التدريس.. وسبل الإبداع

الرئيسية » تربية وتكوين » التدريس.. وسبل الإبداع

التدريس.. وسبل الإبداع

​يختلف إنسان عصر العلم والتقنية والثورة العلمية الخلاقة عن إنسان العصور السابقة في عملية الإبداع والتمكن منها، إذ إن ما يتاح للبشر اليوم من تقنيات علمية متسارعة ومصادر تعلم متنوعة وأدوات وإمكانات، لم تتح لغيره من بني جنسه، لكن لم تمنع هذه الجوانب الأساسية السابقين الأولين من ذوي الفكر والإرادة من الإبداع والابتكار، حيث أثبتت التجارب العلمية أن القدرة على الإبداع ترتبط بمثابرة الفرد ومستوى تركيزه والقوى الذهنية والفكرية واستثماره لها. كما أن المصدر الأول للإبداع هو الفكر أو الخيال الخلاق.

 ولم يكن الإبداع خاصًّا ـ يومًا ما ـ بفئة محددة من الناس دون غيرهم؛ فمعظم البشر مؤهلون له، لكن بدرجات متفاوتة، وهنا يأتي دور الأساليب العلمية والبيئة الإبداعية المعينة على ظهور تلك الملكات، وميلاد الأفكار الجديدة لدى المعلم والمتعلم معًا. بالإضافة إلى أن الإبداع ليس هدفًا لمستوى دراسي معين، إذ ينبغي غرسه في الناشئة مع أولى سنيِّ عمرهم، ويستمر مع الفرد طيلة عمره، حتى يكون مسارا فكره وإبداعه هما السبيل إلى تحقيق أهدافه وبناء مستقبله، وميلاد الشخص المبدع الكفيل بتوفير نتاجٍ جديد وأصيلٍ ذي قيمة.

ولا يولد هذا الشخص إلا إذا وجد في بيئة تعليمية خلاقة مكتملة الأركان والدعائم، وإن من أهم أركان هذه البيئة الواعدة، المعلم المبدع وطرق التدريس التي ينتهجها في توصيل معارفه ومعلوماته، والتي تقوم على التدريس الإبداعي.

ويوصف التدريس بأنه إبداعي إذا حقق الأهداف التعليمية في أكمل صورة، وإذا زاول المعلمون الطرق التعليمية الحديثة التي تقوم على تنظيم العناصر العلمية وحل المشكلات وديمقراطية النقاش وتحقيق الدافعية للتعلم الذاتي؛ لذا يمضي التدريس الإبداعي وفق أصول علمية وأساليب مدروسة، تضمن إتقان مهارات التدريس الأساسية وتحقيق مخرجات التدريس المتميز، في ضوء معايير التعليم القياسية التي تصحب مهارات التدريس الإبداعي القياسية.

ولا شك أن طبيعة المناهج أو المقررات الدراسية وما تحتويها من مادة علمية، ينبغي أن تكون في حد ذاتها وسيلة لتنمية قدرة الفرد على الابتكار والإبداع، وإذا لزم المعلم السبل العلمية الكفيلة بتألق الطالب وإبداعه والمهيئة لهما، وامتلك الكفاءات والمهارات اللازمة لبناء الشخص المبدع، وجَّه المقرر العلمي ومنهجه التدريسي نحو بلوغ هذا الهدف، وبذل كل ما لديه في توفير الآليات والأدوات التي تكفل تحقيق مبتغاه؛ لأن الممارسة الفعلية لأساليب تنمية مهارات التفكير الإبداعي هي السبيل الأوحد لإيجاد الطالب المبدع والشخص المبتكر.

وقد أكدت كثير من الدراسات العلمية والتربوية والنفسية العديد من التوصيات التي ينبغي مراعاتها عند بناء المقررات الدراسية وما تحتويه من معارف ومهارات، منها: أن توضع مهارات التفكير والإبداع أساسًا من أسس تخطيط المناهج، بالإضافة إلى تجنب أساليب الغرس والتلقين، والتركيز على أساليب التدريس المفتوح؛ كالمناقشة والعصف الذهني، وتنمية قدرات الطلاب على التفكير الناقد والبنَّاء، وإكسابهم مهارات متصلة بالبحث والاطلاع والتعلم الذاتي.

 ولا يخفى كم هي حاجة المجتمع إلى أجيال مفكرة مبدعة، تمتلك الخيال الخصب والفكر الخلاق والملكات الإبداعية، ولديها القدرة على التعمق والتحليل والدراسة، والوصول إلى استنتاجات بناءة تخدم الفرد والمجتمع والوطن، وتلك هي رسالة المؤسسات التعليمية والتربوية المنتظرة.

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *