تقنيات المعرفة التفاعلية

الرئيسية » إعلام ورقميات » تقنيات المعرفة التفاعلية

تعود بدايات تطبيقات المعرفة التفاعلية إلى عدة سنوات مضت، حيث بدأ هذا المصطلح بالظهور للتعبير عن أنظمة الحوسبة المتطورة القادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات والتعلم من هذه البيانات لاستخلاص حلول ومقترحات لمشاكل معقدة، مثل تطوير الأدوية ورسم خرائط الكواكب في المجرة. تطمح هذه التقنيات إلى محاكاة أساليب الذكاء البشري في التعلم ومعالجة المعلومات واستثمار القدرات الكبيرة لتقنيات الحوسبة في تطبيق هذه الأساليب على كميات ضخمة من البيانات.

لكن مجالات تطبيق هذه التقنية ظلت محصورة في الحقول التخصصية كتطبيقات الدفاع والبحث العلمي والفضاء، وذلك بسبب تعقيد الأنظمة المستخدمة وارتفاع تكاليفها، مما جعلها بعيدة عن متناول المستخدمين العاديين، إلا أن التطورات المستمرة والانتشار المتزايد لتقنيات الحوسبة السحابية قد يضعان تطبيقات المعرفة التفاعلية في مصاف التقنيات الاستهلاكية المتاحة للعامة في المستقبل القريب.

ولعل أشهر تطبيقات المعرفة التفاعلية الاستهلاكية المتوافرة حاليا تطبيق المساعد الصوتي الافتراضي “سيري” الذي طرحته شركة أبل الأميركية ضمن هواتفها الذكية منذ العام 2010، ويمكن لمستخدم الهواتف المزودة بهذا التطبيق التفاعل مع هاتفه باستخدام الأوامر الصوتية، ليقوم سيري باستيعاب الطلب والقيام بالأفعال المطلوبة، كالبحث عن معلومة ما ضمن شبكة الإنترنت أو حجز طاولة للعشاء في مطعم ما أو طلب سيارة أجرة.

وبعد النجاح الذي لقيه سيري عند إطلاقه، أسرعت شركة غوغل بإطلاق منصة “غوغل الآن” التي تعمل بشكل مشابه لطريقة عمل سيري، وتتيح لمستخدمها التفاعل مع خدمات غوغل المختلفة باستخدام الأوامر الصوتية.

الحوسبة السحابية

لم يكن لسيري أو لأي من منافسيه أن يرى النور لولا اعتماده على تقنيات الحوسبة السحابية التي ذللت الكثير من العقبات التي واجهت تطبيقات المعرفة التفاعلية في السابق. ومن أبرز هذه العقبات صعوبة تحليل الأوامر الصوتية وتحويلها إلى تعليمات واضحة يمكن للحاسوب التعامل معها، إذ تتطلب هذه العملية قدرا كبيرا من قدرات المعالجة وقواعد بيانات صوتية يتم تحديثها بشكل دائم، وكذلك صعوبة البحث عن المعلومات المطلوبة لتنفيذ التعليمات التي يتلقاها التطبيق وتحليلها واستخلاص القرارات منها، وهو ما يحتاج إلى مورد هائل من البيانات والمعلومات.

وتقدم شبكة الإنترنت وتقنيات الحوسبة السحابية حلولا ناجعة لهذه التحديات، إذ يمكن نقل عملية تحليل الأوامر الصوتية من جهاز المستخدم إلى منصات للحوسبة السحابية مخصصة لهذه الغرض، وبالتالي إزاحة عبء القيام بهذه العمليات الحاسوبية المعقدة من جهاز المستخدم، مما يتيح إمكانية توفير هذه الخدمات على أي جهاز متصل بشبكة الإنترنت مهما كانت قدراته الحاسوبية بسيطة، كما توفر شبكة الإنترنت أيضا أكبر مصدر للمعلومات في العالم، والذي يمكن لمنصة الحوسبة السحابية البحث ضمنه بسرعة عن المعلومات المطلوبة لمساعدتها على اتخاذ القرار.

تسمى المنصات السحابية التي تستثمر هذه الميزات بمنصات خدمات المعرفة التفاعلية (CaaS)، والتي يمكن اعتبار تطبيقي “سيري” و”غوغل الآن” جزءا منها. ومن أبرز خصائص هذه المنصات أنها تتضمن بوابات برمجية تتيح لمطوري التطبيقات استخدامها لإدخال ميزات المعرفة التفاعلية إلى أجهزتهم وبرمجياتهم، والتي لن تحتاج إلى قدرات حاسوبية خارقة باستثناء قدرتها على الاتصال بشبكة الإنترنت (يتوقع تقرير لغارتنر أنه مع حلول العالم 2020، سيصبح أي منتج يتجاوز سعره المائة دولار أميركي متصلا بشبكة الإنترنت، وبالتالي فإن ربط هذه المنتجات بمنصات المعرفة التفاعلية سيصبح سهلا للغاية).

وستمكن إضافة ميزات المعرفة التفاعلية هذه الأجهزة والبرمجيات من التفاعل مع مستخدمها بذكاء وكأنها تقوم بمحادثته. فعلى سبيل المثال، سيصبح بإمكانه الدخول في حوارات ونقاشات هادفة (أو غير هادفة) مع التطبيق، أو إعطائه أوامر شفهية. ويمكن لهذه التطبيقات بدورها أن تتفاعل مع (إنترنت الأشياء) لتحويل أوامر وطلبات المستخدم إلى أفعال فيزيائية، كإطفاء الأنوار في المنزل أو تشغيل جهاز التكييف في وقت محدد.

ستفتح منصات خدمات المعرفة التفاعلية الباب أمام سيل من الابتكارات والإبداعات لتحويل كل “شيء” يمكن ربطه بشبكة الإنترنت إلى كائن ذكي (كالهواتف والثلاجة والسيارة والمنزل والملابس) وبتكلفة بسيطة، لأن تعقيدات الذكاء الصنعي وقواعد البيانات ستنحصر في المنصات السحابية.

وقد بدأت بوادر هذه الابتكارات تلوح في الأفق، فقد قام مهندس بريطاني بتطوير دمية ناطقة أسماها “سوبر توي” يمكن ربطها بشبكة الإنترنت عبر هاتف ذكي لتصبح قادرة على الدخول في نقاشات وحوارات مع صاحبها، كما يمكنها البحث عن أي معلومة متاحة عبر شبكة الإنترنت ونقلها شفهيا إلى محادثها، ولا يتجاوز ثمن هذه الدمية 65 دولارا أميركيا، ويُتوقع أن تطرح في الأسواق في مطلع العام القادم.

فهل سنذهب قريبا إلى عالم سيصبح كل ما فيه ذكيا؟ إن غدا لناظره قريب.

الجزيرة

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *