الحواسيب والبرمجيات تسهم في اكتشافات علمية جديدة

الرئيسية » علم وحضارة » الحواسيب والبرمجيات تسهم في اكتشافات علمية جديدة

تشبه المعرفة البشرية بناء ضخماً من عدد لا يُحصى من اللبنات، وتسهِم كل دراسة أو بحث بنصيب متفاوت في البناء، ومع تراكم المعارف، يستحيل أن يحيط باحث واحد علماً بجميع ما نشر وينشر في مجال تخصصه، ما لفت الأنظار إلى إمكانية الاستعانة بالبرمجيات والحواسيب الفائقة، للتوصل إلى اكتشافات جديدة عن طريق التنقيب في البيانات.

ومن أمثلة ذلك، نظام «كنيت» KnIT الذي يختصر عبارة «Knowledge Integration Toolkit»، ما يعني «أدوات تكامل المعرفة»، وهو ثمرة تعاون بين شركة «آي بي إم» عبر حاسوبها الفائق «واتسون»، وكلية «بايلور للطب» الأميركية.

وأمكن لنظام «كنيت» قراءة نحو 100 ألف ورقة علمية خلال ساعتين حول بروتين «بي 53» P53، ونوع من الإنزيمات التي تنظم عمله وتعرف باسم «كيناز» Kinase. ويطلق على البروتين «حارس الجينوم»، فضلاً عن دوره في كبح الأورام ومنع حدوث السرطان، وارتباطه بنصف أنواع السرطانات.

ولا تشبه طريقة «كنيت» في قراءة الأبحاث أسلوب العلماء، التي يمكن أن تستغرق عمراً بأكمله، بل يعتمد على مسح الأوراق العلمية بحثاً عن روابط تقود إلى إنزيمات «كيناز» غير المكتشفة، ما يمكن أن ينير الطريق للتوصل إلى علاجات جديدة لمرض السرطان.

ومن خلال تحليل «كنيت» للأبحاث الصادرة حتى عام 2003، نجح في التعرف إلى سبعة من تسعة إنزيمات «كيناز» التي لم تكتشف سوى خلال السنوات الـ10 اللاحقة أي بعد عام 2003.

كما أشار إلى اثنين من الإنزيمات غير المعروفة المرتبطة ببروتين «بي 53»، وأظهرت الفحوص الأولية صحة النتائج، على الرغم من رغبة فريق البحث في تكرار التجربة للتأكد.

ويمثل نظام «كنيت» أحد المساعي للاستعانة بالحواسيب ذاتية التحكم في التوصل إلى اكتشافات جديدة، من خلال البحث في المعارف الموجودة بالفعل على نحو دقيق، وبسرعة تفوق ما يمكن للبشر إنجازه.

ويمكن تشبيه دوره بمحرك بحث للعلماء، لكنه لا ينظر فقط في الكلمات والعبارات المتشابهة وتكرارها، بل يستعين بمعالجة اللغة الطبيعية والقدرات الإدراكية للبحث عن الروابط غير الظاهرة للعلماء.

وقال الباحثون في نظام «كنيت» في ورقة علمية عرضت، أخيراً، في «مؤتمر اكتشاف المعرفة والتنقيب في البيانات» في نيويورك، إن العلماء يتمتعون بقدرات أفضل في التوصل لمعلومات جديدة مقارنة بدورهم في تحليل المعلومات المتوافرة بالفعل، ما يؤدي برأيهم إلى قصور بالغ في تحويل البحوث إلى تقدم للإنسانية. ويرجى أن يسهم «كنيت» في علاج هذا القصور.

وذكر الأستاذ في كلية «بايلور للطب» والمسؤول عن البحث، أوليفييه ليشتارج، أن اكتشاف إنزيمات «كيناز» المرتبطة ببروتين «بي 53» يسير بمعدل إنزيم واحد سنوياً، معرباً عن أمله في تسريع معدل الاكتشاف. وأشار في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن للنظام أن يحتل مكانة قراءة نقدية من متخصص للأوراق العلمية، فلا يحدد للعلماء ما يقومون به بقدر ما يقترح أحد الاحتمالات.

ويفكر فريق البحث في «كلية بايلور» في نقل الطريقة ذاتها خارج دراسات الطب الحيوي لتصل إلى مختلف مجالات العلوم. وفي حال نجحت الاكتشافات الأخيرة، يمكن أن يؤدي ذلك مستقبلاً إلى حصول أي شخص على خوارزمية بحث ذات طابع شخصي، تتفهم الأبحاث وتصل منها إلى علاجات لأمراضهم، بما فيها العلاج المصمم ليراعي جينات الشخص.

وفي الوقت نفسه، لا تبدو توسعة عمل «كنيت» إلى مجالات أخرى في علوم الأحياء والفيزياء بالأمر اليسير.

وقال ليشتارج: «يمكن أن نخوض في مشكلات كبيرة حين نحاول ونعمم لمزيد من البروتينات والجينات». وعادة ما تقدم موضوعات علوم الفيزياء في صورة معادلات أو رسوم بدلاً من الكلمات، وتعمل حالياً مجموعات التنقيب في البيانات على إتاحة البحث في المعلومات المعروضة بهذه الطريقة.

وتعود جذور فكرة اكتشاف المعارف الجديدة، من خلال البحث في فروع متباينة من العلم إلى عام 1986، حين بلورها العالم المتخصص في المعلومات في جامعة «شيكاغو» الأميركية دون سوانسون، وحينها حلل سوانسون يدوياً قاعدة بيانات من الأبحاث العلمية، واستنتج منها احتمال أن يكون زيت السمك علاجاً جيداً لمتلازمة رينو Raynauds وهي أحد اضطرابات الدورة الدموية، وتبين صحة استنتاج سوانسون.

وأتاح العلم الحديث قدراً أكبر بكثير وأكثر تعقيداً ما عمل سوانسون على تحليله في ثمانينات القرن الـ20، وتعمل حالياً تطبيقات الذكاء الاصطناعي على تحليل وتصنيف البيانات سعياً وراء اكتشافات جديدة.

وطوّر أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة «مانشستر» البريطانية، روس كينج، نوعاً مختلفاً من الأنظمة الآلية يحمل اسم «إيف موفي كاميرا» EveMovie Camera.

وبحسب كينج، فقد أحرز النظام نجاحاً في اكتشاف علاج جديد لمرض الملاريا.

وبدلاً من الاعتماد على استخراج المعارف من الأبحاث المتوافرة بالفعل، يجري «إيف موفي» آلياً تجارب معملية تركز على التوصل لعلاجات جديدة للأمراض المهملة. ويبقي كينج على الاكتشاف سراً لحين نشر نتائجه، ويقول إن «النتيجة أحد المكونات المتوافرة في العديد من أنواع معاجين الأسنان».

ولا يقتصر دور المعارف التي تكشف عنها البرمجيات الآلية على المجال العلمي وحده، فيمكن امتداد نفعها إلى غير العلماء. وتعمل الأستاذة في كلية علوم الحاسوب في جامعة «مانشستر» البريطانية، صوفيا أنانيدو، على مشروع «فاكتا» Facta، ويتضمن قاعدة بيانات ضخمة للمعلومات حول السرطان تعتمد على الأدبيات العلمية السابقة، كما تتيح البحث فيها.

وعلى الرغم من تصميم «فاكتا» في الأصل لمساعدة الباحثين المختصين بمرض السرطان، قالت أنانيدو إن «بمقدور الأشخاص العاديين استخدامها لمعرفة مزيد من المعلومات حول أمراضهم، دون الحاجة إلى قراءة كم كبير من الأبحاث العلمية بأنفسهم».

وإضافة إلى دور التنقيب في البيانات في التوصل إلى اكتشافات جديدة حول موضوعات محددة، فبإمكانه أن يلعب دوراً في كشف أوجه القصور في الأبحاث القائمة، ما يساعد على تلافيها.

الإمارات اليوم

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *