التصدي للأمراض النادرة

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » التصدي للأمراض النادرة

التصدي للأمراض النادرة

إن الأمراض النادرة موضع إهمال في عموم الأمر، وهذا لأنها ببساطة نادرة. ولكنها في الإجمال تؤثر على أعداد كبيرة من الناس. في الولايات المتحدة، تندرج تحت بند الأمراض النادرة كل الأمراض التي تصيب أقل من 200 ألف شخص. ولكن هناك أكثر من 6800 من هذه الحالات، وهي تبتلي مئات الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم. ورغم هذا فإن العلاجات المتوفرة لهذه الأمراض لا تتعدى 250 علاجا.

أحد الأسباب وراء هذا هو أن قِلة أعداد المرضى تجعل دراسة الأمراض واختبار الأدوية أمراً صعباً. ونتيجة لهذا، لا يعرف العاملون في المهن الطبية غالبا سوى أقل القليل عن أعراض هذه الأمراض وبيولوجيتها، وفي وقت سابق من هذا العام، شاركت في برنامج يوم الأمراض النادرة في كاليفورنيا.

وكان موضوع البرنامج مجموعة مبهمة ولكنها كبيرة (أكثر من سبعين) من الأمراض التي تحدث نتيجة لنوع معين من الخطأ الجيني (الوراثي) ــ والذي يرتبط بآلية الخلايا التي تربط السكريات بالبروتينات والدهون كيميائياً.

نحن لا نعرف الكثير عن الأسباب وراء التحولات التي تؤدي إلى نشوء الاختلالات الخلقية، والعلاجات المتاحة قليلة. ومن الممكن أن تؤدي هذه العيوب إلى نطاق واسع من المشاكل، لأن الارتباط الدقيق بالجليكوزيل، كما تسمى العملية، ضروري لعمل العديد من جزيئات الإشارة، مثل الهرمونات والناقلات العصبية، فضلا عن المستقبلات التي ترتبط بها هذه الجزيئات.

إلى جانب العاملين في المهن الصحية، كان بين حضور المؤتمر أطفال من المبتلين بهذه الأمراض ومعهم أسرهم. وعلى مدار فترة ما بعد الظهيرة، التقى العاملون في المهن الصحية في مجموعات صغيرة مع الأسر والأطفال. ومع استمرار المناقشة، كان أحد الأطفال يطلق من حين لآخر صرخة مروعة. وكان آخر يصدر أصواتا خشنة. وكان آخرون يذوون في مراحل مختلفة من التدهور.

تصادف جلوسي على بُعد نحو قدم من طفلة صغيرة فاتنة ــ وأظن أن عمرها كان نحو سنتين ــ وكانت كل بضع دقائق تصاب بنوبة. فكانت عيناها ترتد إلى الوراء ويسقط رأسها على صدرها. والدواء الذي تتناوله هذه الفتاة قادرعلى منع أشد نوباتها عنفاً فقط. ثم كانت تستعيد وعيها وتستأنف الضغط على شاشة كمبيوتر الأطفال الذي تحمله، وقد أمضى والدها المتألم الجلسة بالكامل يمسد ذراعها.

كانت مشاهدة كيف يتألم الآباء أمرا بالغ الصعوبة. فكان بعضهم منتبهين بشدة، وكانوا يطرحون العديد من الأسئلة؛ وبدا الأمر وكأنهم لم يتركوا بحثاً علمياً أو مدونة إلكترونية أو مقالا في صحيفة إلا واطلعوا عليه. وبدا آخرون في حالة حيرة واضطراب. وكان أسوأهم حالاً أولئك الذين كانوا يحدقون بنظرات تدل على يأس عميق.

لقد سرق هذا الحظ العشوائي السئ الذي أصاب أبناءهم بخلل جيني حياة أغلب الآباء، وحول أيامهم إلى سلسلة لا تنتهي من الزيارات لأطباء متخصصين. ويحتاج أغلب الأطفال إلى عدد كبير من الأدوية. وكثيرون منهم لابد من إطعامهم عن طريق أنابيب التغذية المعدية التي يتم إدخالها جراحياً من خلال شق في البطن. وكانت إحدى النساء هناك مع ابنها الذي يبلغ من العمر 32 عاما.

الواقع أن الحكومات يمكنها القيام بالكثير لمساعدة المصابين بأمراض نادرة. فهي أولاً قادرة على إعادة توجيه تمويل البحوث من المساعي البحثية الأقل أهمية إلى مشاريع في علم الوراثة الجزيئية تقدم أفكارا مفيدة بشأن الاضطرابات الأيضية. وثانيا، بوسعها أن تقلل من عبء الروتين التنظيمي المفروض على التجارب السريرية الصغيرة للغاية التي تجرى على علاجات جديدة لأمراض نادرة.

وأخيرا، يستطيع صناع السياسات أن يعملوا على خلق الحوافز المالية ــ التي قد تشمل الإعفاءات الضريبية لمشاريع البحث والتطوير ــ لتشجيع شركات الأدوية على تطوير العلاجات التي لا يمكنها تقديم عوائد جذابة على استثماراتها لولا ذلك التشجيع.

في عالَم الطب، يكاد الممارسون لتخصصات قليلة صعبة ومستنزفة للوقت والجهد يبلغون في نظري مرتبة القديسين. وأود أن أضيف إليهم أطباء أورام الأطفال، والعاملين في وحدات الحروق، والمتطوعين الذين يعالجون المرضى المصابين بأمراض معدية فتاكة مثل الإيبولا، والمهنيين الذين يشخصون ويعالجون الأمراض الوراثية الموهنة للعزائم ويعملون مع الأسر المبتلاة. ومن المؤكد أن هؤلاء الأبطال المجهولين في احتياج إلى كل الدعم الذي يمكن تقديمه.

هنري ميلر – البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *