نظام تبريدٍ جديد للإلكترونيات يحاكي الشعيرات الدموية البشرية

الرئيسية » إعلام ورقميات » نظام تبريدٍ جديد للإلكترونيات يحاكي الشعيرات الدموية البشرية

تزداد حرارة الأجهزة الإلكترونية مع الانخفاض المستمر في حجمها وزيادة كثافتها. لكنَّ مكونات تلك الأجهزة لا تعمل على أكمل وجه في درجات الحرارة المرتفعة، لذا فإنَّ هناك تحديًا تكنولوجيًّا هائلًا ومُلِحًّا إلحاحًا متزايدًا، يتمثل في التعامل مع الحرارة المتصاعدة التي تنجمُ عن الإلكترونات المتصادمة في أثناء تدفُّقها في أشباه الموصلات، عَبر هذه المكوِّنات التي ينخفض حجمها باستمرار.

توجد طرقٌ مختلفة لتبريد هذه المكوِّنات، بدءًا من المُبادِلات الحرارية البسيطة المُبرَّدة بالمراوح، وانتهاءً بأنظمة التبريد الأكثر كثافةً وتعقيدًا. ويتضمَّن أحد تلك الأنظمة الأخيرة تزويد رقاقات أشباه الموصلات بجهازٍ صغير يحوي قنواتٍ دقيقة، تحمل موائع تتحرك عبرها لطرد الحرارة. وهذه القنوات يجب أن تكون صغيرةً قدر المستطاع، كي يُمكن وضع عددٍ أكبر منها في رقاقةٍ واحدة. لكن كلما صغُرَت تلك القنوات، يرتفع الضغط اللازم لتدفُّق السائل، وهذا الضغط يُمكن أن يتطلَّب كمًّا كبيرًا من الطاقة.

لكن الآن، يفيد بعض العلماء بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في مدينة لوزان (EPFL) بأنَّهم ابتكروا تقنيةً جديدةً لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة في تلك الأنظمة. وفي هذا النهج الجديد، أنشِئت شبكة القنوات الدقيقة -التي استوحِيَ تصميمها من الدورة الدموية البشرية- داخل المادة شبه الموصلة نفسها، بدلًا من إضافتها إليها لاحقًا. وقد نُشِرَت نتائج الباحثين يوم الأربعاء 9 سبتمبر في دورية Nature.

في هذا البحث، الذي أجراه إليسون ماتيولي، الأستاذ في معهد الهندسة الكهربائية بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان، ومعه عددٌ من زملائه، استخدم الباحثون رقاقةً مكوَّنة من طبقةٍ رقيقة من مادةٍ شبه موصلة تُسمَّى نيتريد الجاليوم (GaN)، موضوعة فوق ركيزةٍ من السيليكون أكبر سُمكًا. وفي الرقاقات العادية، يتمثَّل دورُ هذه الركيزة في دعم طبقة نيتريد الجاليوم فقط. أمَّا في هذه المنظومة الجديدة، فتُحفَر القنوات الميكروية داخل بنية الركيزة، بحيث تصطف بالضبط مع أجزاء الرقاقة التي عادةً ما ترتفع حرارتها أكثر من غيرها.

ولمعالجة مشكلة الطاقة العالية اللازمة لضخِّ الماء أو أي سائل تبريد آخر عَبر تلك القنوات البالغة الصِغَر، صمَّم الباحثون شبكة توزيع مكوَّنةً من قنواتٍ أوسع، تضيق فقط في المواضع المحددة التي تتركَّز فيها الحرارة. وهذا التصميم يُقلِّل إجمالي الطاقة اللازمة بصورةٍ هائلة.

ويقول ماتيولي متحدثًا عن هذا النظام الجديد: “إنَّه أشبه بالدورة الدموية البشرية، التي تتكون من أوعيةٍ دمويةٍ أوسع، تضيق وتتحول إلى شعيراتٍ دموية في أماكن معينة فقط من الجسم”. وأظهرت التجارب –التي أُجرِيَ بعضها اضطرارًا في مُختبرٍ أُنشئ في شقة أحد الباحثين، بعدما تسببت جائحة “كوفيد-19” في إغلاق منشآت معهد الهندسة الكهربائية- أنَّ مُعامِل أداء تلك المنظومة (الذي يقيس كفاءته) أعلى 50 مرَّةً من مُعامل الأداء الذي تحققه تقنية تبريد أخرى تستخدم قنواتٍ دقيقة ذات عرضٍ ثابت، وغير مُدمَجة في المادة شبه الموصلة.

ويرى تيوي وي، الذي كان أحد المُراجعين الأقران للورقة البحثية الخاصة بالدراسة، والذي يعمل باحثًا في كلٍّ من مركز الإلكترونيات الدقيقة المُشترك بين الجامعات (IMEC) وجامعة لوفان الكاثوليكية، اللذين يقعان في بلجيكا، أنَّ الإنجاز الرئيسي لهذا النهج يتمثَّل في توفير طريقة تصنيع مُبتكَرة، تدمج البِنى الإلكترونية وبنى التبريد في عملية تصنيع واحدة. وأضاف أنَّ هذا الدمج يساعد في جعل القنوات الدقيقة أقرب بكثير إلى المناطق المحددة التي تتجاوز فيها الحرارة الحدَّ المسموح به، وهو ما يؤدي إلى تعزيز كفاءة التبريد.

ويقول شيانمينج داي (الشهير باسم سايمون)، الذي يعمل أستاذًا مُساعِدًا في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة تكساس في ولاية دالاس الأمريكية، ولم يكن من الباحثين المشاركين في الدراسة: “إنَّها ورقة بحثية مهمة؛ لأنَّها تربط بين مجالين: مجال إلكترونيات الطاقة ومجال تبريد الإلكترونيات. إذ تتعامل معظم الأبحاث حاليًّا مع كلٍّ منهما على حدة”.

فعادةً ما يأتي التفكير في مسائل الهندسة الحرارية لاحقًا، ولا يُلتَفَت إليها إلَّا بعد تصميم النظام الكهربائي. لكنَّ بعض الفِرَق البحثية بدأت تفكر في دمج الإلكترونيات ووسائل التبريد في تصميمٍ تكاملي واحد، حسبما أوضح ويليام كينج، البروفيسور وأستاذ كرسي رالف إيه. أندرسون الوقفي في قسم العلوم الميكانيكية والهندسة بجامعة إلينوي في مدينة أوربانا-شامبين الأمريكية. وأضاف كينج، الذي لم يشارك هو الآخر في تأليف تلك الورقة البحثية الجديدة: “تُقدِّم هذه الورقة إسهامًا مُهِمًّا، يُبيِّن ما هو ممكنٌ حقًّا”.

ووفقًا لما ذكره وي، فإنَّ أحد أوجه قصور الدراسة أنَّها طبَّقت حلَّ التبريد المُبتكر على حالةٍ تجريبية بسيطة نسبيًّا. وأوضح أنَّ “أحد الاتجاهات المستقبلية يُمكن أن يكون تطبيق الفكرة على أحدث تصميمات المحولات”، مضيفًا أنَّ لديه أيضًا بعض التساؤلات حول السلامة البنيوية لطبقة نيتريد الجاليوم الرقيقة، الموضوعة فوق القنوات الدقيقة. وقال عن ذلك: “ما يقلقني أنَّ مرور السائل عبر القنوات الموجودة أسفل الجهاز قد يؤدي على المدى الطويل إلى إجهادٍ ربما يؤثِّر فيه”.

أمَّا كينج فيرى أنَّ الخطوات التالية في هذا البحث ينبغي أن تتمثَّل في إثبات إمكانية استخدام قنوات التبريد ذات الموائع الدقيقة في مواد أخرى، واستكشاف إمكانية تصميم أشكالٍ هندسية ثلاثية الأبعاد أكثر تطوُّرًا. وأضاف: “مع نضوج هذه الفكرة، أعتقد أنَّ التصميمات ستبدو أكثر فأكثر كما لو كانت شبكةً شِعرية من منظومة الدورة الدموية البشرية، ترتبط فيها قنواتٌ كبيرةٌ بقنواتٍ صغيرة في بنيةٍ متفرعة”.

وأشار كينج إلى أنَّ التحكم الحراري يُمثِّل قيدًا رئيسيًّا من القيود التي تواجهها أنواع الإلكترونيات كلُّها، لا سيما أجهزة التحكم في الطاقة الكهربائية، مثل تلك المُستخدَمة في السيارات الهجينة والكهربائية، والشبكات الكهربائية والاتصالات.

وعن ذلك يقول ماتيولي: “من حيث المبدأ، يُمكن استخدام هذه التقنية في جميع أنواع الإلكترونيات: لتبريد رقاقات الحواسيب على سبيل المثال، أو في بعض التطبيقات التي ربما تتسم بارتفاع كثافة الطاقة، مثل الألواح الشمسية أو السيارات الكهربائية”. لكنَّه أضاف أنَّ ذلك النهج من المستبعد أن يقدِّم حلًّا عمليًّا لكلِّ أنواع الإلكترونيات، لأنَّه في بعض التطبيقات لن يُرغَب في وجود سائلٍ يسري داخل الأجزاء الإلكترونية.

ويرى الباحث فائدةً محتملة كبيرة لاستخدام هذه التقنية في مراكز البيانات، التي تستهلك كمياتٍ هائلة من الطاقة، يذهب معظمها إلى أنظمة التبريد. ويقول إنَّ كل مراكز البيانات في الولايات المتحدة وحدها تستهلك معًا كميةً من الكهرباء والماء تضاهي الاحتياجات السكنية لمدينةٍ مثل فيلادلفيا. وفي المتوسط، يذهب 30% من الطاقة التي تستهلكها مراكز البيانات إلى التبريد. وتؤكِّد ورقة فريقه البحثية أنَّ هذا الاستهلاك يُمكن أن ينخفض بشدة على الأرجح من خلال تبنِّي هذا النهج الجديد.

scientificamerican

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *