خطط طموحة للتنقيب عن المعادن على سطح القمر

الرئيسية » علم وحضارة » خطط طموحة للتنقيب عن المعادن على سطح القمر

خطط طموحة للتنقيب عن المعادن على سطح القمر

بنهاية عام 2016، من المقرر أن تبدأ مركبة فضائية آلية صغيرة بحجم طاولة القهوة في غرفة الاستقبال، بمحاولة للهبوط برفق على سطح القمر. وحال نجاح هذه المهمة فإن المركبة «إم إكس – 1» الجديدة من شركة «مون إكسبريس» لن تفوز بجائزة «غوغل لونار إكس برايز» البالغ قيمتها 30 مليون دولار فحسب، وإنما ستسهم أيضا في تدشين حقبة جديدة في مجال استكشاف الفضاء لأغراض تجارية.

ويعد الهبوط على سطح القمر إنجازا لم تنل شرف تحقيقه حتى الآن سوى ثلاثة قوى عظمى: الولايات المتحدة وروسيا والصين. ولا شك أن فكرة تمكن شركة ناشئة تضم قرابة 40 موظفا في «سيليكون فالي» تأسست في أغسطس (آب) 2010 من تحقيق الإنجاز ذاته، تنطوي على قدر كبير من الطموح.

وبفضل شراكة عامة – خاصة فريدة من نوعها مع وكالة «ناسا»، نجحت «مون إكسبريس» في الاستفادة من الخبرة الهندسية للوكالة، وكذلك منشآت الإطلاق داخل مركز كينيدي للفضاء.

معادن القمر

بيد أن الطموح الحقيقي يكمن في الخطوة التالية والمتعلقة بالاستراتيجية التي أقرتها «مون إكسبريس» للتنقيب عن المعادن على سطح القمر. وحسبما أخبرني نافين جين، أحد مؤسسي «مون إكسبريس» ورئيسها، عبر محادثة هاتفية، أنه بفضل مبادرات مثل مبادرة «ناسا» لرسم خرائط للتعدين على سطح القمر: «تمكنا من رسم خرائط لكل بوصة على سطح القمر، من المنظورين الطوبوغرافي والتعديني». وعليه، نجحت «مون إكسبريس» في تحديد أربع فئات من الموارد بالفعل يمكن التنقيب عنها لاستخراجها في المستقبل، وهي: مجموعة معادن البلاتين، والعناصر الأرضية النادرة، والهليوم – 3. وصخور القمر.

ومن بين هذه الفئات تكمن الإمكانات الأكبر وراء الهليوم – 3 الذي يوجد في الأرض بكميات بالغة الضآلة. أما على القمر، فالوضع مختلف تماما، نظرا لأن الهليوم – 3 ينشأ عن الإشعاع الشمسي. ولا يوجد بالقمر غلاف جوي على غرار ما تتسم به الأرض يعوق هذا الإشعاع. لذا، فإنه من المعتقد توافر هيليوم – 3 بغزارة على القمر.

ومثلما أوضح جين، فإن القدرة على استخراج هيليوم – 3 يمكن أن يترك تأثيرا هائلا في المستقبل على الأرض وبيئتها، حيث يعد هيليوم – 3 من مصادر الطاقة النظيفة وغير المشعة التي يمكنها توفير الطاقة للمفاعلات النووية القائمة على تقنية الاندماج النووي.

نظريا، يمكن لكمية صغيرة نسبيا من الهيليوم – 3 إنتاج قدر من الوقود النظيف يكفي لتوفير الطاقة اللازمة لصناعات بأكملها، إن لم يكن الكوكب بأسره. ولهذا، أعلن الصينيون أيضا عن خطط للاستخراج تتعلق بالهيليوم – 3 من على سطح القمر.

القارة الثامنة للأرض

من بين الفرص الكبرى الأخرى المتاحة على سطح القمر الماء الذي يصفه جين بأنه «نفط اقتصاديات الفضاء»، مهمة العثور على ماء على سطح القمر الذي سيعد كشفا كبيرا، وذلك ليس للأسباب المألوفة فحسب، حيث إن وجود الماء يعني وجود الهيدروجين والأوكسجين، مما يعني توافر مصدر لوقود الهيدروجين للصواريخ والأوكسجين للتنفس. كما أن ذلك يعزز احتمالية تحول القمر نهاية الأمر إلى محطة لرحلات استكشاف أخرى للكواكب حول الأرض، أو ربما «محطة وقود» ضخمة في الفضاء الخارجي.

في خضم تفكيرها بخصوص السبيل المُثلى لاستغلال القمر تجاريا، تعتمد «مون إكسبريس» على تصور القمر باعتباره «القارة الثامنة في الأرض». وبمجرد أن تشرع في التفكير في القمر باعتباره جزءا من المنظومة البيئية للأرض، وليس ككيان يقف وحده في الفضاء الخارجي، يتغير أسلوب التفكير برمته.

وفيما يلي مثال لهذا التغيير في أسلوب التفكير: ماذا ترى عندما تتطلع نحو القمر ليلا؟ إن معظم الناس لا يرون سوى سطح مقفر مليء بالثقوب لا يحمل أي إمكانات اقتصادية واضحة. إلا أن جين يرى القمر باعتباره «مجمع للكويكبات»، أي باعتباره مصدرا لمعادن نادرة حملتها كويكبات عابرة للكواكب إلى سطح القمر.

وبمجرد أن نهبط على سطح القمر مجددا، سيكون من الأسهل القيام بذلك مرة أخرى. من جانبه، يعتمد جين على مثال قطع مسافة الميل في أربع دقائق ـ وهو إنجاز رياضي كان يُعد في حكم المستحيل في وقت مضى. إلا أنه بمجرد تحطيم هذا الرقم من جانب روجر بانيستر عام 1954. استغرق الأمر 46 يوما فقط كي يحطم عداء آخر هذا الرقم.

وبالمثل، فإنه بمجرد إثبات أن بإمكان شركة صغيرة الهبوط على سطح القمر من دون حاجة لتمويل حكومي بمئات الملايين من الدولارات، فإن هذا قد يفتح الباب أمام شركات أخرى – بما في ذلك شركات أخرى مشاركة في منافسة «غوغل لونار إكس برايز» – للسعي للهبوط على سطح القمر. ومثلما أخبرني جين، فإنه: «نحن على القمة الآن بالفعل، وسيصبح من الممكن ارتياد الفضاء بسهولة للمرة الأولى. وتجتمع جميع التقنيات الكومبيوترية مع بعضها البعض الآن».

ولتوضيح كيف تسهم التغييرات في تقنيات الفضاء في إضفاء روح ديمقراطية على صناعة استكشاف الفضاء، أشار جين لخلفيته كرجل أعمال ناجح معني بمجال الإنترنت. وشبّه جين الصعود للقمر والعودة منه بمهمة وضع ألياف بصرية لشبكة الإنترنت كي يتمكن الجميع من الاتصال بالشبكة. وقد وصف «مون إكسبريس» باعتبارها تضطلع بحل «مشكلة الميل الأخير»، بمعنى الهبوط الفعلي على سطح القمر.

وهنا، عاود جين استخدام تشبيهات ترتبط بالإنترنت لشرح ما يمكن فعله لاحقا، حيث أوضح أن «مون إكسبريس» تشير لنفسها باعتبارها «آيفون الفضاء»، بمعنى أن الشركة ستفتتح منظومة «تطبيق الفضاء» بأكملها بمجرد هبوطها على سطح القمر، وذلك بصورة رمزية، وليس حرفية بالطبع.

من بين الأمثلة على ذلك صناعة الدواء التي يمكن أن تطور مركبات جديدة (أي «تطبيقات» دوائية) من المواد المعدنية الموجودة على سطح القمر. ولا يتطلب تحقيق ذلك التقنيات المتطورة والشراكات المناسبة فحسب، وإنما أيضا إطار العمل القانوني والتنظيمي الملائم. وجدير بالذكر أن معاهدة الفضاء الخارجي للأمم المتحدة الموقعة عام 1967 جرى إقرارها بهدف منع الدول والشركات من الاستغلال التجاري للكيانات الفضائية.

تدخلات في الطبيعة

ومع ذلك، قال جين إن حكما صدر أخيرا عن إدارة الطيران الفيدرالية حول «عدم التدخل التجاري» بخصوص التنقيب في الفضاء الخارجي باعتباره فتحا محتملا بمجال التعدين التجاري على سطح القمر. وأشار إلى أن معاهدة الفضاء الخارجي للأمم المتحدة لم تحظر تحديدا قط النشاطات التجارية، مشيرا لنموذج قانون البحر باعتباره إطارا أفضل لكيفية تنظيم النشاطات التجارية على سطح القمر.

وأضاف أن «قاعدة عدم التدخل التجاري»، حسبما تناولتها إدارة الطيران الفيدرالية يمكنها تمهيد الطريق أمام الشركات لتحديد مناطق عملها على سطح القمر، حتى وإن لم يكن لها ملكية فعلية لمساحات على سطح القمر.

ومع ذلك، فإنه حتى حال تناول القضايا التنظيمية، سيبقى هناك خلاف واسع النطاق داخل المجتمع العلمي حول الإمكانات الاقتصادية المحددة التي يوفرها القمر. مثلا، عند النظر إلى الهيليوم – 3، فإن القمر ربما يحوي كمية كافية منه لتوفير طاقة لكوكب الأرض لمدة 10 آلاف عام. أو قد لا يحوي كمية كافية لجعل التعدين التجاري على سطح القمر مربحا، حتى لو جرى التنقيب على سطح القمر بأكمله. ويمكن طرح الحجج ذاتها بخصوص أي مواد معدنية أخرى نادرة تمثل دافعا لدى البعض للسعي لإجراء أعمال تنقيب على سطح القمر.

ومع أن الاختبارات الأولى التي أجرتها «مون إكسبريس» أثمرت نتائج مثيرة للأمل، فإن الطريق لا يزال أمامها طويلا. وخلال مقطع فيديو على موقع «يوتيوب»، يظهر النموذج الأولي لـ«إم إكس – 1» أثناء استعداده لإجراء اختبار في ديسمبر (كانون الأول) 2014 أقرب لجهاز يشارك في تجربة علمية جامعية وليس جهازا يدشن حقبة جديدة من التعدين بالفضاء لأغراض تجارية.

إلا أنه حاليا تبقى «مون إكسبريس» واحدة من المتنافسين للفوز بجائزة «غوغل لونار إكس برايز» البالغ قيمتها 30 مليون دولار، وذلك بحلول نهاية 2016. وحال تحقيقها ذلك، فإنها قد تصبح شركة رائدة بمجال الاستغلال التجاري للقمر.

الشرق الأوسط

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *