرح غاتشيوني. وعند اختيار صورة الشخصين المتعاركين التي تشير إلى خلاف يظهر على الشاشة نص صغير فيه بعض التفاصيل الصادرة عن مركز إرسال الطوارئ بينما يظهر في الأسفل زرّ «تحقيق» يتوسّل الضغط عليه.

أطلقت «جينيتيك» منتج «سيتيغراف» عام 2016 بعد أن تعاقد معها قسم الشرطة في شيكاغو لحلّ معضلة المراقبة. وكما منظّمات إنفاذ القانون الكبرى الأخرى في البلاد، بنى القسم ترسانة هائلة من التقنيات التي تلاحق وتراقب المواطنين بدرجة مفرطة. للحصول صورة واضحة عن أي حالة طارئة، كان رجال الشرطة يضطرّون قبل هذا البرنامج إلى البحث في عشرات القواعد البيانية التي عفى عليها الزمن والمواد التي يحصلون عليها من أجهزة استشعار بعيدة كأجهزة رصد المسدسات، وقراءة لوحات المركبات، والكاميرات الأمنية العامّة والخاصّة.

لاحقاً، أصبحت عملية جمع خيوط المعلومات هذه، أو ما يُعرف تقنياً «بالانصهار الاستخباراتي المتعدّد»، مهمّة شديدة الصعوبة. ويشيع في دوائر المراقبة الأمنية في المدينة حديث يقول إن «المدينة غنية بالبيانات ولكنّها تفتقر إلى المعلومات». لهذا السبب، كان المحققون يحتاجون إلى أداة تقودهم في مسار واضح عبر أي حادثة أو ما يمكن وصفه بـ«الانصهار البياني الآلي».

رصد أدلة الجرائم

ولشرح الفكرة تطبيقياً، نقر غاتشيوني على «تحقيق» ليبدأ «سيتيغراف» العمل على الاعتداء المبلغ عنه. في البداية، لجأ البرنامج إلى ما تسمّيه «جينيتيك» «محرّك الترابط»؛ وهو عبارة عن مجموعة من الخوارزميات التي تبحث في سجلّات الشرطة القديمة بالمدينة والمواد المتوفّرة عبر أجهزة الاستشعار بحثاً عن أنماط وروابط. بعد ثوان قليلة، ظهرت على الشاشة لائحة تستعرض أكثر من نتيجة؛ أبرزها مجموعة من الأفراد المعتقلين سابقاً في الحي لارتكابهم جرائم عنفية، وعناوين أشخاص يعيشون بإطلاق سراح مشروط في أماكن قريبة، وقائمة باتصالات طوارئ مشابهة سُجّلت في الآونة الأخيرة، وصور فوتوغرافية وألواح مركبات رُصدت تبتعد مسرعة عن مسرح الجريمة، وتسجيلات فيديو مسحوبة من أي كاميرا قد تكون التقطت دليلاً على الجريمة كالكاميرات المركّبة على الحافلات والقطارات. بمعنى آخر، يقدّم هذا البرنامج للمحقّقين ورجال الشرطة معلومات أكثر من كافية تسمح لهم بالاستجابة لبلاغ الطوارئ الوارد بدراية كاملة ومعطيات واضحة.

ثمّ انتقل غاتشيوني إلى منصّة أخرى محمّلة ببرنامج يدعى «فالكري». صُمم برنامج «سيتيغراف» لتقديم نتائج أولية يعتمد عليها رجال الشرطة المكلّفين الكشف عن مسارح الجرائم، بينما يستهدف «فالكري» المحقّقين الذين يعملون في قضايا متشعّبة بالمنطقة. في الأصل، طُوِّر هذا الأخير للتوصل إلى جذور حلقات الاتجار بالجنس؛ لأن خوارزميات الصهر التي يستخدمها تلاحق أنماطاً أكثر دقّة وتفصيلاً قد تعود لسنوات أو تتوزّع في بيانات غير منظّمة بالاعتماد على «قواعد بيانات متعدّدة وكاميرات أمنية وسجلات هاتفية وتحويلات مصرفية… وغيرها من وسائل المراقبة». والقيام بهذا التحقيق دون الاعتماد على التقنية والبرامج الرقمية يتطلّب أسابيع عدّة، في حين قدّمت برامج «جينيتيك» النتائج المرجوّة في أقل من يوم واحد.

دمج المعلومات

شهدت سوق تقنيات الانصهار البياني ازدهاراً كبيراً في السنوات الأخيرة. تدّعي «جينيتيك» أن «سيتيغراف» يُستخدم اليوم في «مدنٍ كثيرة»، بينما تبيع شركات تقنية بارزة مثل «سيسكو» و«مايكروسوفت» و«موتورولا» أنظمة انصهار بياني على مستوى العالم ولكن بغطاء «المدن الذكية» وحزم «العصرنة» الرقمية. تكشف شركة «بالانتير»؛ التي تعدّ نفسها مختصة في «دمج البيانات»، عن تعاملها مع زبائن بارزين مثل «وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي)»، ووكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة، و«مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها»؛ بينما طوّرت شركة «أنديوريل» «جداراً افتراضياً» على طول الحدود مع المكسيك باستخدام برامج الانصهار البياني لربط شبكة من أبراج المراقبة.

يرى جميع هؤلاء الزبائن في برامج الانصهار عاملاً أساسياً جاذباً هو قدرتُها على الوصول إلى مصادر جديدة، حيث يستطيع مستخدمها تعزيز «محرّك الترابط» الخاص ببرنامجه من خلال ربط شبكات جديدة من أجهزة الاستشعار أو الاستحواذ على مكتبة خاصة من بيانات الموقع المجموعة عن طريق الهواتف الذكية.

تستطيع المنظّمات بالاعتماد على مبرمجيها تطوير هذه الإمكانات في مختبراتها وورشاتها. ففي نيويورك مثلاً، صممت وحدة التحاليل في قسم شرطة المدينة برنامجاً مساعداً لنظام الانصهار الخاص بها. يستخدم البرنامج؛ الذي يحمل اسم «باترنايز»، بيانات جمعها القسم على مدار عقد ونيّف للعثور على عناصر مشتركة بين الجرائم التي قد تكون مترابطة.

الشرق الأوسط

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *