الموقع الأثري سجلماسة يستغيث.. فهل من مغيث؟

الرئيسية » علم وحضارة » الموقع الأثري سجلماسة يستغيث.. فهل من مغيث؟

احتفل سكان الرشيدية يوم السبت 29 دجنبر 2012 بالذكر التاسعة والسبعين لمعارك جبل بادوا الشهيرة لسنة 1933،بقاعة فلسطين، واتخذ الاحتفال الطابع الرسمي من  خلال حضور المندوب السامي لأعضاء المقاومة وجيش التحرير، الذي ترأس هذا الاحتفال الخطابي ، وبحضور السيد عامل الإقليم ، وقد استحضر السيد المندوب في مداخلته المطولة تضحيات أبناء القبائل الفيلالية في هذه المعارك، والمسلحين بالإيمان القوي وحب الوطن ، محاولين صد العدو الفرنسي، والوقوف في وجهه رغم الاختلاف الكبير في موازن القوة ، هذا التباين الذي كان على مستوى نوعية السلاح ، وعدد الجنود، حيث كان يميل إلى صالح القوات الفرنسية، ورغم ذلك فقد كبدوا العدو الفرنسي خسائر جسيمة دفعتهم إلى طلب المساعدة من حامياتهم العسكرية في مكناس، ومراكش ، وقد استحسن الكل هذه المبادرة خصوصا وأنها تحاول صون والمحافظة على الذاكرة التاريخية ، بل والمحافظة عليها حتى يعرف النشء ماضيه العتيد ليفهم حاضره ، وبذلك يساهم في بناء مستقبله ، والسيد المندوب يتحدث عن الذاكرة التاريخية، والتراث الإنساني المحلي، والجهوي، والوطني ، بدأت أتساءل كيف نحن نحافظ على جزء من الذاكرة التاريخية ، وندمر الجزء الأكبر منها ، الجزء المادي الملموس ، والنموذج في ذلك الموقع ألأثري لسجلماسة ، الذي حاول الإنسان السجلماسي / الفيلالي بالمفهوم الكبير للكلمة أن يصنعه ، ونحن اليوم ندمره بدون أدنى حرج ، هذا الموقع الذي أصبح من ألاماكن الخاصة برمي النفايات المنزلية ، وتدمير ما بقى من تلك الآثار العمرانية القليلة الباقية .

ـ واقع حال سجلماسة

إلقاء النفايات المنزلية والأتربة في الموقع الأثري يوم 30/12/2012

تعتبر سجلماسة من المدن التاريخية العريقة ، فهي المدينة التي أسست سنة 140هـ ، حسب العديد من المصادر التاريخية الوسيطية، بل تعتبر أول مدينة إسلامية في الغرب الإسلامي بعد القيروان ، تأسست في موقع استراتيجي ربط بين السودان الغربي وشمال المغرب عبر فاس ومراكش، وشرق المغرب العربي عبر تلمسان ، وبذلك كانت أول محطة للقوافل التجارية القادمة من السودان ، وآخر محطة تجارية بالنسبة للقوافل القادمة من  السودان ، وآخر محطة تجارية بالنسبة للقوافل القادمة من شمال، وشرق المغرب تجاه تومبكتوا، لذلك كانت تعتبر من أكبر الأسواق التجارية في الغرب الإسلامي، ولعل في وصف ابن بطوطة ، وليون الإفريقي، ولسان الدين بن الخطيب في معيار الاختيار ، وابن حوقل … ما يؤكد الدور الاقتصادي المهم الذي كان لهذه المدينة ، والمستوى الحضاري الراقي الذي وصلت إليه ، حيث امتزجت عدد من الحضارات الإفريقية ، والمشرقية ، الأندلسية ، المحلية … لتعطي حضارة سجلماسية مميزة، من حيث التعايش بين مكونات المجتمع الفيلالي/ السجلماسي من عرب، وأمازيغ، ويهود، وأندلسيين، وأفارقة، وغيرهم، وبذلك كانت ملتقى هذه الحضارات المتعددة، خصوصا وأن التجار العراقيين، والفاسيين، والتلمسانيين، والأندلسيين، والأفارقة كان ملتقاهم في المغرب، سوق سجلماسة ، وإلى جانب التجارة عرفت سجلماسة /تافيلالت تطورا علميا من خلال ما يقدم في مسجدها الجامع بالقصبة السجلماسية، من علوم، ومحاضرات، لعدد من العلماء، والفقهاء.

وتعتبر سجلماسة أول مدينة في المغرب درس بها علم البيان، من طرف الفقيه، والعالم الشريف الحسن بن القاسم القادم من ينبوع النخيل في العهد المريني، مما أعطى للمدينة شهرة كبيرة جعلها قبلة لطلاب العلم، ولعدد من العلماء ، ولعل كتاب الدرر البهية يقدم الشيء الكثير عن هذه المدينة ، من الناحية العلمية والازدهار العلمي الذي كان بها ، إلى جانب عدد من المصادر، والمراجع، التي كتبت الكثير عن تاريخ وحضارة هذه المدينة .

وجود عدد من القبور في الموقع الأثري سجلماسة يوم 30/12/2012

وواقعها اليوم للأسف الشديد لاينم عن كونها المدينة التي ذكرت في جل المصادر، والمراجع، وكتب الرحلات، ذلك أنه يتم تدمير ما تبقى من معالم عمرانية في هذا الموقع المعروف محليا ” بالمدينة العامرة ” ، لأن العقلية المحلية لا تعير لذلك اهتمام ، فكيف يعقل موقع أثري مثل موقع سجلماسة التاريخي، أصبح مطرحا للنفايات المنزلية من جهة ، ومكان لرمي كل بقايا البناء العمراني الحديث من جهة ثانية، بل ممرا لقطيع الأغنام والشاحنات، وعربات الجر، بل وطريقا معبدا،  مثل الطريق الرابط بين مدينة الريصاني وقرية المنصورية، الذي سيساهم لامحالة في تدمير ما تبقى من الباب الشمالي لسجلماسة المعرف بباب أهل فاس كون هذا الطريق محاذي بشكل كبير لبقا هذا الباب الأثري ، خصوصا وأنه الباب الوحيد الذي لازالت بعض أثاره باقية ، بخلاف الأبواب الأخرى المذكور في المصادر والتي لا أثر لها . بل أصبحت كذلك وكرا لأصحاب الخمور، والمخدرات وغيرها .هذا ما يجعل الموقع يفقد دوره الحضاري والتاريخي، بل ويصعب على الباحثين سوءا الأركيولوجيين، أو المؤرخين، القيام ببحوث ميدانية ، مما يساهم في ضياع العديد من الحقائق التاريخية للأسف الشديد، وفي نفس الوقت غياب ذلك التطابق بين ما يوجد في المصادر التاريخية و واقع المدينة المجالي ، وهذا التدمير للأسف يتم في غياب مطبق للسلطات المحلية ،والإقليمية ، خصوصا الوصية عن التراث والمواقع الأثرية ، في الوقت الذي تضم مدينة الريصاني المحتضن لهذا الموقع الأثري مركز الدراسات والبحوث العلوية ، بل أيضا يلاحظ الغياب المطبق لجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالتراث ، والتي تتلقى الدعم المادي من الدولة بدعوى التنمية، والمحافظة على التراث ، في الوقت الذي يدمر التراث الإنساني في الموقع الأثري سجلماسة، ومعظم القصور التاريخية بهذه المدينة ، ويلاحظ كذلك غياب مطبق لممثلي هذه المدينة في المؤسسات التشريعية ، لجعل هذا الموقع الأثري يخضع لحماية قانونية لأنه تراث إنساني حضاري لمجتمع سجلماسي/ فيلالي ، خصوصا وأن هذا الموقع عرف وجود عدد من الحفريات الأركيولوجية التي اظهر ت عدة حقائق تاريخية، ويمكن الرجوع إلى العمل الذي أنجزه لحسن تاوشيخت حول عمران سجلماسة لمعرفة تلك النتائج، فكيف يمكن أن نضيع كل هذا وبالتالي نقوم بطمس معالم حضارية ستفتقر إليها الأجيال القادمة ، إنها صرخة أبناء سجلماسة من الغيورين والباحثين، والمثقفين، إلى كل من يهمه أمر حماية، وإنقاذ ما تبقى من موقع سجلماسة الأثري ، عله يجسد حقيقة ما ذكر في المصادر التاريخية، التي كتبت عن سجلماسة .

هدم الأسوار وإلقاء النفايات في الموقع الأثري سجلماسة يوم 30/12/2012

– دعوة للإنقاذ

إذا كان المغرب يراهن على قطاع السياحة في تنمية الاقتصاد ، فهذه المدينة،  مدينة الريصاني التي تضم موقع أثري تاريخي هام جدا ، يمكنها أن تجعل منه موقعا مدرا لخزينتها أموالا كثيرة جدا، فعدد كبير من السياح يتجهون إلى مدينة الريصاني لكونها المدينة التي احتضنت مدينة تاريخية قديمة، مدينة العلم، والتجارة، إنها مدينة سجلماسة ، لكن للأسف الشديد لا تجد مرشدا سياحيا يقوم بتقديم معلومات، أو القيام بزيارة ميدانية لهذا الموقع رفقة وفد سياحي ، بل لايتحدث عن هذا الموقع بشكل نهائي، لأن الهدف الأساسي بالنسبة له هو التجارة  ، أما التعريف الحضاري وتقديم تاريخ هذه المدينة فلا يهمه بشيء ، وقد تجد له مبررا في ذلك عندما بدعوى بغياب الجانب الأمني بالموقع، وعدم تأهيله ليكون في مستوى المدينة التاريخية ، ولعل هذا ما يفرض على السلطات المحلية، والوصية بالمدينة العمل على تأهيل الموقع الأثري لهذه المدينة ، حتى لا يتم تدمير ما تبقى منه ، وبالتالي فقدان جزء من الذاكرة التاريخية ، ولا يتم هذا إلا بتوفير حماية أمنية للموقع الأثري، بوضع سياج يحمي ما تبقى من هذه المدينة ، إلى جانب تعين حارس، أو حراس لحماية هذه الآثار، وعدم السماح برمي النفايات في هذا الموقع ، بل عدم السماح بالبناء أو جعل الموقع مقبرة لدفن أموات المدينة، والأحياء القريبة من الموقع الأثري، بل والعمل على تجهيز الموقع بالعلامات التوضيحية التي تعرف بمعالم هذا الموقع بالنسبة لكل الزوار . ويمكن أن يتخذ الموقع الأثري وليلي كنموذج في ذلك، ولابد  كذلك من  تشجع السلطات المحلية للباحثين، والمثقفين للعمل على الكشف، والتعريف بكل المعالم الحضارية والتراثية لسجلماسة، حتى توظف في التنمية السياحية بالمدينة، بالإضافة إلى العمل على طبع البحوث والدراسات التي أنجزت حول هذه المدينة ، كتشجيع لهم، ولما لا يتم تنظيم مهرجان سنوي خاص بسجلماسة ، يساهم في التعريف بحضارتها، وتراثها المعماري، والشفوي، وبذلك يتم الحفاظ على الموروث الإنساني واستغلاله في التنمية الاقتصادية ، والعمل على جعلها موردا اقتصاديا دائما للمنطقة ، ولا يتم ذلك إلا بانخراط الكل، من ذوي الضمائر الحية ، التي تهتم بالتراث السجلماسي الفيلالي من منتخبين، وأساتذة، وباحثين ، وفنانين وجمعيات المجتمع المدني ، بكل تضحية وإقصاء للذات ، خدمة لهذا التراث الذي يستغيث فهل من مغيث؟  

اللهم قد بلغت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

لحسن تاوشيخت

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *