سلوكات التنمر لدى التلاميذ

الرئيسية » تربية وتكوين » سلوكات التنمر لدى التلاميذ

تلقى قضية سلوك التنمر لدى التلاميذ اهتماماً متزايداً من قبل التربويين في كل المراحل التعليمية. فالأطفال يأتون في عالم اليوم إلى المدرسة بمستويات متزايدة من التوتر، وبكميات هائلة من القلق، وبتاريخ حافل من التجارب الكئيبة في سنواتهم الأولى، وبمشاكل أسرية، وبمجموعة متنوعة من السلوكات، التي يمكن أن تعكر صفو البيئة التعلمية بالنسبة لهم وللتلاميذ الآخرين على حد سواء. ويبذل التربويون جهدهم لإيجاد واستدامة تدخلات في غرفة الصف وفي المدرسة وفي مستوى النظام للتقليل من وتيرة وشدة المشاكل السلوكية في المدرسة. إن فهم العوامل السيكولوجية والاجتماعية والأسرية وتلك المتعلقة بالدماغ التي تساهم في سلوكات التنمر تعد الخطوة الأولى نحو إيجاد سياسيات مدرسية فاعلة واستراتيجيات صفية تقلل الاضطرابات السلوكية في المدارس.

ما هي سلوكات التنمر؟

من الصعب تحديد سلوكات التنمر (السلوكات العدوانية) أو إيجاد تعريف لها، ولا يحتوي الأدب التربوي على تعريفٍ موحدٍ متفق عليه ولكن تعريفاً ورد في كتاب إدارة السلوكات العدوانية للمؤلف إمرسون وآخرون يمكن أن يكون نقطة مرجعية جيدة، إذ يقول فيه المؤلف: “هو أي سلوك ذو كثافة ووتيرة من المرجح أن يعرض بها السلامة الجسدية للشخص أو الأشخاص الآخرين للخطر الشديد أو هو سلوك يرجح أن يحد من حق الآخرين في بيئة آمنة ومنظمة).

ويأخذ سلوكات التنمر “العدوانية” أشكالاً عدة، بعضها ذو كثافة منخفضة والبعض الآخر ذو كثافة عالية. ومرة أخرى نجد أن كتاب إمرسون يقدم وصفاً جيداً لسلوكات التنمر المتعددة التي تواجهها المدارس مع تعلم التلميذ نفسه أو تعلم غيره من التلاميذ.

ومن وجهة نظر تربوية فإن أهم نقطة يجب أخذها في الاعتبار هي أنه مهما كان نوع السلوك العدواني فهو نوع من السلوك من غير المرجح الاستجابة له بالاستراتيجيات العرفية المستخدمة في حجرة الصف والمدرسة. ويكون السلوك عدوانياً عندما تفشل جهودنا نحن كتربويين ومعلمين منذ الوهلة الأولى في التقليل من عدد مرات تكراره أو شدته.

إن السلوكات العدوانية، سواء تلك التي تحدث بين الأطفال أو المراهقين أو حتى بين الكبار، يمكن أن تنشا لعدة عوامل مختلفة تشمل:

  • مرض التوحد
  • حالات صعوبات التعلم الشديدة
  • حالات فرط الحركة وتشتت الانتباه
  • حالات إصابات الدماغ
  • مرض (الفصام) الشيزوفرينيا
  • اضطرابات السلوك
  • المشاكل الأسرية الاجتماعية والاقتصادية
  • البحث عن الانتباه (لفت الانتباه)
  • صعوبات التواصل مع الآخرين
  • التفكك الأسري
  • اختلال المدارس
  • المنهجية غير الملائمة تطورياً
  • الإهمال التربوي
  • الإساءة – الصدمات النفسية
  • عته الشيخوخة لدى الكبار
  • مرض الزهايمر

ومع الأخذ في الاعتبار أن أسباب السلوك العدواني يمكن أن تختلف فإن من الضروري للمعلمين أن يضعوا في الاعتبار أنه مهما كانت التدخلات – على مستوى الفصل أو على مستوى سياسة المدرسة – يجب أن تكون متلائمة مع السبب. إن التدخل في السلوكات العدوانية التي تنشأ من فرط الحركة وتشتت الانتباه إذا طبقت على الأطفال المصابين بالتوحد مثلاً ستكون في غالب الأمر مؤذية بالنسبة لهم، وستؤدي إلى المزيد من الصعوبات والمشاكل. ولهذا السبب، فإنه ليس من الممكن إيجاد تدخلات من نوع “مقاس واحد يناسب الجميع” أو أن نجد دليلاً واحداً للإصلاح أو التدخل السريع. وقبل أن نقوم بأية تدخلات من الضروري أن نتحرى حول العوامل الهامة ونبحث في الظروف الطارئة التي أدت إليه وأن نلقي نظرة فاحصة على بيئة حجرة الصف والمدرسة وأن نتأكد من وجود تناسب بين السبب والتدخل.

وحيث أنه لا يوجد تعريف عام متفق عليه حول ماهية السلوكات العدوانية فإنه يتبع ذلك أن يكون هناك تنوع كبير فيما يعرف بأنه سلوك عدواني، وبواسطة من يتم هذا التعريف، وممن يبدر هذا السلوك. فجميع السلوكات تتناسب مع سياقها سواء كان اجتماعياً، بيئياً ثقافياأو تاريخياً وما يكون سلوكاً عدوانياً في سياق ما يمكن أن يعتبر سلوكاً عادياً جداً في سياق آخر. والطبيعة السياقية للسلوك الإنساني تجعل من الصعب الجزم بما هو مناسب وما هو غير ذلك.

وصعوبة أخرى في التأكد مما إذا كان السلوك لا يشكل تحدياً أم لا هو حقيقة أننا لا نستطيع أن نكون على يقين إن كان ما نسميه سلوكاً عدوانياً هو سلسلة متصلة من السلوك أم كان حادثاً فريداً ومتميزاً، وفي أي نقطة بالضبط يتوقف السلوك عن كونه مزعجاً ثم يصبح عدوانياً؟ ومن الذي يصدر هذه الأحكام وكيف؟ وما هي المعايير المستخدمة في هذه الأحكام؟ إن من المسلم به في المدارس أن الطفل الذي يوصف بأنه عدواني من قبل معلم ما قد يوصف بأنه طفل عادي من قبل معلم آخر، إذ أن جميع المعلمين – مثل جميع الآباء والبالغين – تختلف لديهم درجات التسامح تجاه التغيرات السلوكية. ويجب علينا أن نمارس حذراً قبل أن نستخلص أن الطفل يظهر سلوكاً عدوانياً، هناك مرات يكون الخلل فينا نحن وليس في الطفل.

ويستمر الباحثون في استبعاد العوامل البيولوجية والعوامل البيئية كعوامل مسببة للسلوكات العدوانية، وقد أجيب على السؤال القديم حول الطبيعة والتنشئة بوضوح بأنه ليس أحدهما بل الاثنين معاً، وكيف أن طبيعتنا التي تعمل على تنشئتنا هي التي تحدد بقدر كبير ذخيرتنا السلوكية. غير أن هناك عوامل بيولوجية تضع الفرد عرضة للسلوكات العدوانية ومن بينها التاريخ الأسري من حيث مشاكل الصحة العقلية، وهناك الكثير مما يمكن أن يقال حول هذا الموضوع لاحقاً.

وهناك مسائل مرتبطة بجنس الفرد ذات صلة بالسلوكات العدوانية كذلك. وفي الغرب كما هو الحال في معظم الدول نجد أن الفتيات يصنفن اجتماعياً على نحو مختلف عن الأولاد، ومنذ الطفولة نجد أن الذكور الذين يميلون إلى اللعب أكثر من الإناث يسمح لهم بالانخراط في ألعاب أكثر نشاطاً، ولديهم أنماط سلوكية يتم التسامح معها بشكل مختلف عند حدوثها إذا صدرت عن الإناث. ويبدو أن البحوث تشير أن هرمون الذكورة يلعب دوراً في السلوك العدواني لدى الأولاد بحساب أن الآباء يميلون إلى اللعب بقوة أكبر مع أطفالهم من الأمهات، إلا أنه لم يتم التوصل إلى إجابة شافية في هذا الخصوص لبعض المسائل بين الجنسين.

ديفيد جيه كيري – مستشار نفسي – أريزونا أمريكا / ترجمه: عمر خليفة – مكتب التربية العربي لدول الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *