جيريمي ريفكين Jeremy Rifkin مهندس الثورة الصناعية الثالثة

الرئيسية » إبداع وتنمية » جيريمي ريفكين Jeremy Rifkin مهندس الثورة الصناعية الثالثة

الباحث الاقتصادي والمستقبلي جيريمي ريفكين، الأميركي الشهير من أبرز الأعلام الذين يجمعون بين البحث والتنظير الفكري والعمل الميداني تدريسا وفعلا اجتماعيا ومدنيا بخصوص التحديات التي تواجه إنسان القرن الواحد والعشرين  حول التغيرات  المناخية ومستقبل الحياة على كوكب الأرض وآثار الثورة التكنولوجية التي كان يفخر بها الإنسان في القرن الماضي على  الإنسانية جمعاء في قرننا الحالي.

خصص كتابه الأخير “الثورة الصناعية الثالثة” مع مجيء الطاقات المتجددة ونمو التواصل الرقمي من أجل الإعلان عن انخراط العالم في عهد اقتصادي جديد.

ولد جيريمي ريفكين في دنفر، كولورادو 26 يناير 1945، في أسرة كانت تشتغل بصناعة إنتاج الأكياس البلاستيكية، ونشأ وترعرع في جنوب غرب شيكاغو.

حصل على درجة البكالوريوس (بكالوريوس في العلوم) في الاقتصاد من كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا، حيث كان رئيسا لفوج الخريجين في 1967 وفاز بجائزة جمعية خريجي العام.

ويعتبر اليوم من كبار المتخصصين في الاستشراف الاقتصادي والعلمي  ومستشار لمؤسسات وشخصيات سياسية مختلفة.

وهو أيضا مؤسس ورئيس “مؤسسة الاتجاهات الاقتصادية” FOET  (Foundation on    Economic Trends ou FOET)  ومقرها في واشنطن، حيث يقوم عمله على الرصد والاستشراف والاستكشاف لإمكانات علمية وتقنية جديدة، وتتبع آثارها الاجتماعية والبيئية والسوسيو اقتصادية.

ويبدو أن اهتمام ريفكين بالشأن السياسي في بعده الإنساني كان مبكرا منذ الستينيات حين قرر في عام 1966 المساعدة في الدفاع عن حرية التعبير ضد حرب فيتنام، والمشاركة في حركة السلام ضد الحرب. فاهتم بالقانون الدولي والدبلوماسية، وحصل على درجة الماجستير في عام 1968 في الشؤون الدولية في كلية فليتشر “للقانون والدبلوماسية” في جامعة تافتس. واستمر ريفكين في المشاركة ضد الحرب، وانضم إلى منظمات غير حكومية “متطوعون في خدمة أميركا”.

كما ان وعيه بالطاقة وآثارها الاقتصادية والسياسية كان هو الآخر مبكرا منذ السبيعينات حيث  نظم ريفكين احتجاجات حاشدة ضد شركات النفط في عام 1973، وعمل نشطاء على رمي براميل النفط فارغة في ميناء بوسطن. كان ذلك أعقاب ارتفاع أسعار البنزين من جراء حظر أوبك على النفط في  خريف 1972.

ولا يخرج عن قاعدة اهتماماته الأولية والمبكرة التي طبعت شخصيته العلمية والعملية  الاشتغال  بالمستقبليات والاستشراف حيث أسس عام 1977، برفقة  هوارد تيد  Ted Howard، “مؤسسة الاتجاهات الاقتصادية” FOET) )، وهي مؤسسة استشرافية اهتمت بالتحديات البيئية والاقتصادية والمناخية في السياسات العمومية للولايات المتحدة وغيرها من البلدان. وتقوم بدراسة الظواهر الناشئة والاتجاهات الرئيسية وتأثيرها على البيئة والثقافة والاقتصاد والمجتمع. كما انخرطت في قضايا العدالة، والتعليم العام، والأنشطة التعاونية لخدمة أهداف المؤسسة.

يقيم ريفكين اليوم في ضواحي واشنطن (ماريلاند) وهو محاضر شهير، تلجأ إليه العديد من الشركات، كما الحكومات والمنظمات وممثلي المجتمع المدني والجامعات منذ عام 1975 في مجالات الاستشارة والتكوين.

يعتبر ريفكين بأنه المهندس الرئيسي لل”الثورة الصناعية الثالثة”، والتي قدمها في كتابه الأخير باعتبارها إجابة عن تحديات الأزمة الاقتصادية العالمية، والأمن الطاقي والتغير المناخي.

والثورة الصناعية الثالثة من خلال سياق بحثه تقتضي أنها لاحقة لثورتين سابقتين، فقد وقعت الثورة الصناعية الأولى في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وكانت نتيجة اقتران ثلاث ظواهر هي:

  1. تطور الآلة البخارية.
  2. استعمال الفحم باعتباره مصدرا للطاقة.
  3. ظهور السكك الحديدية باعتبارها وسيلة للتواصل.

 حيث ولد  تظافر عناصر هذا المركب الثلاثي اقتصادا جديدا  قام على النسيج والصناعات المعدنية.

أما الثورة الصناعية الثانية،  فقد حدتث في أواخر القرن التاسع عشر ، وكانت ثمرة تطور:

  1. محرك الاحتراق الداخلي moteur à explosion .
  2. استعمال البترول والكهرباء باعتبارهما مصدري الطاقة.
  3. اعتماد التلغراف والهاتف كوسائل اتصال.

فأطروحة جيريمي ريفكين بهذا الخصوص واضحة وبسيطة،  فعندما يتم اكتشاف منظومة طاقية وتكنولوجيا اتصالات جديدة، يقع تحول جذري في الاقتصاد ومن ثم شبكة العلاقات القيمية والإنسانية. وبحسب ريفكين، تتميز الثورة الصناعية بالآلية الجديدة، ومصدر جديد للطاقة ونمط جديد من الاتصال. ولذلك فالثورة الصناعية الثالثة ليست إلا اقتران أنظمة الإعلاميات، باستخدام الطاقات المتجددة والشبكات الاجتماعية باعتبارها وسائل الاتصال  الجديدة.

بهذه النمذجة يخلص ريفكين إلى أن العالم اليوم يدخل “ثورة اقتصادية” و “نموذجا اقتصاديا جديدا” اصطلح عليه بالثورة الصناعية الثالثة.

ولقد وافق البرلمان الأوروبي في عام 2007  بشكل  رسمي على “الثورة الصناعية الثالثة” ويجري العمل بمقتضياتها من قبل وكالات مختلفة داخل اللجنة الأوروبية، فريفكين هو مؤسس ورئيس المائدة المستديرة لأعمال الثورة الصناعية العالمية الثالثة Third Industrial Revolution Global CEO Business Roundtable ، والتي  يلتقي حولها مسؤولون وأكثر من 100 خبير عالمي رائد في الطاقة المتجددة والصناعة والخدمات الطاقية، وشركات المهندسين المعماريين، و العقارات، والأعمال التجارية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنقل، والخدمات اللوجستية.

يشتغل مع ريفكين فريق عالمي للتنمية الاقتصادية ينسق العمل مع المدن والجهات، والحكومات الوطنية لوضع خطط رئيسية للانتقال بالاقتصاد إلى ما بعد مجتمع الكربون  société post-carbone    وتهيئ البنيات التحتية للثورة الصناعية الثالثة.

طور ريفكين وفريقه في عام 2009، برامج وخطط  تنزيل الثورة الصناعية الثالثة للمدن سان أنطونيو (بتكساس) وروما (بإيطاليا) من أجل الانتقال باقتصاد المدينتين إلى المناطق الأولى الخالية من  الكربون في العالم.

و ليس هذا الأمر جديدا على ريفكين فهو منذ عام 1988، ينشط في ميادين التحسيس بخطورة الاحتباس الحراري منبها إلى ضرورة استثمار الصناعة السينمائية والموسيقية ومختلف الفنون في الإسهام بنشر الوعي بالمخاطر المحدقة بالإنسان والطبيعة وضرورة التخطيط المستبق للحد من آفاتها المتزايدة.

وفي سنة 1994 أصبح ريفكين محاضرا بجامعة بنسلفانيا حيث يقوم بتكوين رؤساء الشركات والأطر العليا من مختلف دول العالم  بخصوص الاتجاهات الكبرى للعلوم والتكنولوجيا.

بعد نشر كتابه عن اقتصاد الهيدروجين، عمل ريفكين في  كل من الولايات المتحدة وأوروبا للدفع سياسيا بقضايا الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة. حيث  كان له دور فعال في تأسيس “التحالف الأخضر للهيدروجين” Green Hydrogen Coalition بالولايات المتحدة ، والذي يضم 13 منظمة بيئية وسياسية، ويسعى هذا التحالف الكبير إلى  بناء وتأسيس اقتصاد الهيدروجين الذي يعتمد مصادر الطاقة المتجددة.

 فريفكين  يعتبر من القلائل الذين يغلب عليهم التفاؤل، إذ أغلب المشتغلين بهذه الميادين تطغى عليهم نزعة سوداوية، فهو يبشر بعودة منظومة قيم التضامن والتعاطف بين بني البشر من أجل مواجهة المخاطر التي أصبحت تهدد الجميع بدون استثناء، فهو يعتبر أن القرن الماضي سادت فيه نزاعات جيو سياسية كبيرة بسبب الطمع في السيطرة والاستحواذ على الطاقات بخلاف القرن الحالي الذي يرى بأنه سيكون أكثر أنسنة وتعاضدا.

له مؤلفات عديدة من بينها ما صدر له مؤخرا “الثورة الصناعية الثالثة”2012، و”ضمير جديد لعالم في أزمة. نحو حضارة التعاطف”، 2011.

عبد الصمد غازي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *