السياحة الفضائية.. حلم يتحقق قريباً

الرئيسية » علم وحضارة » السياحة الفضائية.. حلم يتحقق قريباً

السياحة الفضائية.. حلم يتحقق قريباً

تسعى الشركة الأمريكية «سبيس إكس» لإرسال السياح للاستمتاع بالنظر إلى القمر عن قرب.. فهل سيصبح وجهة السفر إلى الفضاء مثل الوجهات الأخرى؟ وهل حقاً سنعود إليه؟

الواقع أنه حتى الآن يمكن الإجابة بالنفي، فنحن لن نهبط على القمر، لكننا على وشك أن ندور حوله ثانية، فوفقاً لايلون موسك مؤسس «سبيس إكس»، فقد حجز شخصان تذكرتهما بالفعل للسفر إلى القمر (لم يعلن عن هويتهما حتى الآن). الانطلاقة ينبغي أن تكون في أواخر 2018 من قاعدة كيب كانافيرال بولاية فلوريدا (الولايات المتحدة). فمن هذا المكان أقلعت صواريخ برنامج أبولو، بين يوليو 1969 وديسمبر 1972.

الركاب القادمون سوف يسافرون في كبسولة تسمى «التنين- 2» مصممة من قبل الشركة الأمريكية ويجري حالياً اختبارها. الراكبان سيقبعان في مقصورة يبلغ حجمها11 متراً مكعباً (أي مكعب يبلغ طول ضلعه 2.2 متر)، وبالتالي فإن الأمر لن يكون مريحاً جداً بالنسبة لهما. إلا أنه سيكون في متناول أيديهما بانوراما قمرية تحبس الأنفاس، وفي المقابل بانوراما أخرى لكوكبنا كما يشاهد من الفضاء.

ولو استندنا على بعثات أبولو، سوف تستغرق الرحلة أقل من ثلاثة أيام لتغطية مسافة متوسطة تبلغ 384000 كم تقريباً تفصلنا عن القمر، وستقوم الكبسولة بالدوران حوله في غضون ساعات قليلة قبل أخذ طريق العودة.

سعر التذكرة لم يتم الكشف عنه حتى الآن، لكن يمكن أن يصل إلى 28 مليون يورو على الأقل للراكب، بل تتحدث بعض المصادر عن 47 مليون يورو.

نسخة صالحة

هل هذا الأمر واقعي؟

نعم، لكن يعتقد البعض أنه ربما لن يكون العام القادم 2018، لأنه لا يزال هناك الكثير من الأمور العالقة المشكوك فيها. وما هو مؤكد أن «سبيس إكس»، التي يعمل فيه العديد من الموظفين الذين جاؤوا من وكالة ناسا، هي لاعب خطر في مجال الفضاء. فكبسولتها التنين لا تفتأ منذ عام 2012 ذهاباً وإياباً بين الأرض ومحطة الفضاء الدولية (ISS) التي تدور على ارتفاع 400 كلم، مع نسبة نجاح محترمة (إخفاق واحد فقط من ضمن 11 إطلاقة)، لكنها لم تنقل حتى الآن ركاباً أبداً، بل مواد ومعدات فقط، وتعمل الشركة على تطويرها، وهي نسخة معدلة وصالحة لعيش البشر، ومن المتوقع اختبارها في العام القادم 2018 خلال عملية نقل طاقم إسعاف إلى محطة الفضاء الدولية، لكن طالما أنه لم يتم إجراء الاختبار بطريقة مرضية تماماً، فمن غير المعقول أن يتم حمل ركاب سياح على متنها.

علاوة على ذلك، فإن الكبسولة ليست سوى جزء من المشكلة إذ يجب أولاً إرسالها إلى القمر بلا ركاب، ولهذا يجب علينا التأكد من قدرتها على التحرر من الجاذبية، الأمر الذي يتطلب الوصول إلى سرعة تبلغ 40300 كم / ساعة، وهذه السرعة هي خارج نطاق الصاروخ «فالكون- 9» الذي تستخدمه عادة «سبيس إكس») لإطلاق الكبسولة التنين عندما توجه لتزويد محطة الفضاء الدولية بالمؤن.

ولذا يحتاج الأمر لصاروخ أكثر قوة مثل فالكون هيفي (الثقيل) والذي سيتم اختباره في نهاية هذا العام 2017، وإذا جرت هذه الاختبارات بنجاح، فسوف يتمكن ايلون موسك من الالتزام بالمواعيد النهائية، خصوصاً أنه من لحظة صعود الركاب، ليس هناك أي مجال للخطأ. فشراء تذاكر يبلغ سعرها عشرات الملايين من اليورو إلى القمر والانتهاء «كحفنة من الغبار» لحظة الإطلاق جراء انفجار الصاروخ هو أمر ليس باليسير أبداً.

الرهان الجريء

أليس الأمر محفوفاً بالخطر قليلاً؟

على الأغلب نعم، خاصة إذا كان ركوب الخطر ليس من هوايتك. فحبس المرء في كبسولة «التنين – 2»، لمئات الآلاف من الكيلومترات بعيداً عن الأرض أمراً ليس بالسهل أبداً، فالركاب ليسوا على متن سفينة سياحية يستمتعون بالشمس والبحر وليس لهم أي خيار آخر سوى الوثوق ب «سبيس إكس» لإعادتهم إلى الأرض، لاسيما أنهم وحدهم على متن المركبة، وليس هناك أي طيار يمكن أن يمد لهم يد العون في حالة حدوث مشاكل، وسيحصل الركاب فقط على تدريب بسيط للسلامة وسيتم التحكم بكل شيء من الأرض.

وفي رأي الخبراء، هذا الأمر سيكون الرهان الأكثر جرأة لايلون موسك. إذ لم تتوجه أبداً أي مركبة إلى الفضاء بدون رواد فضاء حقيقيين، وإذا حدث شيء على نحو خاطئ، فقد أثبتت التجربة أن العقل البشري لا غنى عنه لإدارة الطوارئ. والمسألة الأكثر شهرة تعود لرواد «أبولو 13»، ففي عام 1970 كان على الطاقم المتوجه إلى القمر مواجهة خطر انفجار خزان الأكسجين وقام حينها الرواد الثلاثة بعمل إصلاحات عبقرية رهيبة، واتخاذ قرارات جريئة لا يمكن أن تخرج من الدماغ الإلكتروني للكمبيوتر.. فهل موسك مجنون إلى هذا الحد ليترك الحبل على الغارب لراكبين مبتدئين في الفضاء؟ لا بالطبع. لأن الأتمتة تقدمت بشكل كبير منذ السبعينات، لكن يبقى أن خطر الصفر لا وجود له، سواء كنا في سيارة، أو قطار، أو طائرة.. أو حتى مكوك فضاء، ويجب الذهاب ونحن نقبل بهذه الفكرة.

الكوكب الأحمر

بصرف النظر عن جني المال ما فائدة ذلك؟

لا شك في أن لذلك فائدة تتمثل في المساهمة في التقدم العلمي، فالقمر بالنسبة لايلون موسك ليس سوى الخطوة الأولى، ويهدف بشكل مباشر إلى حمل رجال ونساء في عام 2024 إلى كوكب المريخ، وحتى الآن يقتصر استكشاف الكوكب الأحمر على المسابر الفضائية والروبوتات، بدلاً من الطواقم البشرية، وذلك لسبب وجيه هو أن ذلك أرخص بكثير ويجنبنا المجازفة بحياة أي شخص، فضلاً عن أن تحليل الصخور، والتقاط الصور، وقياس درجة الحرارة هو عمل تقوم به الآلات على أفضل وجه.

وإذا تمكن موسك حقاً من استعمار المريخ في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة، فستكون حينها مسألة أخرى؛ حيث سيقوم الباحثون بإنشاء أول قاعدة دائمة على سطح الكوكب الأحمر، مما سيساهم فعلاً في تقدم العلوم بشكل أسرع من إرسال بعثات علمية مؤتمتة، وسوف يتمكنون من دراسة الكوكب كما يرغبون، وتطوير التجارب، وعلى المدى الطويل البحث عن أثر للحياة، لكن الإمكانات التكنولوجية لبناء مثل هذه القاعدة ليست بالسهلة إلى درجة أن المرء يتساءل كيف يمكن لموسك تحقيق ذلك لأنه سوف يترتب عليه توفير هواء قابل للاستنشاق «لمستوطني» المريخ الأوائل، والسماح لهم بتناول شيء آخر من الطعام غير الطعام المعلب وحمايتهم من الإشعاعات الشمسية.. وهذه التحديات على أهميتها لا تمنعنا التسلح بقدر كبير من التفاؤل. ففي عام 1962، وعد رئيس للولايات المتحدة، جون كنيدي شعبه بنزول أول إنسان أمريكي على سطح القمر مع نهاية ذلك العقد وقد تحقق ذلك، والآن ربما يبدو الأمر جنونياً، إلا أنه يمكن أن يصبح 20 يوليو 1969 حقيقة واقعة مرة أخرى.

الاستمتاع التشويقي

ماذا عن أسعار التذاكر بالنسبة للجمهور العام ومتى سيتمكنون من الحصول عليها بسهولة؟

بالطبع لن يغادر أهل الأرض إلى القمر من الغد القريب حتى ولو ضاعفنا الرحلات الجوية، وكانت التكاليف رخيصة، بل ستظل هذه الوجهة بعيدة عن متناول معظم العامة من الجمهور، إلا أن السياحة الفضائية ليست بالضرورة التوجه إلى القمر بل هناك شركتان أمريكيتان: فيرجين غالاكتيك وبلو أوريجين تعملان على إطلاق رحلات منفصلة تحت مدارية، أي يتم فيها نقل الراكب إلى ارتفاع 100 كم للإقامة لفترة لا تتجاوز 4 إلى 5 دقائق في الفضاء.

فبعد الإقلاع التشويقي للصاروخ، يمكنك الاستمتاع بمشاهدة استدارة الأرض، وعتمة الفضاء، مثل رواد الفضاء وهم على متن المحطة الفضائية الدولية. كل هذا في منطقة الجاذبية الضئيلة، وهذا يعني أن جسمك سيكون طافياً أو «عائماً» في الكبسولة مثل القفز الحر بالمظلة أو في الباراشوت.

الرحلات الأولى يمكن أن تتم في الأشهر الاثني عشر المقبلة، بتكلفة قدرها 200 ألف أو 300 ألف يورو. وليست هذه الأرقام حتى الآن في متناول ميزانية العامة، إلا أنها تبقى أقل تكلفة بمائة مرة من الذهاب لرؤية القمر عن قرب.

وإذا كانت شركة Novespace لن تحمل إلا الباحثين على متن طائراتها، فإنها ستحجز أماكن لركاب الإيرباص من العامة ليذوقوا فرحة الإحساس بانعدام الجاذبية أو الجاذبية الضئيلة في رحلاتها التجارية المسماة «إير – صفرG».

وفي هذه الرحلة ستضع طائرة الإيرباص نفسها بانتظام في حالة السقوط الحر، وتترك لك حرية الطفو في المقصورة «المصممة خصيصاً» كما لو رائد فضاء في محطة الفضاء الدولية. لكن هذه المرة، لن تبلغ تكاليف هذه الرحلة أكثر من 6000 يورو. وستنظم Novespace من 3-4 رحلات سنوياً، أما بقية الوقت فسيخصص للباحثين الذين يقومون بإجراء تجارب في حالة انعدام الوزن كما أن جزءاً من تكلفة التذكرة سيستخدم لتمويل الحملات العلمية.

محمد هاني عطوي –  جريدة الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *