الميولات التخريبية لدى الأطفال

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » الميولات التخريبية لدى الأطفال

الميولات التخريبية لدى الأطفال

تعاني غالبية الأسر من ظاهرة مزعجة لا تستساغ بين أوساطها، وهي رغبة الطفل الملحة في تدمير أو إتلاف الأشياء سواء تعلق الأمر بتلك الخاصة به أو بممتلكات الغير، من أثاث وكتب مدرسية وملابس وآواني وما شابه ذلك.

فبمجرد ما يقع بصره على مثل هذه الأشياء، إلا وتحضره نزعة التخريب والكسر والتدمير، إن كانت بحضور الآخرين أو عند اختلائه بنفسه بعيدا عن أنظارهم ومراقبتهم له، ومهما كان الدافع وراء هذه الممارسات والأفعال التخريبية التي قد يقوم بها بين الفينة والأخرى.

يختلف الدافع إلى التخريب من طفل إلى آخر، إلا أنه غالبا ما  يلجأ الطفل إلى الكسر والتمزيق رغبة منه في التعرف على الأشياء المحيطة به ومحاولته فهمها والإطلاع على مكوناتها، خاصة إذا تعلق الأمر بالُّلعب، دون وعي منه بسوء تصرفاته، ولا بقيمة الأشياء التي تناولها من أجل تحويلها إلى قطع متناثرة وغير صالحة للاستعمال.

وقد لا يتخذ التخريب شكلا معينا ومحددا، رغم أنها نزعة يتقاسمها العديد من الأطفال، فإما أن يكون فعلا صادرا عن الطفل وهو في كامل هدوئه، أو عبارة عن ردة فعل تجاه تصرف لم يستسغه من الآخرين، فيعبر عن غضبه بتكسير ما كان بيده أو ما وقعت عليه عيناه، مثيرا بذلك غضب وانزعاج الوالدين وكذا الموجودين بمحيطه.

وعن دوافع هذه التصرفات المثيرة للحنق والغضب في بعض الحالات، فيرى أهل الاختصاص أنها مزيج من العوامل النفسية والاجتماعية وكذا العضوية.

وبالنظر إلى العوامل النفسية، يحصرونها في حب التحري والفضول لدى الطفل ورغبته في معرفة والاطلاع على بعض الأشياء من خلال تجريبها دون أن تحضره فكرة التخريب لذاتها.

وقد يكون الدافع رغبة الطفل في إثارة انتباه الآخرين وتحويل اهتمامهم نحوه، خاصة في ظروف تواجد منافس له (ظهور مولود جديد في الأسرة أو التفرقة في المعاملة بين الإخوة)، أو ترجمة لشحنة من الغضب تعتليه لحظة انفعاله بسبب تلقيه توبيخا أو ضربا، أو في حالة فشله وعدم تمكنه من الوصول إلى مبتغاه، فيستبدل كلمات/ألفاظ الغضب بارتكاب أشد الأفعال التخريبية، إثباتا للذات.

وإذا كان بعض علماء النفس يعتبرون ما يصدر عن الطفل من أعمال تخريبية هي نتيجة اضطرابات نفسية، فإن البعض الآخر يعتبر الأمر لا يعدو أن يكون تصرفا طبيعيا ينتاب كل من هم في سنه طالما أنه لم يتخذ منحنى إيذائيا في حق نفسه أو اتجاه الآخرين.

في حين يعتبر بعض المختصين أن التخريب والتدمير، هما نتيجة بعض الاضطرابات العضوية الداخلية مثل النشاط المفرط  والحركة الزائدة المتعلقة باختلال في الغدد الصماء كالدرقية والنخامية، مما يؤدي إلى توتر في الأعصاب تتولد عنه كثرة الحركة والافتقار إلى الاستقرار والهدوء، إضافة إلى وجود أمراض غامضة يعجز الطفل عن الكشف عنها، فيلجأ إلى التخريب والتدمير بغية تسكين ما يحسه من اضطرابات داخلية يستعصي عليه فهمها وتبليغها للآخرين.

 أما فيما يخص العوامل الاجتماعية، فغالبا ما يكون محيط هذا الطفل الذي تمتلكه نزعة التخريب، محيطا غير طبيعي يعج بالمشاكل العائلية التي تنعكس سلبا على نفسيته وتدفع به إلى ممارسة هذه النوعية من التصرفات أو ردود الأفعال التدميرية، أو أن المحيطين به ينشغلون عنه ببعض الأمور اليومية، فيلجأ إلى تسلية نفسه وملء فراغه بالكتابة على الجدران أو تمزيق الستائر والكتب أو تفكيك لعبه وتكسيرها. إلا أنه في بعض الحالات، يكون إنزال العقاب الشديد بالطفل، الدافع القوي والأكبر فيما يصدر عنه من أفعال تخريبية، يحاول من خلالها التنفيس عن كبته النفسي (الإحساس بالنقص وبالظلم والاضطهاد..) وإفراغ شحنة الغضب التي تمتلكه لحظة تعرضه للعقاب من طرف الأسرة أو من طرف الآخرين. 

 ويقتضي علاج هذه المشكلة بدء بمعرفة وكشف الأسباب المؤدية إلى هذا السلوك وأيضا العوامل الشعورية ولا الشعورية التي ساهمت في ظهوره سواء كانت لأسباب ذاتية/شخصية، أو تعلق الأمر باضطرابات نفسية أو أمراض غامضة وكذا بعض الدوافع الاجتماعية.

 وبعد هذه الخطوة، ينصح المهتمون بضرورة إشباع حاجة الطفل إلى اللعب عن طريق توفير الألعاب البسيطة والمسلية والتي يكون بإمكان الطفل فكها وإعادة تركيبها دون أن يحدث بها تلفا أو إضرارا، مع مراعاة ما يناسب سنه والحرص على تنوعها بحيث تشمل الألعاب الرياضية التي تساعد على تفريغ الطاقات الجسدية، وكذا الابتعاد عن كثرة التنبيه والعمل على التقليل من التوجيه المبالغ فيه، والذي يجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه، ويشعره بالملل والضجر من كلام وتوجيهات الآخرين، نتيجة كثرة الأوامر والنواهي، مع التنبيه إلى ضرورة الاهتمام بهذا الطفل وعدم تركه فريسة للحسد أو الشعور بالغيرة والتهميش.

 وقد ينصح في بعض الحالات، إذا تطلب الوضع ذلك، عرض الطفل على الطبيب قصد الكشف عن طبيعة الغدة الدرقية وقياس مستوى ذكائه، دون أن نعتبر أن هذا الطفل الذي يتلذذ بتخريب كل ما يتناوله، طفلا غبيا أو غير عادي.

 فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *