دور البحوث والدراسات العليا في التعليم الجامعي بإفريقيا

الرئيسية » تربية وتكوين » دور البحوث والدراسات العليا في التعليم الجامعي بإفريقيا

دور البحوث والدراسات العليا في التعليم الجامعي بإفريقيا

يناقش هذا التقرير دور البحوث العلمية والدراسات العليا في قارة إفريقيا، مسلطًا الضوء على أهم التحديات والعقبات التي تواجه هذا القطاع التعليمي، ويؤكد أنه على الرغم من أن هناك تاريخًا طويلاً للتعليم الجامعي في القارة السوداء، إلا أن وضع الدراسات العليا والبحوث العلمية فقيرة؛ بسبب محدودية الإنفاق نتيجة النمو الاقتصادي الضعيف، الذي تعاني منه أغلب الدول الإفريقية باستثناء جنوب إفريقيا، كما أنه يتأثر من خلال سوء الإدارة والبيروقراطية.

وقال التقرير إنه على الرغم من التاريخ الطويل للتعليم الجامعي في إفريقيا الذي يعود تاريخه إلى عشرات السنوات، إلا أن النهج الذي سار فيه التعليم الأساسي، من خلال انتقاله إلى التعليم الجامعي بوصفه استثمارًا أفضل لإفريقيا، أدى إلى حالة سيئة تعاني منها معظم أنظمة القارة وخريجيها. وأضاف أن جدول أعمال التنمية بعد عام 2015م، يشير إلى أن هناك طلبًا متزايدًا على التعليم الجامعي في إفريقيا وسط تراجع الإنفاق العام، وانخفاض مستويات النمو الاقتصادي وانتشار الفقر. وذكر أن النهج الذي تتبناه الدول الإفريقية في التعليم الجامعي، من غير المرجح أن يحقق الهدف الأساس في بناء المعارف الجديدة وتقييمها، وأن اتباع نهج اقتصاد المعرفة الذي يحاول تبني تحقيق النمو الاقتصادي من خلال أفكار جديدة، يؤدي إلى ابتكارات علمية وتقنية وتنظيمية وبيئية أو صحية، والذي لا يعتمد على الموارد الطبيعية هو أكثر عرضة لبناء التنمية المستدامة على المدى الطويل في إفريقيا. وأوضح التقرير في المقدمة أنه وسط مجموعة كبيرة من التحديات التي تواجه التعليم الجامعي في إفريقيا، تم تحديد مجالات أربعة للاهتمام العاجل من أجل نهضة التعليم الجامعي في هذه القارة، أوجزها فيما يأتي:

أولاً: التمويل المحدود، حيث إن تحديد الإنفاق العام للتعليم الجامعي يقترن بمحدودية فرص الحصول على المنح البحثية، وتآكل البنية التحتية وانخفاض أجور أعضاء هيئة التدريس، التي أسهمت في تعزيز الأزمة الحالية.

ثانيًّا: ضعف القدرات البحثية في جميع أنحاء النظام، فالقدرات البحثية في التعليم الجامعي التي تظهر في شكل أوراق بحثية ومقالات علمية منشورة منخفضة بشكل مقلق، وكذلك إنتاج رسالات وأبحاث الماجستير والدكتوراه.

ثالثًا: عدم كفاية الإنتاج المعرفي فيما يتعلق بالاحتياجات القطرية والإقليمية، حيث ينبغي زيادة مخرجات البحوث في سياق الاحتياجات الوطنية والإقليمية بشكل مفصل، من خلال التعاون الوثيق بين المؤسسات البحثية والحكومية وغيرها من الجهات المعنية، دون المساس باستقلالية المؤسسات البحثية.

 رابعًا: البيروقراطية المفرطة التي شلت البلاد والنظم الإدارية الفقيرة في الجامعات والمؤسسات البحثية، حيث يعدُّ الدعم الداخلي القوي والنظام الإداري من الأمور الحيوية؛ لرصد التمويل وتشجيع المشاريع الجديدة وإنشاء بيئة تشجع البحوث.

وركز التقرير بعد النظر إلى التحديات على بعض التوصيات، التي تمثلت بإضفاء الطابع الرسمي على مجلس البحوث الإفريقية (ARC)، مع إنشاء فروع إقليمية منه، وبما أن الهدف من إنشاء مجلس البحوث الإفريقية، هو توطيد نظام المعرفة البحثية الإفريقية وتنفيذ جدول أعمالها، فيجب على هذا المجلس أن يجسد تعدد الأدوار بما في ذلك التعاون الوثيق مع المراكز والجامعات الإقليمية، حيث إن تشكيل مجلس البحوث يعطي زخمًا لفكرة بناء اتحادات قوية للبحوث في الجامعات. كما أوصى التقرير بتحسين توافر التمويل للدراسات العليا والبحوث، مفترضًا أنه ستكون هناك حاجة إلى طرق مبتكرة؛ من أجل تطوير الاستفادة من مصادر التمويل القائمة وتحديد مصادر تمويل جديدة، ويمكن أن يتم العمل مع مركز البحوث الإفريقية من أجل الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة، وذلك باستخدام آليات بحث متعددة؛ لتعظيم الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة في أماكن أُخرى وتدريب الأكاديميين بالمهارات؛ لتقديم طلبات المنح الناجحة والعمل مع الحكومات لتمويل برامج البحوث ذات الصلة محليًّا. وأوصى التقرير بضرورة تحسين الإشراف على الدراسات العليا، عن طريق التدريب على ممارسات الإشراف الجيد جنبًا إلى جنب مع استخدام نماذج متعددة من الرقابة، وقد يكون من الضروري اعتمادها؛ لتحسين إنتاج بحوث ومشروعات علمية في مرحلة الدراسات العليا. وكذلك أوصى أيضًا بأهمية بناء الحوافز لتطوير المواهب والاحتفاظ بأصحاب القدرات من المجتمع المحلي، حيث إن هناك حاجة ملحة في دول قارة إفريقيا إلى بناء الحوافز والآليات، التي من شأنها أن تبقي المواهب المحلية وتُغري الذين غادروا بالعودة، مشيرًا إلى أن نظام التعليم الجامعي الأقوى والأكثر دعمًا وتجاوبًا، يمكن أن يؤدي هذه المهمة بشكل أكثر كفاءة.

واستعرض التقرير خلفية التعليم الجامعي في القارة السوداء، مؤكدًا أن أول أنظمة التعليم الجامعي وُجدت في مصر والمغرب، ثم أنشأت تمبكتو في مالي أول جامعة بعد ذلك. وأضاف أن وصول الاستعمار إلى قارة إفريقيا حوَّل الهدف الأساس من التعليم الجامعي، إلى خدمة المشروع الاستعماري وتدريب موظفي الخدمة المدنية، وفي أواخر الخمسينيات سعت الحكومات الإفريقية إلى تعزيز مؤسسات التعليم الجامعي في الدول المستقلة حديثًا، ولكن المنعطف الأكثر ضررًا في تاريخ التعليم الجامعي حدث عندما تم التركيز في إفريقيا، على افتراض أن الاستثمار في التعليم الأساسي من شأنه أن يسفر عن ارتفاع معدل العائد من الاستثمار في التعليم الجامعي.

وأوضح التقرير أن ما أعقب ذلك كان تراجعًا في التعليم الجامعي، وفي كثير من الحالات أدى إلى هجرة العلماء الأفارقة المرموقين إلى مؤسسات التعليم الجامعي في دول الغرب، وعلى الرغم من أن هذا المد قد تحول الآن، إلا أن العواقب المدمرة بعيدة المدى من تهميش التعليم الجامعي، مازالت تُلقي بظلالها على المشهد التعليمي في إفريقيا.

وبيّن التقرير باختصار أن افتراض اتباع نهج التعليم الجامعي على أنه بمثابة “أداة”، من غير المرجح أن يلتقي مع الهدف الأساس، المتمثل في إعلاء قيمة المعارف الجديدة وبنائها؛ لذلك لابد من ضرورة الإيمان بأن “قوة الجامعات والمؤسسات البحثية في إفريقيا شرط أساس لتنميتها، وضعفها هو مؤشر واضح ومسهم في فقرها؛ ولذلك تشير الدراسات الحديثة إلى أن الموارد الطبيعية لم تعد عاملاً رئيسًا في النمو الاقتصادي في القارة الإفريقية.

وأكد التقرير أنه يسعى فقط إلى رصد العوامل التي تساعد في توفير إطار لبناء قدرات التعليم الجامعي البحثية، من خلال البحوث السليمة من الناحية النظرية، وسلط الضوء على العقبات التي تؤثر في انتشار أبحاث رسائل الماجستير والدكتوراه. وأضاف أن المعرفة التي تنتج من خلال النشاط الفردي الذي ينطوي على البحوث الأصلية وبناء النظريات، هي إحدى العوامل التي ستساعد في تنمية القارة، مشيرًا إلى أن المعرفة الأصلية لا تشير ببساطة إلى أنظمة المعرفة المتاحة تاريخيًّا لإفريقيا، ولكن لتوليد المعرفة الجديدة المنبثقة من الظروف المحلية والثقافات والمعتقدات والبحوث والنظريات التي تم اختبارها بنجاح.

وشدد التقرير على أن البيانات الموثوقة والدقيقة فيما يتعلق بالتعليم الجامعي في إفريقيا غير متاحة بسهولة، وأن المعلومات التي توفرت لمعدي التقرير من خلال البنك الدولي، تشير إلى أن غانا وجنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا وإنجولا، كانوا في عام 2010م الأكثر إنفاقًا على التعليم بشكل عام.

وعلى الرغم من الإنفاق الكبير على التعليم وتخصيص نسبة كبيرة من ميزانيات الدول للتعليم الجامعي، مثل بتسوانا وغانا وتنزانيا، إلا أن العائد من هذا الاستثمار يبقى ضئيلاً، مقارنة بدولة جنوب إفريقيا التي يعدُّ فيها الإنفاق على التعليم الجامعي الأقل مقارنة بالدول السابقة.

وأوضح التقرير أن ذلك يمكن شرحه في الإطار التاريخي للاستثمار في التعليم الجامعي بجنوب إفريقيا، التي كانت واحدة من الدول القليلة في القارة السوداء، والتي لم تستثمر في التعليم الأساسي على حساب التعليم الجامعي، وأنها كانت تقسم الميزانيات المخصصة للتعليم بين الجامعي والأساسي.

وذكر التقرير فيما يتعلق بالدراسات العليا في القارة الإفريقية، أنها قد شهدت زيادة في العقدين الأخيرين، حيث ازدادت دراسات الماجستير بنسبة 12٪ في الفترة من عام 2001م إلى 2011م، مع استمرار زيادة في عدد الحاصلين على دراسات الدكتوراه، ولكنها عمومًا نسبة صغيرة. وتشير البيانات إلى أن عدد دراسات الدكتوراه في الفترة السابقة نفسها ارتفعت من 154 إلى 367 دراسة، وأن جامعة كيب تاون بجنوب إفريقيا وجامعة نيروبي انفردتا بنحو80٪ من هذه الدراسات. وأضاف التقرير أن الزيادة في أعداد الحاصلين على درجة الدكتوراه يظل ضئيلا، وأن أفضل أداء تم رصده في الفترة من عام 2007م إلى 2011م كان فقط 21 خريج دكتوراه، وفي عام 2013م، سجل جنوب إفريقيا 29 رسالة دكتوراه لكل مليون شخص، أعلى من معدل 27٪ من درجة الدكتوراه لكل مليون شخص التي سجلت في 2007م، وبين هذه النسبة 13٪ إناث، و14٪ ذكور تم تسجيلهم في جنوب إفريقيا لدرجة الدكتوراه. وقال التقرير إن البيانات الصادرة عن اتحاد الجامعات في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، تشير إلى أن نسبة التسجيل في دراسات الدكتوراه والماجستير في المنطقة، ظلت ثابتة عند معدل 5٪ في الفترة ما بين عام 2008 و2012م.

كما أوضح التقرير أن المؤشر الأساس الآخر على القدرات البحثية وتطوير المعرفة، هو عدد المقالات المنشورة للأساتذة والباحثين في التعليم الجامعي، حيث تشير البيانات إلى أن العدد الإجمالي للمقالات والبحوث العلمية ارتفع من 1148 في عام 2007م إلى 2574 في عام 2011م. ووفقًا لدراسة أشرف عليها البنك الدولي فإن نتائج البحوث في إفريقيا جنوب الصحراء أقل من 1٪ من الإنتاج العالمي، على الرغم من أن 12٪ من سكان العالم يعيشون في هذا الإقليم، وأن النمو في إنتاج البحوث في القارة عمومًا بطيء ويبدأ من قاعدة منخفضة باستثناء دولة جنوب إفريقيا.

وأشار التقرير إلى أنه من الواضح أن الجامعات الإفريقية لم يكن لديها قاعدة كبيرة من كبار الأكاديميين (الأساتذة والأساتذة المساعدين الحاصلين على درجة الدكتوراه)، لإنتاج المواد البحثية أو للإشراف بنجاح على مشروعات تخرج طلاب الدكتوراه.

وقال التقرير تحت عنوان الأولويات والطلب على التعليم الجامعي، ليس هناك شك في الطلب المتزايد على التعليم الجامعي في إفريقيا، ومع ذلك فإن زيادة الطلب عليه تجري في سياق إنفاق حكومي محدود، ونقص حادٍّ في الموظفين المؤهلين أكاديميًّا وانخفاض النمو الاقتصادي في جميع أنحاء القارة.

وبيّن أن استعراضًا للدراسات المتخصصة في هذا الشأن، خلص إلى وجود عدد من التحديات والعقبات الرئيسة في المجالات ذات الأولوية لتطوير القدرات البحثية في إفريقيا. وفصَّل التقرير في الجزء الأخير منه هذه التحديات التي ذكرها في المقدمة بإيجاز، حيث يقول إن أول هذه التحديات، هو الإنفاق العام المحدود على التعليم الجامعي المقترن مع محدودية فرص الحصول على المنح البحثية، ويرتبط ذلك بعدم كفاية المرافق والمعدات والبنية التحتية البحثية، فضلاً عن محدودية التمويل لصيانة البنية التحتية وتوسيعها في الجامعات. بالإضافة إلى انخفاض الأجور للموظفين الأكاديميين والأعباء التدريسية الجامعية، كما أن ضيق الوقت بالنسبة للبحث لا يجد المناخ الذي يفضي إلى توليد المعرفة. ووفقًا لتقرير حول دراسات الدكتوراه في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، فإن إفريقيا تنفق 23٪ من مواردها في مجال البحوث، و65٪ على التعليم و11٪ على التوعية المجتمعية. وقد قيل أيضًا إن انخفاض أجور الأكاديميين وجد مناخًا غير مشجع لنمو المناخ البحثي وانتعاشه في القارة، وضعّف قدرتها على توليد المعرفة الجديدة وتعزيزها. أما التحدي الثاني الذي استعرضه التقرير فتمثل في القدرات البحثية الفقيرة في جميع أنحاء النظم الإفريقية، وعلى الرغم من أن معدلات الالتحاق الجامعية زادت بسرعة، إلا أن معدلات التخرج تحسنت ببطء، إذ إن تدني مستوى النجاح في المرحلة الجامعية أثر بالتبعية في نسبة الالتحاق بالدراسات العليا. وعلى الرغم من أن عدد المسجلين بالدراسات العليا يتحسن ببطء، إلا أن نسبة التخرج لا تزال أيضًا منخفضة للغاية، ففي جنوب إفريقيا على سبيل المثال كان معدل الانتقال من الماجستير إلى درجة الدكتوراه 37٪، بين عامي 2000 و2006م. كما ذكر التقرير أن التحدي الثالث الذي يواجه التعليم الجامعي في إفريقيا، هو عدم كفاية الإنتاج المعرفي فيما يتعلق بالاحتياجات القطرية والإقليمية، ويرتبط هذا التحدي بمشكلتين متصلتين معًا، وهما عدم استقلالية المؤسسات بسبب التعيينات السياسية في المناصب الجامعية العليا، وعدم وجود نظم بحوث وطنية وعدم وجود تخطيط إستراتيجي لدراسات الدكتوراه، الذي غالبًا ما يقود الجامعات نحو إنتاج المعرفة التي تحتاجها الدولة محليًّا أو وطنيًّا أو إقليميًّا. وقال التقرير إن مؤسسات التعليم الجامعي تحتاج إلى دمج القدرات البحثية وبنائها، في صلب الخطط الإستراتيجية المؤسسية وإعطاء زخم عملي لكيفية تحقيق هذه الخطط.

وأشار التقرير إلى أن التحدي الرابع يتمثل في أن جامعات القارة السوداء أصيبت بالشلل عن طريق البيروقراطية المفرطة والنظم الإدارية الفقيرة، فمن الأهمية بمكان بناء نظم إدارية تعمل على دعم البحث، وتسعى إلى تعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات المؤسسية والخارجية. وأوضح أن هذا يشمل القدرة على رصد التمويل والموارد، التي تتطلب الزيادة المتنامية في الطلب على التعليم الجامعي، من خلال إدارة مؤسسية قوية واستجابة قوية على مستوى النظام من أجل ضرورات البحث العلمي.

واختتم التقرير بالقول إن التكاليف المقبولة، إضافة إلى وجود نظام تعليم جامعي ذي كفاءة لإنتاج أبحاث كافية وعلى درجة من الجودة، أمر بالغ الأهمية لأجندة التنمية بعد عام 2015م في إفريقيا، ولتحقيق هذا الهدف يجب على القارة السوداء مواجهة الحاجة الملحة والماسة إلى إعادة تكوين نظم التعليم الجامعي وتنشيطها على نطاق واسع.

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *