باحثون يستحضرون إنجازات الراحل العلامة القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي

الرئيسية » تربية وتكوين » باحثون يستحضرون إنجازات الراحل العلامة القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي

في ندوة فكرية رفيعة احتضنتها المكتبة الوطنية للملكة المغربية مؤخرا تبادل عدد من الأساتذة والباحثين الشهادات حول العلامة المغربي الراحل، سيدي محمد بن إدريس العلوي، على هامش مناقشة مؤلف المؤرخ أحمد إشرخان “العلامة المغربي القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي٬ قضايا في الفكر المعاصر”، والذي يعيد التنقيب في حياة هذا العلامة المغربي الذي ترك آثارا في الفقه والتعليم والقضاء والسياسة وغير ذلك، تستحق المزيد من الدراسة والإضاءات

العلامة المغربي القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي٬ قضايا في الفكر المعاصر

برأيهم ربط بين الفقه والسياسة وتبنى مبكرا فكرة أن “العلم هو العمل”

في أمسية فكرية حضرها العديد من الأساتذة والباحثين، يوم الخميس الماضي بالمكتبة الوطنية، تمت مناقشة مؤلَّف الباحث أحمد إشرخان “العلامة المغربي القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي٬ قضايا في الفكر المعاصر”، والذي يؤرخ لمسار وإسهام القاضي محمد بن إدريس العلوي (1887-1951)، أحد الشخصيات العلمية والثقافية البارزة في النصف الأول من القرن العشرين، من خلال ما ترك الفقيد من خطب ومحاضرات وفتاوى ومؤلفاتهن وكذا من مواقف همت جوانب سياسية من حياة هذا العلامة وخاصة منها موقفه من التعليم الذي كان أحد أوائل المطالبين بإصلاحه، هذا عدا عن موقفه الرافض للاستعمار.

وقال الباحث أحمد إشرخان مؤلف سيرة هذا العلم المغربي٬ إن الكتاب هو توثيق حياة عالِم كان شديد الارتباط بمجتمعه٬ وتبنى مبكرا فكرة أن “العلم هو العمل” في مسعى لجسر الهوة بين المعرفة والواقع، مؤكدا أن العلامة المغربي كان مثقفا ملتزما بقضايا شعبه ومجتمعه وليس مثقفا منزويا في برجه العاجي، وأنه كان يسخر العلم للفعل في الواقع وتغييره٬ كما أنه كان أول من عمم عقود الزواج في مدينة زرهون.

وأضاف المؤرخ إشرخان الأستاذ بكلية تازة المتعددة التخصصات، في ندوة مسائية احتضنتها المكتبة الوطنية للملكة المغربية مساء يوم الخميس الماضي، أن كتاب “العلامة المغربي القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي٬ قضايا في الفكر المعاصر”٬ يحاول تجسيد صورة فرد في فرادته وخصوصيته٬ مؤرخا للقاضي من ولادته إلى وفاته٬ ومبرزا أهم محاور فكره ونشاطه الفقهي.

ويتضمن المؤلف المكون من 944 صفحة تأريخا لنشأة الفقيه القاضي، وسيرته في طلب العلم، وتوليه كرسي القضاء، وعلاقته بالقصر الملكي، وبالقضاة، وعلماء عصره، ومشاركته في القضايا المطروحة، وقصة عزله من القضاء، وقصائده، وخطبه في الجمعة، والمناسبات، ومحاضراته، ونماذج من الوثائق والصور ذات القيمة التاريخية.

وخلال نفس الندوة ذكر صاحب المؤلف بأن كتابه هو سبر في حياة المدن التي تنقل عبرها العلامة الراحل، ومنها بالخصوص مدينة سلا المجاهدة، وعلاقة العلامة بالحركة العلمية بالوطن وبالمدارس العلمية التي كان الراحل ابن إدريس يلقي الدروس بها، ودور هذه المدارس في تقديم الدعم للمقاومة الوطنية، منوها إلى أن العلامة المغربي ساهم بشكل كبير في تأسيس المدرسة الوطنية إلى جانب فقيد الأمة السلطان محمد الخامس.

وإيمانا منه بالقضايا الإنسانية، يقول المؤلف في حق المحتفى به، فإن الراحل لم يتردد في الدعوة إلى تقديم السند والدعم لفرنسا ماديا بالمدد ومعنويا عن طريق تقديم الدروس الحاثة على ذلك، في مواجهة الدولة الفرنسية للحكم الألماني النازي، وهو ما كان يتقاطع مع توجهات سلطان البلاد آنذاك.

وتناوب على تقديم الشهادات في حق المؤلف وكذا المحتفى به عدد من الأساتذة والباحثين، خلال الأمسية التي أدارها مؤرخ المملكة المغربية، عبد الحق المريني، وحضرتها الأستاذة بدر السعود العلوي، ابنة الفقيه القاضي ابن ادريس، والتي كان لها دور مهم في إخراج المؤلف إلى حيز الوجود.

وأشار الدكتور شوقي بَين بَين إلى أن الكتاب يعتبر ترجمة (مونوغرافيا) لحياة شخصية مغربية فذة، عُرفت بمواقفها الوطنية ضد الاستعمار والمستعمر وهو ما كان له الأثر على حياته  الشخصية والعملية حيث تم عزله عن ممارسة القضاء، مضيفا أن المؤلف عرض أيضا لبعض قصائد العلامة المغربي، وبعض الخطب والرسائل التي همت صلاة الجمعة وقضايا المدرسة.

من جانبه اعتبر الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أن الحديث عن المجاهد القاضي ابن إدريس هو حديث ذو شجون، على اعتبار ما تميز به هذا العلامة المغربي من خصال العلم، والسلوك، والعزة، والزهد، والأمان، والانتصاف للمظلوم من الظالم، منوها إلى عدد من القرارات الوطنية الحاسمة التي كان من ورائها العلامة الفقيد كمقترح الاحتفال بعيد العرش، ومؤكدا في ذات السياق أن الراحل حاز عن استحقاق لقب “العالم النفاعة”٬ وقد جعل من نفسه قدوة بإرسال أبنائه وبناته إلى المدارس العمومية والحرة كما أنه كان “نوازليا ومجسرا بين الفقه والعمل السياسي”.

وأضاف الدكتور عبادي في شهادته أن العلامة، من خلال مختلف مواقفه، أظهر ذكاء كبيرا، كما كان عدله وإنصافه منتشرا بين الناس، ولذلك كان يحج إليه القوم من كل حذب وصوب، مضيفا أن ابن إدريس العلوي كان عالما عضويا بما تحمله الكلمة من معنى، وكان متفتحا على العلوم واللغات بحيث لم يكن يأل جهدا للحصول على المجلات الأجنبية؛ ولعل كل ذلك ما جعل يقدم على تقديم أول تقرير إلى جلالة المغفور له محمد الخامس من أجل إصلاح التعليم الأولي.

وفي تقديم الطبعة الأولى للكتاب تقول الأستاذة بدر السعود العلوي، ابنة الفقيه القاضي ابن إدريس، التي أشرفت على العمل، إن الأمر يتعلق بسيرة “شخصية متعددة الجوانب، له اليد الطولى في النوازل الفقهية والأبحاث العلمية؛ فزيادة على ثقافته الواسعة، وتمكنه من الاطلاع على أسرار التشريع الإسلامي من موارده الصافية المتمثلة في الكتاب والسنة، وعمل السلف الصالح واجتهاد الأئمة، فقد كان ملما بالأعراف والقوانين الوضعية”.

الأستاذ محمد المنصور ركز في مداخلته بالندوة على ملاحظات منهجية بخصوص المؤلف، معتبرا أن قيمة الكتاب تظهر من خلال معرفة البيوغرافيا أو السيرة، إذ أن ما ظل شائعا عند العرب منذ القِدم هو بمثابة تراجم لأعلام وتهتم بالخصوص بالجانب الديني من حياتهم وبعلاقاتهم مع شيوخهم وما إلى ذاك، بعكس ما حمله إلينا الغرب من أعمال تخوض في سير أشخاص بشكل مستفيض، وهو ما سار عليه أيضا المؤلّف الذي بين أيدينا، بحيث تجاوز كونه ترجمة عادية لأنه سلّط المزيد من الضوء على حياة  القاضي العلامة ابن إدريس العلوي، معتمدا على التوثيق  الكثيف ومتنقلا ما بين اهتمامات العلامة الدينية إلى ما يتعلق باهتمامه بأملاكه وبحياته العادية بكل تلاوينها.

وكان المفكر الراحل عبد الهادي بوطالب تحدث في تقديمه للكتاب واصفا القاضي بن إدريس العلوي بأنه كان واحدا من طلائع النهضة الحديثة، وأحد رجال السلفية الذي جمع بين الدعوة إلى الدين الإسلامي الحق، وتجديد الفتاوى الشرعية طبقا لما جاء به الدين وإغنائها بمتطلبات العصر.

واستحضر الراحل بوطالب دور هذا العلامة ومساهمته في الحركة الوطنية “مما جعله يمتاز عن غيره من زملائه وأقرانه، وعُزل من منصبه لأن الحماية الفرنسية كانت لا ترضى عن العلماء الشجعان من أمثاله”، على حد وصف المفكر الراحل عبد الهادي بوطالب.

أما الأستاذ مصطفى الشابي فبالإضافة إلى أنه أكد ما سبقه إليه باقي الأساتذة المتدخلين من سبق هذا العلامة في مجال الإدلاء بدلوه فيما يتعلق بإصلاح التعليم، وغير ذلك من الإنجازات والأعمال التي زخرت بها حياة ابن إدريس، فإن الشابي استعرض جوانب من حياة القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي الذي ولد سنة 1887 بمدينة مكناس، مركزا بالأساس على تكوينه لتربية وتعليم أصيلين وحفظه للقرآن الكريم، قبل أن ينتقل إلى جامعة القرويين التي نال بها شهادة العالمية سنة 1916، وعمره وقتئذ لم يتجاوز 29 سن.

بعد ذلك انتقل الشابي للحديث عن حياة بن إدريس العملية في مجال القضاء، بحيث تم تعيين الفقيد نائبا لقاض في مدينة فاس ثم قاضيا في مدينة زرهون فسوق الأربعاء الغرب ثم سلا فالدار البيضاء؛ إلا أن مواقف الراحل الوطنية ورفضه لبقاء المستعمر ببلادنا، جعل المحتل الفرنسي يفصله عن عمله كقاض، 8 أشهر فقط بعد تقديم وثيقة المطالبة باستقلال المغرب التي قدمها الوطنيون المغاربة بتنسيق مع القصر السلطاني.

نورالدين اليزيد

شارك:

2 الأفكار حول “باحثون يستحضرون إنجازات الراحل العلامة القاضي سيدي محمد بن إدريس العلوي

  1. شكرا لكم على الموضوع اكشفوا للعالم عن مغربنا الرائد

اترك رداً على Mustaf إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *