خطط طموحة للتنقيب عن المعادن الثمينة في الأجرام السماوية

الرئيسية » علم وحضارة » خطط طموحة للتنقيب عن المعادن الثمينة في الأجرام السماوية

يناقش علماء وباحثون حول العالم احتمالات التوجه إلى الفضاء للتنقيب عن المعادن الثمينة النادرة في الأجرام السماوية، ولذا تُطرح كثير من الأسئلة حول إمكانات نجاح مهمات فضائية كونية كهذه. وقد أجرت مجلة “المهندس” الإلكترونية البريطانية حوارا مع أيان كروفورد البروفسور في علوم الفضاء كلية بيركبيك بجامعة لندن، وديفيد غامب رئيس التنفيذي لشركة “ديب سبايس انداستريز“، وكريس لويكي رئيس شركة “بلانيتري ريسورسيز“، وسارة سيغر البروفسورة في علوم الكواكب في معهد ماساتشوسيتس الأميركي للتكنولوجيا.

خامات كونية

ما الدلائل الموجودة على أن هنالك كميات كبيرة كافية من الخامات المعدنية في الفضاء الخارجي لجعل التنقيب عنها اقتراحا معقولا وممكنا؟ عن هذا السؤال تجيب البروفسورة سارة سيغر بالقول: “الدليل هو في الكويكبات الصغيرة، أو قطع منها، التي تتساقط على الأرض على صورة نيازك. فقد جرى جمع الآلاف منها ودراستها بالتفصيل، وبذلك يدرك العلماء عموما مكونات هذه الكويكبات، وما تحتويه من معادن ثمينة”.

أما كريس لويكي المتخصص بموارد الكواكب عقب على ذلك بقوله: “لقد تمكنا من تعزيز معلوماتنا هذه عن طريق الوسائل الحديثة، مثل أعمال المراقبة التلسكوبية، والتقاط أطياف هذه الأجسام، فضلا عن الرادارات التي تخبرنا الكثير عن خصائصها، لا سيما تلك التي تمر على مقربة من الأرض. وفي أفضل الحالات، تمكنا من إرسال عدة بعثات إلى هذه الكويكبات وقياسها عن قرب، كما تمكنا في إحدى الحالات من أخذ عينات منها، التي أفادتنا بوجود كثير من هذه الموارد هناك”.

من جهته، يقول ديفيد غامب المتخصص في صناعات أعماق الفضاء إن فكرة الخامات المعدنية تعتمد على خبرة الاستخراج في الأرض، حيث أنتجت عمليات الاستخلاص الجيوكيميائية الدورية وتركيزها، عينات قليلة من معادن الخام المركزة جدا في قشرة الأرض. وبخلاف الأرض، فإن هذه الكويكبات هي في الغالب أجسام غير متمايزة، إذ إنها لم تتجزأ أبدا إلى خامات داخلية وغطاء وقشرة. ولهذا السبب لا ضرورة للتنقيب عن الخامات المعدنية، نظرا إلى أن الجرم السماوي برمته مكون من الخام.

كويكبات ثمينة

ويظل السؤال التالي مطروحا: ما الكويكبات التي تستحق البحث فيها، أهي تلك التي جرى الحصول على تركيبها الكيميائي بصورة رئيسة من دراسة طيفها الضوئي، وطيفها بالأشعة ما دون الحمراء.

وتجيب سارة سيغر بأن العامل السديد هنا هو ما يتعلق بالكلفة والسهولة الفضائية في الوصول إلى أسهل الكويكبات منالا، عن طريق السفن الفضائية والهبوط على سطحها، والإقلاع منها ثانية. والكويكبات التي تثير الاهتمام منها، هي تلك ذات السرعة البطيئة مقارنة بالأرض، ذات الجاذبية السطحية المنخفضة. ويبلغ عدد الكويكبات القريبة من الأرض (NEA)، التي يمكن الوصول إليها بصورة أفضل من غيرها عدة آلاف، لكون مداراتها تتقاطع مع مدارات الأرض، ويمكنها الاقتراب منها.

أما عن السؤال حول أي الخامات المعدنية التي تشكل قيمة كافية للتنقيب عنها؟ فإن أيان كروفورد البروفسور في جامعة لندن يجيب بالقول: “تتألف الكويكبات المعدنية في الأساس من خليط معدني صافٍ من النيكل والحديد. وعلى الرغم من أن الأرض تمتلك احتياطيات كبيرة من هذين العنصرين، ومن المحتمل أننا قد لا نحتاج إليها في المستقبل القريب، إلا أن هذه الكويكبات تحتوي أيضا على مئات الأجزاء في المليون من عنصري الذهب والبلاتين. ونتيجة لذلك، فإن التقديرات تشير إلى أن كويكبا معدنيا واحدا صغيرا، بعرض 200 متر تقريبا، قد يساوي 30 مليار دولار بأسعار اليوم.

“أما الأنواع الأخرى من الكويكبات، فتقدم مواد قابلة للاستغلال أيضا. فكويكبات (كاربونيكوس كوندرايتس) الغنية بالكربون التي تشكل 10 إلى 15 في المائة من عدد الكويكبات الإجمالي، غنية نسبيا بالمواد المتطايرة. وعلى الرغم من عدم أهميتها ربما لاقتصاد الأرض، فقد تشكل أهمية لاقتصاد الرحلات الفضائية في المستقبل، عن طريق تزويد البعثات الفضائية المأهولة منها وغير المأهولة (الروبوتية)، بالماء والهيدروجين والأكسجين لاستخدامها، بدلا من الحاجة إلى نقلها من الأرض عبر قوة جاذبيتها. ويحتوي الكويكب الذي يبلغ قطره نحو 500 متر الغني بالبلاتينيوم من هذه العناصر، بما يساوي قيمة كل ما نقب عنه عبر التاريخ”! ويؤكد هذا القول كريس لويكي، خاصة أن البلاتينيوم هو عنصر غالٍ جدا، إذ تبلغ سعر الأونصة منه اليوم أكثر من 1600 دولار. وأضاف أنه “على الرغم من تكلفة التنقيب العالية في الفضاء الخارجي، غير أن ما سنحصل عليه ستفوق قيمته هذه الكلفة بكثير. وأفضل مثال على ذلك، هو التنقيب عن النفط في المناطق البحرية”.

ومن جهته، يؤكد غامب أن الكويكبات الصغيرة من شأنها إنتاج منتجات عالية القيمة من كميات متواضعة جدا، وعلى سبيل المثال؛ فإن الخام العالي الجودة والنوعية الموجود في كويكب بطول 5 أمتار، تساوي قيمته بين 200 و500 مليون دولار.

أجهزة تنقيب فضائية

أما عن فنون التنقيب، فقد تُستخدم أساليب شتى، حسب المواد المنقب عنها، لكن العلماء يفكرون بشكل عام بأجهزة تنقيب تشبه حيوان “الخلد” وغيرها من الأدوات، للوصول إلى قلب المذنبات النائمة التي لها طبقة خارجية من التراب تغطي طبقة حجرية تحيط بنواتها من المواد المتطايرة، والسيليكات، والمواد الكربونية.

وتقول سارة سيغر، وردا حول التقنيات الجديدة التي نحتاجها للقيام بالتنقيب في الفضاء الخارجي، والقدرات الجديدة التي ينبغي تطويرها، إن “تقنية السفن والمركبات الفضائية باتت موجودة حاليا للسفر إلى أحد الكويكبات، وأخذ عينات منه، والعودة مجددا إلى الأرض، لكن علينا العثور على أساليب أسرع وأقل تكلفة، ومنها نوع منها يعمل روبوتيا في جو قليل الجاذبية، أو انعدامها”.

وحول المواد المنقب عنها المعادة إلى الأرض، وما إذا كانت على صورة مواد خام، أو صافية مكررة يمكن استخدامها في عمليات الإنتاج في الفضاء، يقول كريس لويكي إنه “يمكن استخدام غالبيتها في الفضاء، تماما، كما نفعل على الأرض، حيث ننقب عنها، ثم نقوم بتكريرها هنا. فكلفة نقلها إلى الفضاء، هي ككلفة نقلها إلى الأرض، وإن اختلفت القيمة. فنحن راغبون في الحصول على معادن صافية بحدود معقولة قبل نقلها هنا وهناك“.

ويلاحظ ديفيد غامب أن قيمة الماء والمعادن الآتية من الكويكبات هي الأعلى في المدارات العالية الثابتة المتزامنة مع الأرض، وما وراءها، نظرا إلى ارتفاع تكلفة الإطلاق. وبذلك فإن تكلفة الماء والمعادن هناك هي 17 مليون دولار للطن الواحد، لدى إعادتها إلى الأرض، مقارنة بطن الفولاذ الذي يباع على الأرض بمبلغ 700 دولار. كما أنه من السهل الوصول إلى الكويكبات، وكذلك على صعيد تكلفة ذلك أيضا، عندما تكون مداراتها متقاربة مع الأرض. وهذا ما يحصل كل 20 إلى 50 سنة. وهذا يعني الانتظار عقودا وعقودا للقيام بعمليات التنقيب في الفضاء. وهذا غير عملي أبدا.

اصطياد الكويكبات

لذا علينا جلب الكويكبات الصغيرة التي يبلغ طولها بين 5 و10 أمتار إلى مدار يشبه موقفا للسيارات قرب الأرض، كالذي هو موجود حول القمر، أو إلى نقطة تتوسط المسافة بين الأرض والقمر، حيث تتعادل جاذبية الاثنين هناك، مما يمكن جمع نحو 200 إلى 1500 طن من الكويكبات هناك، شرط أن تكون غنية بالخام القابل للمعالجة والتكرير.

وحول الجدول الزمني للبدء بهذه العمليات، جاءت الإجابة من غالبية الذين سُئلوا بأنها قد تبدأ استكشافيا في عام 2015، لتتواصل في الأعوام 2017 وما بعدها، على صعيد جمع عينات، مما يعني جمع كميات تجارية من الخام في مدار للأرض في حدود عامي 2021 و2022.

لندن/ الشرق الأوسط

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *