الحماة وكنتها.. صراع الأزل

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » الحماة وكنتها.. صراع الأزل

تشهد كواليس اللقاءات العائلية ودردشات الجارات حكايات الصراع الأزلي بين الكنة وحماتها، تلك الحرب التي لم تحط أوزارها بعد، موزعة بين معسكر يشكو من الغيرة والتعنت والسيطرة والتدخل في جميع الأمور .. والمعسكر الآخر الذي يطالب بالاستقلالية وعدم  الخضوع لجملة من النصائح والوصايا. 

عند كل لقاء عائلي، غالبا ما يثار موضوع علاقة الأم/الحماة بزوجة ابنها، ونفس الشيء يصير مع العروس للتقييم أو الاطمئنان على نوع العلاقة التي تربط المرأتين معا سواء من طرف المقربين لإحدى العائلتين أو بعض الأصدقاء والجيران، لأن الكل يتملكه الفضول لمعرفة ما إذا كانت العلاقة بين المعنيتين بالأمر،العروس وحماتها، ستكون امتدادا لتلك الحرب الباردة والمعلنة بين المرأتين معا حول “القلب الواحد”، منذ الأزل، أم أن هناك من سيشكل الاستثناء وينأى عن هذه النوعية من الاشتباكات الامتناهية.

تربط علاقة النسب بين عائلتين جمعت بينهما قرابة الدم أو تكون بداية الرابطة بين الأسرتين أساسها الزواج والذي غالبا ما يبتدئ بالزغاريد والاحتفاء والفرحة، وشحن رأس العروس بلائحة من الوصايا في كيفية تعاملها مع أسرة زوجها لكسب ودها واتقاء شرها، وعلى رأسها والدة الزوج/الحماة، واستعداد الأم/ الحماة بكل ما أوتيت من وسائل لحماية ابنها، ظنا منها، أن الزواج سيغير موقفه منها أو أن الزوجة ستختطفه من بين حضن أمه التي تعبت من أجله سنينا عديدة لتقدمه جاهزا وعلى طبق من ذهب لامرأة، حسب اعتقادها، لم تسهر على تربيته ورعايته، وقد لا تكون مناسبة له.

إلا أنه لا تكاد تمضي بعض الشهور أو الأيام في بعض الحالات، إلا وتتضح معالم/نوعية العلاقة بين المرأتين، فإما أن تكسبا الاثنتين ود بعضهما وتصبح العلاقة التي تجمع بينهما علاقة أم بابنتها، أو يطفو على السطح تذمر، شكوى، عتاب، مؤاخذة… من كلا الطرفين لتتصاعد الأمور بين الكنة زوجة الابن والحماة أُمُّ الزوج، وتنطلق شرارة الصراعات الخفية التي لن تنتهي فصولها مادامت طبيعتها معقدة وشائكة لارتباطها بالنفس البشرية وتركيباتها.

وقد عرف قديما، سواء في الحواضر أو البوادي، أنه في داخل الأسر التقليدية/المركبة كانت السلطة المطلقة في تدبير شؤونها الاجتماعية والاقتصادية تمنح لتلك المرأة الكبيرة في السن التي لم تكن سوى الأم/الحماة، صاحبة القرارات المصيرية في كل ما يتعلق بشؤون بيت العائلة الكبير، بدءً من اختيار العروس وإدارة البيت وتسييره والإنجاب وتربية الأبناء..إلا أن التحولات التي عرفتها الأسر المغربية التقليدية، بتقلصها إلى النووية داخل شقق صغيرة خانقة في ظل أزمة السكن، وخروج الزوجة للعمل ومشاركتها في التسيير المالي للبيت، ضعف العلاقات الاجتماعية بين الأسر.. اجتمعت كل هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية  لتنتزع من الحماة تلك السلطة التي انفردت بها لسنوات طويلة، أعطتها الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مصير عائلات كانت تخضع لسيطرتها، وبالتالي أصبحت تكتفي بدور الضيف/الزائر في المناسبات والأعياد أو تتكفل بحضانة الحفيد في غياب الأم/الكنة العاملة.

ودأبت وسائل الإعلام على تقديم الحماة من خلال المسلسلات والأفلام في صورة تلك المرأة المستبدة والمتسلطة والتي تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وتفقد صوابها لمجرد علمها أن ابنها يود الارتباط بزوجة، وأن هذا الزواج سيجردها من سلطتها على ابنها أو أن التنافس على احتلال قلب الابن/الزوج سيكون مشتركا بين الاثنتين، لتبدأ الدسائس والمناورات لإجهاض المشروع أو للتنغيص على الجميع.

وتضاف لتلك المسلسلات، الأغاني الشعبية والعصرية التي قد صورت وتصور الحماة وكأنها سبب كل المشاكل التي يتخبط فيها الزوجان، حيث أن الأم/الحماة لا ترتاح إلا وابنها قد انساق وراء كلامها أو ادعاءاتها وانفصل الاثنان عن بعضهما أو استقلا بأنفسهما بعيدا عن بيت العائلة. وكان للنوادر والنكت والرسومات الكاريكاتورية أيضا نصيب، من هذا التحامل والتصوير المخيف والمضحك في بعض الحالات، للعلاقة المتشنجة بين امرأتين تتصارعان قلبا واحدا، المتهمة فيها بالدرجة الأولى حسب ما تروج له النكت والرسوم هو الحماة الأشبه بالساحرة والشريرة التي لا تسلم من أذاها الزوجة.

إلا أنه لا يمكن القول بأن كل العلاقات متسمة بالتنافر والغيرة واللؤم والخداع، بل هناك عائلات تعيش علاقاتها بسلام بعيدة عن هذه الأجواء المشحونة والمتوترة، لأن الأدوار حصرت منذ البداية بين الاحترام والتوازن ونوع من الذكاء في التعامل، مما ينعكس إيجابا على علاقة الأطراف الثلاث فيما بينهم

ويطغى هذا الجانب المشرق، في الغالب، على تلك الزيجات التي يرفض فيها الابن الخضوع لاقتراحات العائلة بخصوص موضوع اختيار شريكة حياته، فيلجأ إلى الارتباط بالزوجة التي اختارها لنفسه بمواصفات يرغب فيها، بعيدا عن تدخل العائلة وهروبا من الوقوع في مشاكل، تكون جميع الأطراف في غنى عنها.

فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *