الذكاء الجمعي: من أعظم أشكال الإبداع ومفتاح التقدم

الرئيسية » إبداع وتنمية » الذكاء الجمعي: من أعظم أشكال الإبداع ومفتاح التقدم

نتذمر كثيراً عندما نكون في الشارع من سلوكيات خاطئة لا يُعنى أصحابها بالآخرين.. يفكر كل شخص لمصلحته هو فقط.. وننبهر عندما نرى في دول أخرى كيف أن الجميع يعملون وفق منظومة متكاملة يشارك الكل فيها بإيجابية وكأنهم يعزفون سيمفونية واحدة لهدف واحد أكبر يذوب فيه الجميع:

إنه الذكاء الجمعي.. ذلك النوع من الذكاء الذي يتكون من مجموع سلوكيات وأفكار جميع أفراد شعب ما، وتطويع جميع الإمكانات لخدمة الكل وليس الفرد.

فإذا نظرنا أكثر إلى ماهية الذكاء الجمعي نجده الذكاء الناشئ عن المشاركة لعدد من الأفراد معاً. هذا التعاون يمكن أن يتمثل في العديد من أشكال اتخاذ القرارات بالإجماع في حالة البشر أو حتى شبكات الحاسوب، وهذا التعاون قد يشكل ما يمكن اعتباره كائن فائق (Super-organism) مكون من عدد من الكائنات المستقلة المتعاونة فيما بينها، أو ما يمكن اعتباره بمثابة دماغ عملاق.

وللذكاء الجمعي صور عديدة:

مملكة النمل مثلا:

والتي تبدو حركاتها للوهلة الأولى أنها فوضى ولكنها فوضى مُحكمة تدل على قانون أكبر يحكم الجميع وفق سرعة التصرف لخدمة الهدف الأكبر للمملكة!

كذلك في مجال التقنيات والحاسوب:

حيث أنَّ أكثر ما يترجم مفهوم الذكاء الجماعي هي البرامج “المفتوحة المصدر” Open source المبنية على أن كلَّ من يملك معرفة ما تساعد في التطوير، يمكنه أن يساهم في تغذية البرنامج. هذه الآليَّة كانت قد وضعتها حركة حرية وبرامج مفتوحة المصدر free and open source software وهدفها وضع آلية جماعية للتطور تساعد في الإنتاج المعلوماتي (من أهم مراجع الذكاء الجماعي هو نظام التشغيل Unix وبعده نظام Linux) هذه الآلية قريبة جدًا من مبدأ بناء المعرفة العلمية أكثر منها إلى مبدأ المعرفة التبادلية بهدف تجاري، على رغم أنَّ المحركات البحثية عن المعلومات تستخدم الذكاء الجماعي باستغلال المعلومات الفردية للبيانات لكي توجه إعلاناتها.

تقنية الويكي أيضاً:

من الواجهات التي أصبحت معروفة بما تحويه من معلومات منافسة لما هو مطبوع حتى من مئات السنين، فإنَّ موسوعة “ويكيبيديا” مثال آخر على الذكاء الجمعي، فهي مبنية على نظام معلوماتي يدعى “ويكي” يسمح تقنيًا لكل شخص بأن يبدأ بالكتابة. هذا البرنامج يحافظ على كل تواريخ التغيرات والزيادات في تغذية الموسوعة مما يسمح أيضاً بمتابعة تغيرات المحتوى زمنياً، وبإمكان إدارة الموقع محو كل ما هو مصدر للشك في المعلومات وما يستخدم للتعمية أو التضليل.

كذلك أيضاً تقنيات التورنت ومشاركة الملفات وغيرها والتي تجعل من الكل مشارك ليس مستقبل مستهلك فقط.

إن الذكاء الجمعي هو أقصر الطرق التي تؤدي إلى الإبداع عموما.. وهو أفضل دلائل الإبداع أيضاً مثلما نجد في دول متقدمة مثل اليابان مثلاً وغيرها.

هنا في دولة الذكاء الجمعي يستخدم الذكاء ليس لخدمة الفرد ولكن لخدمة المجموعة.

نجد أيضاً في الذكاء الجمعي أن الإنتاج لا يعتمد على الشخص القائد للفريق.. لكنها تعتمد على الرغبة الأصيلة لدى كل فرد في تحقيق نجاح.. فنجد صورة نهائية عظيمة من الإبداع يعود الفضل فيها إلى كل فرد مشارك، ومن أمثلة ذلك حركات التغيير العربية الحالية والتي نتجت من القاعدة برغبة الجميع وليس من دعوة شخص.. فرجع الفضل فيها للكل وكان النجاح ينتظر الجميع.

كذلك نجد صور الذكاء الجمعي في العروض العسكرية والاختراعات في الفترة الأخيرة، والتي تجد الفضل فيها عائد على فريق عمل.. فنجد النتيجة مرضية وتدوم فائدتها لأكثر من عقد لأنها معالجة من قبل أكثر من عقل واحد..

 هنا في دولة الذكاء الجماعي يتردد مصطلح فريق البحث أكثر من مصطلح الباحث..

هنا في دولة الذكاء الجمعي المبدعة.. نرى إعلاء قيم المواطنة وغيرها لخدمة الوطن..

هنا في دولة الإبداع نجد صفوف منظمة بسبب احترام الكل للفرد واحترام الكل للوطن المكان الأكبر..

إن الذكاء الجمعي هو العسل الذي تغرق فيه الدول المتقدمة.. وهو المياه الجوفية في بلاد الناطقين بالعربية.. رخيصة وتحت أقدامهم.. لكنها فقط تنتظر الاكتشاف والخروج للنور!

إنه لمن أفضل أنواع الإبداعات المصنوعة بأيدي بشرية.. مضبوطة ومحكمة ومضمونة النتائج.

محمود محمد السيد محمد/بوابة موهبة

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *