دراسة حول غياب الأسس التعليمية ومدى تأثيرها في الحياة الإنتاجية للشباب العربي

الرئيسية » تربية وتكوين » دراسة حول غياب الأسس التعليمية ومدى تأثيرها في الحياة الإنتاجية للشباب العربي

هدفت هذه الدراسة التي نشرها مركز التعليم العالمي في بروكينغز (Center for Universal Education at Brookings)، إلى تسليط الضوء على التعليم في الوطن العربي، في الوقت الذي يزداد الاهتمام بمناطق أخرى من العالم، وذلك في سبيل فتح باب النقاش حول هذا الموضوع المهم، حيث برزت أهميته أكثر من أي وقت مضى؛ لتقديم الدعم إلى الجهود المبذولة من قبل العديد من المبدعين، الذين يعملون باستمرار على تقديم التعليم للشباب في الوطن العربي. وأشارت الدراسة إلى أن الاستثمارات التي تتم في قطاع التعليم حاليًّا بما فيها تلك المركزة على الطلاب المتأثرين في النزاعات، سوف تجني فوائد كبيرة في المستقبل، وقد اقترحت الدراسة إطار عمل لتحسين التعليم في الوطن العربي ومساعدة الشباب في سوق العمل، وقدمت مقياس التعلم في العالم العربي (Arab World Learning Barometer)، بوصفه أداة تفاعلية صممها مركز التعليم العالمي في بروكينغز، حيث عمل هذا المقياس على جمع المعلومات من ثلاث عشرة دولة في الوطن العربي.

وقدم إحصاءات حول وتيرة التعليم الأساسي والثانوي وجودتهما، وعمل على قياس عملية التعليم والتعلم من خلال فحص أربعة محاور، تتمثل بعملية الدخول إلى المدرسة والبقاء فيها، ومدى اكتساب الطلبة للمهارات الأساسية في المدرسة، والعلاقة بين التعليم والبطالة بين الشباب. كما عمل على هذه المحاور عن طريق دمج البيانات في أربعة مؤشرات للحصول على التعليم وإنهاؤه، تمثلت بمؤشر انخراط الطلبة في مرحلة الدراسة الأساسية والمرحلة الأولى من الدراسة الثانوية، ومؤشر أعداد الأطفال والشباب خارج مرحلة الدراسة الأساسية، ونسب البقاء في الدراسة وإنهاء الدراسة في المرحلة الأساسية والمرحلة الأولى من الدراسة الثانوية، وكذلك مؤشر نسب الانتقال من مرحلة التعليم الأساسية إلى مرحلة التعليم الثانوي، وذلك مع وجود بيانات من امتحانات الكتابة الدولية، حيث تمت عملية تحديد نسبة الأطفال الذين لا يتعلمون في أثناء الدراسة، من خلال حساب نسبة الذين لم يحققوا المتطلبات الدنيا في تلك الاختبارات، وقد تمت عملية جمع البيانات لهذه الدراسة في الدول العربية ما بين عام 2001م و2012م، وعلى هذا فإن هذه الدراسة لا تعكس التراجعات التي حصلت نتيجة للنزاعات الحديثة في بعض الدول العربية مثل سوريا، التي يشكل النزاع فيها تهديداً لفرص مئات الآلاف من الأطفال في الحصول على التعليم.

وقد ذكرت الدراسة أن الدول العربية التي يصل عددها إلى عشرين دولة تنتشر من شمال إفريقيا إلى الخليج العربي، تشكل تنوعاً مع اختلاف كبير في مستويات الدخل والتطور فيها، حيث تتشكل المنطقة من ثماني دول متدنية إلى متوسطة الدخل، وست دول متوسطة إلى مرتفعة الدخل، وست دول مرتفعة الدخل. كما يتراوح معدل الناتج القومي للفرد من (1361) دولاراً أمريكيًّا في اليمن، إلى (89736) دولاراً أمريكيًّا في قطر. كما بيّن مؤشر التنمية البشرية (Human Development Index)، التنوع الواسع المتساوي في مستويات التنمية البشرية، حيث حصلت الإمارات العربية المتحدة على المركز (41) من بين (186) دولة في العالم، مقارنة مع السودان التي حصلت على المركز (171). ومع استمرار القلق الناتج من الهشاشة والنزاعات وعدم الاستقرار، التي أثرت بشكل كبير في النمو الاقتصادي والتنمية البشرية بالمنطقة ورغم التنوع الحاصل، إلا أن هناك تخوفاً كبيراً في المنطقة بخصوص قدرة الشباب من ولوج سوق العمل بنجاح.

وقد أشارت الدراسة أيضاً إلى أن التنوع بين الدول العربية قد أدى إلى التفاوت بين النتائج، وقدمت الإحصاءات والنتائج لكل بلد على حده ومن ثم البيانات بالمجمل للوطن العربي، ونوهت إلى أن الأحداث الأخيرة التي حصلت في الدول العربية، تؤكد هشاشة المنطقة العربية لما حصل من الحرب الأهلية وحركة اللاجئين في سوريا وعملية الربيع العربي غير واضحة التأثيرات. كما أكدت ضرورة الاهتمام برعاية الشباب العربي، وحيوية الاقتصاد في سبيل بناء أسس للاستقرار والتحول الديموقراطي في بعض الدول؛ لأن قطاع التعليم يُعدُّ محوراً أساسيًّا في هذه الجهود، حيث تعمل قدرات أنظمة التعليم في المنطقة على مساعدة الشباب والأطفال في تطوير مهاراتهم ومنافساتهم، التي سوف تخدمهم بشكل جيد في مستقبلهم.

كما بينت الدراسة أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في العديد من الدول العربية، أسهم في الشعور بخيبة الأمل والإحباط بين السكان وخصوصاً الشباب، فعلى سبيل المثال بينت استطلاعات آراء المواطنين في مصر وتونس أن (83%) من التونسيين، وأكثر من (70%) من المصريين غير سعداء بالوضع الاقتصادي الحالي، وذلك مع تنامي مشكلة البطالة التي يتم تجاهلها في الدراسات الرسمية، التي تقلل من أثر هذه المشكلة وخصوصاً فيما يتعلق باستثناء الشباب والنساء من الحصول على الوظائف.

كما أوضحت الدراسة أن (33%) من الأيدي العاملة التونسية من الشباب، وأن (75%) منهم عاطلون عن العمل، وعلى الرغم من اهتمام معظم الحكومات بمحاكاة متطلبات سوق العمل مثل سياسات البيئة الاستثمارية، إلا أن عملية الدعم لا تلقى أي اهتمام، وسبب ذلك ضمان أن الشباب لا يمتلكون المهارات اللازمة للمنافسة في سوق العمل؛ لذلك لا بد من لفت النظر أكثر من أي وقت مضى إلى أهمية تقديم الدعم للجهود المبذولة في الوطن العربي بهذا المجال، وكذلك التركيز على زيادة الاهتمام الدولي لفرص الحصول على التعليم، وعلى نوعية المهارات والتنافسية والقيم، التي يتلقاها قطاع الشباب خلال التجربة التعليمية، حيث أظهرت النتائج الحديثة أن (250) مليون طفل لا يستطيعون القراءة والكتابة أو حتى العد بشكل جيد، رغم أن الكثير منهم قد أمضى أربع سنوات دراسية في المدرسة. كما أن (200) مليون شاب لا يمتلكون المهارات اللازمة لهم في المستقبل.

وبخصوص الشباب في الوطن العربي قدمت الدراسة لمحة عن فرص الأطفال والشباب لتلقي الدراسة والبقاء في المدرسة، حيث بينت النتائج الحديثة حول الدراسة الأساسية، والدراسة الثانوية أن (3.1) مليون طفل في المنطقة العربية خارج المدرسة منذ عام 2002م، وأن (8.5) مليون طفل مستثنيون من عملية التعليم، معظمهم من الفتيات في المناطق النائية الفقيرة والمناطق المتأثرة بالنزاعات. كما أوضحت تزايد أعداد الأطفال الذين ينهون الدراسة الأساسية أكثر من قبل، رغم توقف المزيد من الطلبة عن الدراسة الثانوية في العديد من الدول خلال العقد الماضي، إذ إن معدل نسبة الأطفال الذين لا يتعلمون في أثناء الدراسة قد وصلت إلى (59%) في مرحلة الدراسة الأساسية، وإلى (48%) في المرحلة الأولى من الدراسة الثانوية، حيث تمت عملية تحديد هذه النسب باستخدام عمليات التقييم المتوفرة في (13) دولة عربية.

وقد أشارت الدراسة إلى أن مخرجات التعليم تختلف بشكل كبير بين الدول في المنطقة العربية، كما أنها تثير القلق في بعض الدول مثل اليمن والمغرب والكويت وتونس، حيث بينت أن نسبة الطلبة الذي يفشلون في مرحلة الدراسة الأساسية تتراوح بين (66%) و(90%)، كما أن أكثر من (60%) من طلبة المرحلة الأولى من الدراسة الثانوية في عمان والمغرب لا يتعلمون، وأن أداء التعلم للأطفال في الدول العربية ما زال تحت التوقعات، مقارنة بمعدل الدخل القومي للدول وهو ما يشكل أزمة تعليم في المنطقة.

كما بينت الدراسة في مقارنة أداء التعليم بين الأولاد والبنات أن هناك عملية ديناميكية متنوعة بخصوص البنات، كونهن الأقل حظًّا في الدخول إلى المدرسة من الأولاد، ورغم ذلك فإنهن الأوفر حظًّا في الانتقال من مرحلة التعليم الأساسية إلى المرحلة الثانوية، كما يتغلبن على الأولاد في عملية التعلم، ورغم الاستثمارات الكبيرة وأداء البنات الأفضل إلا أن النساء ما زلن أقل حظًّا من الرجال في الحصول على وظيفة.

وأظهرت النتائج فجوات متعددة في المعلومات حول التعليم بالوطن العربي، حيث إن القليل من الدول تعمل على قياس المعرفة والمهارات بشكل منظم في مرحلة الدراسة الأساسية والمرحلة الأولى من الدراسة الثانوية. وسلطت الدراسة الضوء على دور التعليم في العلاقة بين الحياة الانتاجية والبطالة بين فئة الشباب، وأكدت وجود نقص في المهارات الأساسية المناسبة التي أسهمت في تفاقم أزمة التوظيف في المنطقة، وركزت على ضرورة الفهم الأفضل للعلاقة بين نظام التعليم وسوق العمل، بما فيها الأسباب المختلفة لمشاركة الشباب والبنات في التعليم، وبينت أن ما خلصت إليه له الأثر الكبير في أنظمة التعليم والأهالي وصانعي السياسات، الذين يركزون على كيفية تعامل المنطقة العربية في مواجهة القضايا الاقتصادية المهمة بما فيها البطالة بين فئة الشباب. كما ناقشت الدراسة آثار مخرجات التعليم في توظيف الشباب بعد مراجعتها بشكل عميق، وأملت أن ما خلصت إليه سوف يقود إلى نقاشات وحوارات بين المعنيين كافة في المنطقة، حول البرامج والمشاريع التي من الممكن أن تكون مثمرة من أجل تطوير عملية التعلم لدى الشباب في الوطن العربي، وأن ما خلصت إليه أيضاً يؤكد الحاجة إلى التدخل الفوري لتحسين المهارات الأساسية للأطفال والشباب العرب؛ لتمكينهم من التقدم في الدراسة ولإيجاد العمل المناسب لهم، حيث يجب تحديد العديد من القضايا المعقدة والمتداخلة من أجل مواجهة التحديات الحالية في أنظمة التعليم في الدول العربية. كما أنه يجب إشراك المعلمين وصانعي السياسات والباحثين والمعنيين في الوطن العربي بشكل فاعل في عملية إصلاحات أنظمة التعليم. وقد قدمت هذه الدراسة تمهيداً يبين ما هو المفيد للبدء به كخطوة أولى، أولها كان بخصوص أنواع الحوافز المالية كالدعم المالي والبطاقات المجانية، التي قد تسرع عملية التقدم في تحسين نوعية التعليم والرعاية المبكرة للأطفال، وتوفير أكبر الفرص لهم لتلقي التعليم والرعاية بأسعار معقولة، وأن الاستثمار في المراحل التعليمية المبكرة للأطفال من أهم الاستثمارات المفيدة التي قد تنتهجها أي دولة في المستقبل، فقد أظهر التعليم المبكر للأطفال تحسناً في قدرة التعلم وفي أدائهم وإنتاجيتهم في المدرسة وسوق العمل، وكلما كان الاستثمار أبكر كانت التكلفة أقل ومن ثم تزداد العوائد الاقتصادية، حيث إن معدلات انخراط الأطفال في الدراسة قبل المرحلة الأساسية بنسبة (25%) في دول مثل اليمن، التي سوف تدر دخلاً فرديًّا في المستقبل يقدر بأكبر من (6.4) ضعف التكلفة الفردية. كما برزت الحاجة إلى منهجية متعددة القطاعات بما فيها القطاع الخاص وقطاع المؤسسات غير الربحية، وذلك من أجل تحديد الفجوات خصوصاً للطلبة الأطفال الفقراء.

كما تساءلت الدراسة عن العوائد المتوقعة من تطوير المنهجية الإقليمية في الوطن العربي في عملية توظيف المعلمين وتدريبهم، حيث لا يمكن تحسين مخرجات التعليم دون تحديد النقص الحاصل في المعلمين وفي نوعية التعليم، وحسب منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة (United Nations Organization for Education, Science and Culture UNESCO)، فإن الدول العربية تمتلك ثاني أكبر حصة في فجوات التدريس بعد جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية (Sub-Saharan Africa)، حيث تحتاج المنطقة إلى إيجاد (500) ألف فرصة عمل إضافية، وإلى استبدال ما يقارب من (1.4) مليون مدرس من الذين يتركون تخصصاتهم، وذلك في سبيل الوصول إلى تعليم أساسي بمواصفات عالمية في عام 2030م، ولسد هذه الفجوة بين الخريجين المؤهلين وإعادة تدريب المعلمين الحاليين، يجب أن يكون هناك أولوية مشتركة بين الدول في المنطقة من خلال وجود الممارسات الوطنية الجيدة، التي يمكن رفع مستواها بتطوير نماذج غير مكلفة ماديًّا.

وقد تساءلت الدراسة عن مدى دعم استيعاب المدارس الحكومية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، في الاستجابة لاحتياجات الطلبة على المدى البعيد، كما برزت الحاجة إلى حلول تأخذ بالحسبان الدول المتأثرة في النزاعات المسلحة، حيث إن هناك أربعة ملايين طفل في الدول المتأثرة في النزاعات خارج المدارس قبل النزاع في سوريا، وكان أغلبهم من العراق والسودان واليمن، بالإضافة إلى مئات الآلاف من أطفال سوريا حاليًّا خارج المدارس؛ وهو ما يبين أن المنطقة تواجه أكبر أزمة تعليم، حيث يحتاج هؤلاء الأطفال إلى الدعم بشكل عاجل للتعليم كجزء من الاستجابة الإنسانية لهم. وكذلك برزت الحاجة إلى منهجية تنمية مستدامة على المدى البعيد في سبيل دعم التعليم لكافة الأطفال اللاجئين والنازحين في المنطقة بما فيهم الأطفال الفلسطينيون، وذلك من خلال دعم الدول للهيئات بهدف طلب الدعم من المنظمات الإقليمية والدولية.

وقد بينت الدراسة بخصوص ما يمكن أن تقوم به الحكومات لتشجيع القطاع الخاص على دعم الابتكار في التعليم، ولتطوير الخطط المالية المبتكرة ولرفع مستوى المبادرات في التعليم والتدريب، أن الحكومات وحدها لا تستطيع تحسين جودة التعليم، ولا بد من مشاركة القطاع الخاص في المنطقة، الذي يُعدُّ المستفيد الأكبر من منجزات التعليم، حيث يشكل الأطفال والشباب الحاليون مجموعة موظفي هذا القطاع في المستقبل. كما برزت الحاجة إلى حوار منظم بشكل أكبر ومستمر بين الحكومات ومؤسسات التعليم والقطاع الخاص؛ لاستكشاف كيفية تحسين توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وكذلك لإيجاد الممارسات والمشاركة والتعاون؛ لتشجيع المزيد من الاستثمارات الخاصة في التعليم، وتطوير الشراكات وبذل مجهود أكبر لجذب الاستثمارات والتنافسية؛ لذا لا بد من تطبيق آليات لضمان وجود الحوار المستمر والجهود المشتركة، وكذلك وجود أنواع جديدة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، التي تساعد الحكومات في زيادة فرص الحصول على التعليم وتحسينها.

كما أكدت الدراسة في النهاية أن عملية جمع البيانات المنتظمة حول مخرجات التعليم واستخدامها، هي خطوة أولى ومهمة لأي دولة تبحث عن تحسين أداء الطلبة. أما بخصوص الفجوات في البيانات الخاصة في عملية تقييم الطلبة، فقد تساءلت الدراسة عن مدى دعم الجهود الدولية الحالية للعمليات المتطورة في قياس مخرجات التعليم وكيفية دعمها في المنطقة، خصوصاً في تطبيق توصيات مجموعة مهمة من مقاييس التعلم (Learning Metrics Task Force LMTF)، بطريقة تدعم جهود الدول لتحسين أنظمة التعليم فيها، حيث خرجت هذه المجموعة بسلسلة من التوصيات لاستخدام العمليات الموجودة في قياس التعلم والابتكار والمقاييس الجديدة؛ لتحسين فرص التعلم  ومخرجات التعليم لجميع الأطفال والشباب في إصدارها (LMTF 2013).

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *