العالم على أبواب حروب جديدة وقودها الطاقة النظيفة

الرئيسية » علم وحضارة » العالم على أبواب حروب جديدة وقودها الطاقة النظيفة

غذت دوافع السيطرة على مكامن الطاقة الأحفورية (النفط والغاز) في مناطق متفرقة من سطح الكوكب لسنوات طويلة الصراعات بين الدول، ولا تزال رغم الآثار السلبية، التي ترتبت عنها بسبب استخدامها كورقة ضغط جيواستراتيجية من بعض القوى. لكن هذا الوضع مُقبل على انقلاب جذري تماما نتيجة ما يمكن تسميته بـ”حروب الشمس”.

ودخلت مراكز الأبحاث الدولية في سباق من أجل عقد مقارنات حول ما يمكن أن تسببه الطاقة النظيفة مستقبلا من حروب وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالقوى العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين وروسيا.

حرب من نوع آخر

تقوم مؤسسة راند الأميركية للأبحاث بالتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) منذ خمسينات القرن الماضي بتصميم محاكات لمناورات عسكرية وبوضع نماذج للسيناريوهات الأمنية العملية، التي يمكن أن تواجهها الولايات المتحدة مثل خوض حرب على جبهتين في وقت واحد ضد روسيا والصين. والآن حولت هذه المؤسسة أدوات “سياسة الواقع” لديها للتعامل مع قضايا أكثر ارتباطا بمجالات البيئة. ومن هذا المنطلق تساءل مارك شامبيون كبير محرري الشؤون الدولية في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ عن الكيفية، التي ستغير بها الطاقة النظيفة العالم.

وباتت مؤسسة راند واحدة ضمن عدد قليل لكنه يتزايد من مؤسسات البحث والجامعات وحكومة أوروبية واحدة على الأقل أصبحت تضع سيناريوهات وتنظم المناورات التدريبية للتعامل مع التداعيات الجيوسياسية لسيطرة الطاقة النظيفة على العالم في المستقبل. وهذا الاهتمام يمثل أحدث إشارة إلى أن فكرة استخدام مصادر الطاقة المتجددة كبديل للوقود الأحفوري تسود حاليا. فقد كان العام الماضي نقطة تحول عندما انضمت الصين، وهي أكبر مصدر لتلوث الهواء في العالم، إلى باقي الدول والشركات الكبرى في تحديد موعد مستهدف للتخلص تماما من الانبعاثات الكربونية.

كما أنتج الاتحاد الأوروبي لأول مرة كميات كهرباء من المصادر المتجددة تفوق الكميات المولدة من المصادر الكربونية. وأعاد الرئيس الأميركي جو بادين قضية مكافحة التغير المناخي إلى جدول أعمال البيت الأبيض بعد أن كان سلفه دونالد ترامب قد تجاهلها. ويرى أولافور راجنار غريمسون رئيس آيسلندا السابق الذي كان يرأس لجنة دولية لدراسة الجوانب الجيوسياسية للتحول في مجال الطاقة أن المستقبل للطاقة النظيفة. ويقول إن “أي شخص يمكن أن يكون لاعبا رئيسيا في مجال الطاقة. هذه هي طبيعة الطاقة المتجددة”.

وأصبحت آيسلندا تحصل على قرابة 85 من احتياجاتها من الطاقة من مصادر نظيفة، ويعتمد كامل إنتاجها من الكهرباء على مصادر متجددة. وكانت آخر مرة خاضت فيه نزاعا مع دولة أخرى حول موارد طبيعية، دارت حول مصائد الأسماك. ومن هذا المنطلق يؤكد غريمسون أن “العالم يحتاج إلى نموذج جيوسياسي جديد إذ لا يمكن وضع مصادر الطاقة المتجددة في إطار نفس النموذج القديم الخاص بطاقة الفحم والنفط”.

طريق الهيمنة معقد

حتى تفرض الطاقة المتجددة هيمنتها على العالم، يمكن أن يكون للنفط تأثيرات مدمرة طويلة المدى. فعلى مدى ثلاثة قرون تقريبًا، كان الوصول إلى الوقود الأحفوري يحدد صعود وسقوط القوى العظمى وقد ساعدت مناجم الفحم الوفيرة والموجودة في مواقع جيدة على إطلاق الثورة الصناعية لبريطانيا وتوسيع إمبراطوريتها. كما عزز النفط والغاز القوة العسكرية للاتحاد السوفيتي السابق وشكلت ثروة النفط والغاز ملامح “القرن الأميركي”، بما في ذلك التحالفات الأميركية وانتشار أساطيل الولايات المتحدة العسكرية حول العالم.

ويقول أندرياس غولدتو رئيس مشروع دراسة التأثيرات النظامية للتحول نحو الطاقة النظيفة الذي تديره جامعة إيرفورت الألمانية “نحن لم نقترب بعد من عالم تسيطر عليه الطاقة المتجددة”. ويرى شامبيون أنه يمكن أن يكون لهذا التحول الأساسي في النظام العالمي تداعيات عديدة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكافح من أجل المحافظة على صعود روسيا “كقوة عظمى في مجال الطاقة”. ويعتقد أن انهيار صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة إلى جانب سيطرة الصين على صناعة مستلزمات الطاقة المتجددة يمكن أن يحددا خارطة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين.

كما أن مبررات التحالفات والقواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط قد تتراجع. وأيضا يمكن أن يؤدي اختفاء العائدات الضخمة لتصدير النفط والغاز إلى انتفاضات شعبية على غرار ثورات “الربيع العربي” في الدول النفطية بالشرق الأوسط. ويقول غولدتو إن الشيء الوحيد الذي “نعرفه عن مراحل التحول هو أنها ليست خطا مستقيما أبدا فلننظر إلى الصراعات في يوغوسلافيا السابقة بعد انتهاء الحرب الباردة أو إلى التحول من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد الحر، الذي بدأ في أواخر ثمانينات القرن الماضي”. ولا تزال الكثير من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق من أوكرانيا إلى تركمانستان تعاني من الاضطرابات وبعيدة جدا عن النظام الديمقراطي بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود.

ويقول إيريك وارنيس كبير خبراء الاقتصاد في شركة إيكوينور للطاقة النرويجية المملوكة للدولة، الذي شارك وارنيس في لجنة غريمسون ويتفق بشكل عام مع استنتاجاتها المتفائلة بشأن مستقبل الطاقة، إنه من الصعب رؤية انتقال سلس وسريع إلى الطاقة النظيفة في ظل البيئة التنافسية والنزعات القومية السائدة في العالم حاليا. ويضيف وارنيس “لكي يحدث التحول الكامل في مجال الطاقة قد نحتاج إلى مناخ جيوسياسي معتدل نسبيا.. وبدرجة ما فإن هناك دائرة إيجابية علينا إنشاؤها” لتوفير هذا المناخ.

المعركة الحقيقية

يقول شامبيون إنه على الرغم من أن مصادر الطاقة النظيفة من الشمس إلى الرياح وأمواج البحر متاحة للجميع تقريبا، فإن المعركة ستكون حول من سيحقق أرباحا من المنتجات المستخدمة في إنتاجها. ويرجح أن تكون هناك منافسة حامية بين دول العالم من أجل الحصول على احتياجاتها من ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات طاقة الرياح، ما يعني أن الكثير من الدول الأقل حظا لن تحصل على نصيبها من هذه المنتجات.

وتنتج الشركات الصينية حاليا 60 في المئة من إجمالي إنتاج العالم من ألواح الطاقة الشمسية، وهو مستوى من السيطرة تحلم به منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عندما يتعلق الأمر بسوق النفط حاليا. وهذا الوضع يخلق ميزة تجارية كبيرة للصين، ولكن لا يمكن للرئيس الصيني شي جين بينغ الاستفادة منها بسهولة لتحقيق أهداف جيوسياسية.

ورغم ذلك فربما تتركز عدم المساواة والتنافسات العالمية على الوصول إلى التكنولوجيا والتمويل ووضع المعايير والسيطرة على التجارة في المواد الخام الأساسية المستخدمة في صناعة مستلزمات مشروعات الطاقة المتجددة، إذ تسيطر الصين على أكثر من 90 في المئة من بعض المعادن النادرة اللازمة لصناعة توربينات الطاقة والسيارات الكهربائية.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *