المهدي المنجرة... المفرد حين يكون جمعا 2/3

الرئيسية » إبداع وتنمية » المهدي المنجرة… المفرد حين يكون جمعا 2/3

من السجن إلى نيويورك

 واجه المهدي المنجرة في طفولته عدة مشاكل في دراسته مع الأساتذة الفرنسيين الذين كانوا يدرسونه، سواء في ليسي غورو أو ليسي ليوطي، ويقول إن هذه المشاكل كانت ترجع إلى تشبثه بهويته الوطنية ومعاداته للاستعمار وثقافته، فقد كان من بين الأمور التي يرتضيها الأساتذة الفرنسيون الثناء على المحتلين والإشادة بالثقافة والحضارة الفرنسيتين في تمارين الإنشاء، وهو ما كان المهدي يرفضه.

ويحكي المنجرة واقعة حدثت له في بداية 1948، يعتبرها فاصلا في مسار حياته وشخصيته، ولا يكف عن التذكير بها، فقد ذهب إلى مدينة إفران في ذلك العام، وبينما كان في المسبح، اقترب كلب إحدى الفرنسيات من ماء المسبح، فاحتج أحد الفرنسيين، فأجابه آخر : “إذا كان هناك عرب يسبحون، فلم يمنع ذلك على الكلاب؟”، يقول المنجرة إنه لم يتمالك نفسه فقفز نحو ذلك الرجل وضربه. ولم يكن ذلك الشخص سوى رئيس الأمن الإقليمي لمدينة إفران، واقتيد المهدي إلي مركز الشرطة حيث قضى بضعة أيام رهن الاعتقال بدون علم أسرته ووالده، ومنذ تلك الفترة يقول المنجرة إنه تعلم كيف يقف ضد الغطرسة الثقافية ويناصر مبادئ حقوق الإنسان.

ذلك الحادث أقنع والده بضرورة إرساله إلى الخارج لمتابعة دراسته بعد أن أصبح ذلك في المغرب متعذرا، ولم يكن ممكنا أن يختار له فرنسا، فأرسل المهدي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كان ذلك بضعة أشهر من ذلك الحادث.

الشخصية الأمريكية

 وصل المهدي المنجرة إلى أمريكا عام 1948، وهي سنة مليئة بالأحداث والتطورات، ففي تلك السنة اعترفت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بقيام الكيان الصهيوني، وفيها وقعت الحرب العربية الصهيونية، وفي نيويورك التي وصلها وجد اللوبي الصهيوني اليهودي ناشطا بقوة لجمع التأييد والتبرعات للكيان الجديد، وعايش الضغوط اليهودية على الساسة الأمريكيين. وهناك بدأ يتحرك لصالح القضية العربية وفلسطين في الجامعة، حيث أسس النادي العربي وعمل مديرا للمجلس الدولي للطلبة.

نشط المهدي منذ سنة 1951 في مكتب حزب الاستقلال رفقة المهدي بنعبود الذي كان سفيرا للمغرب بواشنطن وعبد الرحمان بن عبد العالي وآخرين، وتجند لصالح استقلال المغرب، كما نشط في مكتب تونس عندما جاء باهي الأدغم إلى نيويورك في الخمسينات، وعمل مع الحسين آيت محمد ومحمد اليزيد حين التحق بأمريكا وأسس مكتب الجزائر، كان يتحرك بين المكاتب الثلاثة وينشط فيها على السواء، ويتحرك على أساس توجه مغاربي أوسع. ويقول المنجرة إن تلك التجربة أقنعته بالنظر إلى المغرب كمفهوم واسع مرتبط بالمغرب العربي ككل، ويوم تتحرر المنطقة ستتحرر كل دولة على حدة، وما زال هذا المطلب مطروحا إلى اليوم لأن الاستقلال لم يتم. أما فكرة الحدود فلا يؤمن بها المنجرة، فما يفصل دول العالم الإسلامي أو دول المغرب العربي هي حدود خلقها الاستعمار الحديث وما زال يغذيها.

من الناحية النفسية والثقافية، يقول المنجرة إن سفره إلى أمريكا في نهاية الأربعينات كأول طالب مغربي يلتحق بالجامعة الأمريكية لم يشكل أي صدمة له، لأن الحوار والتواصل كانا جزءا من قيمه في الحياة ولا يزال، ولا يقع الاصطدام مع ثقافة معينة إلا حينما تهاجمك هذه الثقافة في ثقافتك وقيمك· لكن حياته وتجربته في أمريكا كونت لديه تصورا معينا للشخصية الأمريكية.

الإنسان الأمريكي إنسان مكتف بذاته، ويعتبر أن الأشياء الخارجة عنه لا قيمة لها، وهو ليس محتاجا للآخرين لأن الآخرين هم الذين يحتاجون إليه، ويرى أنه أعلم من جميع الشعوب، فموقفه من البداية فيه نوع من التكبر والاستعلاء الحضاري والثقافي، لكن نظرا لقلة العمق الزمني للولايات المتحدة في التاريخ فإن هذا الاستعلاء يتحول إلى عقدة نقص تجاه كل ما هو حضارة وثقافة، وحساسية مفرطة تجاه أي حديث عن الحضارة الرومانية أو الفرعونية أو الإسلامية أو الصينية أو الإيرانية أو حضارة الهنود الحمر الأمريكيين، لأن الحضارة الأمريكية قامت على الغزو والقتل والاحتلال، وتأسست على جثت 20 إلى 25 مليون نسمة من الهنود الأصليين الذين تمت إبادتهم.

لقاء مع محمد بن عبد الكريم

 دامت إقامة المنجرة في أمريكا ست سنوات كانت غنية بالنسبة لرصيده المعرفي والثقافي والسياسي، إذ اشتغل على عدة واجهات، وكان أحد مؤسسي “جمعية المسلمين” والنادي الشرقي وعضوا لجمعية “من أجل عالم واحد”. وفي 1954 عند نشوب الحرب بين أمريكا وكوريا طلب منه كباقي المهاجرين الذين يتوفرون على (الورقة الخضراء) أن يستعد للتجنيد، فرفض، وكان السبب نفوره من كل ما هو عسكري ومن كل ما يرمز للقتل والتدمير والعنف.

وفي تلك ألسنة سافر إلى لندن لتحضير أطروحة الدكتوراه حول الجامعة العربية، وفي السنة الموالية 1955 سيحصل على منحة من مؤسسة روكفلر مكنته من السفر إلى مصر مدة ثلاثة أشهر للالتقاء بعدد من المسؤولين في الجامعة العربية، وهناك التقى بعدد من الطلبة المغاربة كعبد الكريم غلاب وعبد القادر الصحراوي، وكانت له فرصة للقاء بزعيم حرب الريف المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي وشقيقه امحمد، بالنسبة للمنجرة فإن هذا اللقاء مناسبة لا ينبغي نسيانها.

لقاءان مع الملك محمد الخامس

 وفي تلك المرحلة كانت القضية الوطنية قد دخلت منعطفا ساخنا بعد قرار السلطات الفرنسية نفي الملك الراحل محمد الخامس، وقد عاش المهدي هذه الظروف في لندن وفرنسا حيث كان واحدا من الطلبة المغاربة الذين استقبلهم محمد الخامس في العاصمة الفرنسية بعد عودته وأفراد عائلته من المنفى، لكن المنجرة الذي استقبله الملك الراحل في فرنسا كطالب قبل الاستقلال، سيستقبله بعد الاستقلال في الرباط عام 1959 كأول أستاذ مغربي في كلية الحقوق، ويعينه مديرا للإذاعة المغربية خلفا لقاسم الزهيري.

ادريس الكنبوري

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *