التقنية الرقمية تغير الإنسان وعيشه والدراسات عنه

الرئيسية » إعلام ورقميات » التقنية الرقمية تغير الإنسان وعيشه والدراسات عنه

تميز الجرأة كتاب الدكتور غسان مراد «الإنسانيات الرقمية: ترويض اللغة في سبيل معالجتها آلياً» الذي صدر أخيراً عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر». وليس مجازفة الحديث عن الجرأة، لأنه كتاب عن موضوع لا تبحثه ثقافة العرب إلا لماماً في نثرات متفرقة، هو موضوع «الإنسانيات الرقمية» Digital Humanistic.

ويبدو موضوع الكتاب شائكاً ومعقداً، كما يظهر في محاوره التي تتركز حول معالجة اللغة بواسطة التقنيات الرقمية، بمعنى وضع اللغة تحت تناول الذكاء الاصطناعي بأشكاله المختلفة، بداية من ذكاء الكومبيوتر والروبوت، ووصولاً إلى الذكاء الجماعي للعقول التي تتواصل مع بعضها بعضاً عبر الشبكات الرقمية، خصوصاً المواقع الاجتماعية. ولم يتردد مراد في وصف هذا الضرب الأخير من الذكاء عبر الشبكات، الذي لم يكن للإنسانية عهد به قبل العصر الإلكتروني، بأنه يشبه «ذكاء النمل».

ومن المستطاع تلخيص الفكرة الرئيسية للكتاب بأن التقنيات الرقمية غيرت شكل العيش الإنساني، والمجتمعات المعاصرة باتت مندمجة مع الذكاء الإلكتروني على مدار الساعة. لم يعد من الممكن الحديث عن إنسان اللحظة الحاضرة من دون استحضار الذكاء الذي يتفاعل معه عبر شاشات لا حصر لها، ليس أولها التلفزة العابرة للكرة الأرضية، ولا آخرها شاشات الهواتف والألواح الذكية.

لأن الذكاءين الإنساني والاصطناعي متداخلان، بدا طبيعياً تقديم صورة عن الطريقة التي ينظر بها الذكاء الاصطناعي إلى لغة الإنسان نفسه، إضافة إلى أسلوب العمل عليها بواسطة الآلات الذكية. وعلى رغم أن هذه المواضيع لا يساهم العرب فيها إلا بما يشبه أثر جناح عصفور على صحراء جافة، من المستطاع الحديث عن جرأة في استحضارها في كتاب مكرس لها بالعربية.

وبجرأة أيضاً، يذكر غلاف الكتاب أن شيئاً كثيراً منه ظهر كمقالات في صحيفة «الحياة».

إذن، بجرأة يحاول الكتاب نقل ثقافة عن العلوم المعاصرة للكومبيوتر والإنترنت، ومحاولة زرعها وتوطينها في الثقافة العربية حاضراً. وبقول آخر، إنه كتاب أول بالعربية عن «الإنسانيات الرقمية». ليس هماً كبيراً أن يكون كتاب ما أولاً أو المئة بعد الألف، الأهم أن يصيب محتواه الهدف. ويبدو العالم العربي واقعاً في هوىً جارف للأول والأبرز والأعلى والأطول والأضخم والأهم والأكبر والأقوى… وغيرها. الأرجح أن للعلم مساراً متصلاً، ولا يعمل أحد على شيء إلا بناء على ما أنجز قبله. في اللغة، تعتبر النصوص متراصة على بعضها بعضاً، ولا تنتج نصوص إلا بمعطيات وتراكيب ومعانٍ ودلالات وسياقات، سبق إنتاجها وتداولها.

ولعل الكتاب يشير إلى شيء أساسي تفتقده علوم الكومبيوتر الرقمية عند العرب: الاشتغال على اللغة وتراكيبها، وربطها مع الرياضيات. الأرجح أنه منذ أعمال عبد القادر الجرجاني، لم يجر اشتغال كبير على العلاقة بين تراكيب اللغة العربية ودلالاتها.

الحياة

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *