الطلاب في مقعد القيادة: أصوات الشباب حول التعليم في إفريقيا

الرئيسية » تربية وتكوين » الطلاب في مقعد القيادة: أصوات الشباب حول التعليم في إفريقيا

الطلاب في مقعد القيادة: أصوات الشباب حول التعليم في إفريقيا

يوضح التقرير أنه لا يجب النظر إلى الطلاب في الجامعات كمستهلكين، وإنما هم أصحاب المصلحة الرئيسين؛ ما يتطلب أن يكون لهم دور نشط في ضمان بيئة تعليمية غنية، ودور مركزي في أي إصلاحات لقطاع التعليم الجامعي في إفريقيا؛ لذا ونظرًا للانخفاض الكارثي في جودة التعليم الجامعي، وإنتاج أعداد متزايدة من الخريجين غير الجاهزين لسوق العمل المزدحم في القارة الإفريقية، يستطلع التقرير آراء الطلاب في أربعة بلدان جنوب الصحراء الإفريقية: غانا وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا، ولأغراض المقارنة المملكة المتحدة، في كيفية تطوير أنظمة التعليم الجامعي بهدف رفع جودته، من خلال الاستماع إلى الطلاب والتعرف على آرائهم ومقترحاتهم ورؤيتهم، حيث تعهد قادة قارة إفريقيا على الالتزام بخارطة طريق طموحة للتنمية في العقود المقبلة، وتماشيًّا مع مقترحات أهداف جديدة للتنمية المستدامة، تم وضع رؤية بعيدة المدى إلى الأمام في القضاء على الفقر، وإيجاد مجتمعات متماسكة وآمنة وضمان النمو المستدام والعادل. وعلى الرغم من تأكيد أهمية التعليم الأساسي في التنمية على المدى الطويل، إلا أن هناك اعترافًا وحقيقة تُقر بأنه من دون تعليم عالٍ متطور لن يتحقق أي هدف من هذه الأهداف، ومع ذلك فإن القطاع الجامعي في القارة يواجه أزمة كبيرة. وقد سُمح للأنظمة في التوسع دون موارد مقابلة؛ ما أدى إلى انخفاض كارثي في الجودة وتزايد في أعداد الخريجين غير المؤهلين، وزجهم في سوق العمل المزدحم بالفعل.

قدم التقرير حلولاً لهذه المسائل الملحة في مكان يتلقى اهتمامًا ضئيلاً للغاية في وجهات نظر الطلبة أنفسهم، إذ إنه من المهم الاستماع إلى الطلاب وتمكينهم من تأسيس مؤسساتهم، بحيث تساعد على رفع الجودة في النظم التعليمية. وكشف من خلال التعمق في البحوث في جامعات غانا وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا عن نتائج مهمة، أن الطلاب لم يروا مستقبلهم في أجور العمل التقليدية كما كانت في السابق، بل أصبحت ريادة الأعمال والمشاريع الاجتماعية والمجالات الرئيسة مصدر اهتمام كبير للخريجين، جنبًا إلى جنب مع وظائف في مختلف القطاعات، ولهذا يجب على الجامعات أن تساعدهم في التكيف مع هذا الواقع الجديد. كما أن أولوية مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الطلاب، فعلى الرغم من أن معظم الشباب يتقدمون في حياتهم المهنية الخاصة ويطمحون لتطويرها، إلا أنهم يشعرون بالمسؤولية والالتزام في تنمية المجتمع ودعم الآخرين في مجتمعاتهم الأصلية. كما كشف التقرير عن خدمات التوظيف وبرامج تنمية المهارات غير المستغلة، إذ إن جميع الجامعات توفر بعض الأنشطة التوظيفية، وهذه الأنشطة لا تصل إلا إلى الأقلية من الطلاب، حيث يواجه الطلاب ذوو الخلفيات المحرومة الذين يدخلون إلى الجامعة مهمة شاقة لتأمين الضروريات، مثل تطوير مهارات التوظيف والمشاركة في التدريب والعمل التطوعي وتأمين فرص العمل، ولا تزال تتسم الجامعات بطريقة التعلم عن ظهر قلب (rote learning)، فعلى الرغم من أن هناك استثناءات ملحوظة، إلا أن العديد من المؤسسات التعليمية لا تزال بحاجة إلى تطوير نوع جديد من التعليم، يقوم على التفكير النقدي والتعلم المستند إلى طرح الأسئلة والإبداع والمشاركة والاطلاع. وعلى الرغم من وجود مثل هذه المشكلات الكبيرة التي تعيق عجلة التقدم، إلا أن الطلاب لا يرغبون في التحدث عن هذه المشكلات التي تواجهها جامعاتهم. ومما لا شك فيه أن وجهات النظر الإيجابية من الطلاب على مؤسساتهم عمومًا، تتعارض مع مشاكل الجودة الواضحة التي يواجهها قطاع التعليم الجامعي، حيث يفتقر الطلاب إلى المعايير التي يمكن من خلالها تقييم ما يتلقون، بالإضافة إلى المنصة التي تساعدهم في التعبير عن آرائهم؛ ولهذا فإن تمكين الطلاب له تأثير كبير في المؤسسات والنظم التعليمية بشكل عام.

وأشار التقرير إلى مجموعة من التحديات في التعليم الإفريقي، وتتضح هذه التحديات من خلال النظر إلى مستقبل الشباب في إفريقيا اليوم، الذي يحمل وعودًا وأشياء مجهولة، إذ إن النمو الاقتصادي وزيادة تداول السلع والخدمات والتقنيات الجديدة وتحسين الاتصال، فتح فرصًا لم يكن لأحد أن يتخيلها سابقًا كالتفاعل والسفر والمهن والخبرات، وهذه المكاسب محفوفة بالمخاطر على الرغم من ارتفاع عدد الشباب في القارة، حيث يتزايد أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكذلك التنافس على أجور العمل التقليدي المكثف، ومعدلات البطالة المرتفعة التي بلغت 53.6٪ في جنوب إفريقيا.

ولم يسلم نظام التعليم الجامعي من هذه المشاكل التي تعصف بإفريقيا عمومًا؛ لأنه يُعدُّ جزءًا لا يتجزأ من هذا السيناريو الذي يبعث الأمل والمحفوف بالمخاطر، حيث يتوسع الدخول إلى الجامعات بسرعة في جميع أنحاء القارة. ففي أثيوبيا ارتفعت معدلات الالتحاق أكثر من عشرة أضعاف في العقد الأول من الألفية، من 34313 في عام 2000-2001م، إلى 447693 في عام 2010-2011م. أما في الصومال التي تمزقها الحرب يشهد قطاعها التعليمي ازدهارًا كبيرًا، حيث تم تأسيس نحو 34 مؤسسة جديدة بين عامي 2004 و2012م، وهذا التوسع في الالتحاق بالتعليم قد فتح الباب أمام عدد من الشرائح الجديدة من السكان، لتجربة جمالية وغنية بالتفاعلات الاجتماعية والثقافية الجديدة، التي فتحت آفاقًا جديدة للبدء بالأعمال والمغامرات. ومع ذلك يرى الكثيرون أن هناك وعودًا كثيرة لم يوفَ بها من قبل الجامعة، حيث يُلاحظ أن شهادات الدبلوم لم تمنحهم عملاً مناسبًا كما كان الحال في العقود السابقة. وتشير البيانات في بعض السياقات مثل نيجيريا إلى أن معدلات التوظيف ليست أعلى بكثير بالنسبة للخريجين، مقارنة مع ذوي المؤهلات الابتدائية أو الثانوية، وزيادة على ذلك يُلاحظ أن معظم أولئك الخريجين الذين يجدون عملاً، يواجهون انتقادات واسعة من أرباب العمل، حول ما يُنظر إليه على أنه تراجع في المعايير الأكاديمية الأساسية وافتقار إلى مهارات العمل، التي تلبي حاجة سوق العمل الكبير.

وتجدر الإشارة إلى أن تطلعات الطلاب وآفاقهم المستقبلية زادت في فترة ما بعد الاستعمار، حيث كان التعليم الجامعي في إفريقيا إلى حد كبير، طريقًا لعدد قليل ومحدد من الذين يختارون وظائف حكومية رفيعة المستوى، ومع التوسع في أنظمة الجامعة وتنوع الاقتصادات، بدأ خريجو الجامعات في شغل مجموعة من الأدوار في القطاعين الخاص والعام، فضلاً عن الاتجاه العالمي في زيادة أعداد المهن التي تتطلب مؤهلات على مستوى التعليم الجامعي، ومع ذلك فإن المشهد يتغير مرة أخرى بدلاً من العمل بأجر محدد. ويتطلع الخريجون إلى إيجاد الفرص في التوظيف الذاتي، ويمكن تفسير هذا الاتجاه سواء كان بالعوامل الدافعة أو الجاذبة للطلاب، من خلال ندرة فرص العمل ذات الأجور التقليدية، أو بالأحرى من خلال الجذب الإيجابي إلى مزيد من الحرية والإبداع والعوائد المالية من ريادة الأعمال. والأهم من ذلك أن مفهوم ريادة الأعمال لا يفهم فقط بالمعنى الاقتصادي الضيق، بل يشمل أيضًا المؤسسة الاجتماعية وإيجاد أشكال مبتكرة من التنظيم والتدخل لدعم المجتمعات المحلية، وتوفير الرعاية الأساسية وتحسين الظروف المعيشية. وأوضحت البيانات بشكل كبير تركيز الطلاب المتزايد على العمل الذاتي (self-employment)، ويظهر ذلك الاتجاه بشكل واضح في كينيا، إذ يدخل نحو 64٪ من الطلاب في خط هذا العمل، ويظهر هذا الميل أيضًا في ثلاث دول أخرى. ففي غانا تتجاوز نسبة الطلاب الذين يختارون الأشكال التقليدية من العمالة في القطاعين العام والخاص 50٪، وتتميز نيجيريا من ناحية أخرى بنسبة عالية من الطلبة 28٪، الذين يختارون مزيدًا من الدراسة رغم وجود عوامل الطرد والجذب، وهناك نقطة أخرى جديرة بالذكر هي الاهتمام بمزيج من المهن، بدلاً من أن تقتصر على شكل واحد من العمل من أجل الحياة، حيث يرى الطلاب أنفسهم أن دخول مجموعة من الأشكال التكميلية مهم جدًّا، مثل المهن التي تتضمن أكثر من عمل جزئي، ويتضمن هذا المزيج على بعض الأعمال في القطاعين العام والخاص والشروع في الأعمال التجارية الخاصة، وكذلك العمل التطوعي أو العمل الاجتماعي. وفي أحد الجامعات في غانا تسمى أشيسي ذكر ما لا يقل عن 81٪ من الطلاب أنهم سيتابعون أكثر من مهنة في الوقت نفسه، وعند وضع هذه الأرقام في المنظور فإن نسبة الطلاب في المملكة المتحدة من العاملين ذوي المهن الحرة، أو الذين بدأوا مشاريعهم الخاصة بعد ستة أشهر من التخرج لا تتعدى سوى 4٪، أما أولئك الذين يعملون على المدى الثابت والدائم أو العقود 57.5٪، والدراسة الإضافية 17٪، والعاطلين عن العمل 7.8٪. كما أن هناك بعض الاختلافات المهمة بين المجموعات الفرعية في جنوب إفريقيا، ويأمل معظم الطلاب السود بالعمل في القطاع العام، في حين كان هناك تركيز أكبر على العمل في القطاع الخاص بين الطلاب البيض، وهنا لابد من أن يبرز دور الجامعة على الطلاب، حيث أظهر الطلاب المشاركون في البحوث إيجابية كبيرة حول مؤسساتهم في كينيا، وعلى الرغم من مخاوف واسعة النطاق حول سوء بيئة التعلم والجودة في الجامعات، إلا أن 78٪ من الطلاب الذين شملتهم الدراسة، أقروا إما موافق أو موافق بشدة على أن جامعتهم معترف بها بشكل جيد من قبل أرباب العمل. بينما تسعة طلاب من بين كل عشرة يعتقدون أن التعليم الجامعي عزز فيهم الثقة بالنفس والصفات الشخصية، والقدرة على تقديم التطبيقات والقدرة في العثور على عمل. وعلى الرغم من أن الجامعات ليست جميعها متحمسة جدًّا لذلك في البلدان الأربعة، إلا أن هناك تقييمًا إيجابيًّا من قبل الطلاب حول مؤسساتهم والصفات التي اكتسبوها منها، وهذه النتيجة هي في تناقض صارخ مع تقارير وسائل الإعلام المتكررة من الخريجين غير الناضجين، حيث أعرب أعضاء هيئة التدريس والباحثون عن الشواغل، بأنها من نوعية رديئة وظروفها سيئة في هذه الجامعات. وقدم المحاضرون في مقابلتهم لهذا المشروع في العديد من الجامعات أيضًا صورة قاتمة جدًّا للوضع الحالي للجامعات. فكيف يُفسر هذا التناقض الواضح؟ هناك فرضيات محتملة عرضها التقرير، فرضية احترام السلطة، حيث لا يبدي الطلاب رغبة مطلقة في انتقاد مؤسساتهم، أو حتى الخوف من القيام بذلك. وفرضية عدم وجود مقياس مناسب في كثير من الحالات، إذ لا ينسجم الطلاب بشكل كبير مع المؤسسات الأخرى، بما في ذلك الموجودة في بلدان أخرى بالمقارنة مع بلدهم؛ ونتيجة لذلك فإن معظم هؤلاء الطلاب يفتقدون مجموعة من المعايير والشروط، مثل دعم البرنامج التعليمي أو مرافق المختبرات، التي يمكن توقعها في سياقات أخرى. وفرضية البذل التي تشير إلى أن الطلاب يشعرون بأن جامعاتهم كانت تعمل بشكل جيد، على الرغم من ظروفها الصعبة للغاية وعدم وجود الموارد اللازمة والموضوعة تحت تصرفها.

وأخيرًا تناول التقرير مسألة قيادة الطلاب للتغيير والجودة في التعليم الجامعي، وبناء على البيانات الواردة في هذا التقرير كان صوت الطلاب غائبًا بشكل كبير عن المناقشات، التي جرت مؤخرًا في توظيف الخريجين في إفريقيا؛ ولهذا كان لابد من تقريب وجهات نظر الطلاب في النقاش لفهم احتياجاتهم وتطلعاتهم. وزيادة على ذلك فإن إشراك الطلاب في المناقشات واتخاذ القرارات حول الجامعات، هو في حد ذاته عملية تنموية من شأنها تعزيز قدرتهم على المشاركة كمواطنين فاعلين وحاسمين في المجتمع. وقد قام عدد من الطلاب بتزويد الجامعات بمجموعة من ردود الأفعال على دراستهم وتمثيلها في اللجان الرئيسة، ولكن هذه الآليات لا تضمن دائمًا صوتًا مسموعًا. كما أن الطلاب في جميع أنحاء البلدان الأربعة لا يعاملون دائمًا على أنهم كبار ومسؤولون.

وعلى الرغم من أن هناك تاريخًا طويلاً من النشاط الطلابي في الجامعات الإفريقية، إلا أن وجود صوت الطالب المستقل والنقدي أصبح نادرًا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث يفصح الطلاب عن شكواهم في بعض الساحات المحددة، ولكن هذا أصبح أمرًا نادر الحدوث، مع استثناء محتمل في جنوب إفريقيا في جعل مطالبهم رسمية، وأحيانًا يدفع الكثير من الطلاب ثمنًا باهظًا يصل إلى تعريض دراستهم وشهادتهم للخطر، وحسب الروايات المتناقلة التي تؤكد وجود عدد من القيادات الطلابية، الذين سحبت شهاداتهم بسبب التعبير عن مطالبهم بقوة. وبشكل أعم تفرض الثقافات السائدة نفسها على الطلاب الاحترام والخوف من السلطة، التي تعيق تقدمهم نحو الأمام بوضع العثرات أمام التعبير عن مطالبهم، بل حتى تمنع المحاضرين الصغار من التعبير عن أفكارهم، وهذه القيود تؤدي في نهاية المطاف إلى اللامبالاة وفك الارتباط. وعلق أحد طلاب الهندسة في كينيا عن هذا الموضوع بالقول: “لم نكن قادرين على إثارة هذه القضايا مع الإدارة؛ لأننا نفتقر إلى الوحدة وهناك الكثير من القضايا التي يجب تناولها، ولكنَّ الكثير من الناس لا يبالون بها ويفضلون التوجه نحو أعمالهم والبعد عن المشاكل، وفي حال حركت هذه القضايا من قبل الطلاب فإنها سوف تستغرق وقتًا طويلاً لمعالجتها”. ومن خلال ما سبق يلاحظ أن معظم الشباب في إفريقيا لم يعد يبالي في الأشكال التقليدية للعمل المأجور، وهناك تحرك ملحوظ نحو ريادة الأعمال في جميع البلدان، ولاسيما في كينيا ونيجيريا. كما تعدُّ المشاريع الاجتماعية أيضًا مجالات ناشئة ومحط اهتمام عدد كبير من الطلاب، وعلى الرغم من تزايد تسويق أنظمة التعليم الجامعي، إلا أن الطلاب لا ينظرون إلى الحصول على شهادات جامعية من حيث تحقيق مكاسب اقتصادية شخصية فقط، بل يعملون على رد الجميل إلى مجتمعهم وتحقيق مكاسب وطنية؛ ولهذا تحتاج الجامعات إلى التكيف مع هذا الواقع الجديد، وتوفير المناهج الدراسية الأكثر تنوعًا لتطوير قدرات الطلاب، فضلاً عن فرص إشراك المجتمع المحلي والعمل الاجتماعي والتطوعي.

مجلة الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *