الأقاليم الجنوبية للمملكة..زواياها للتصوف وللدفاع عن الوطن

الرئيسية » علم وحضارة » الأقاليم الجنوبية للمملكة..زواياها للتصوف وللدفاع عن الوطن

تزخر مختلف الأقاليم الجنوبية للمملكة بالعديد من الزوايا التي تؤرخ لحركة صوفية كان لها، على امتداد التاريخ، دور بارز في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمملكة؛ بل إن هذه الزوايا التي كانت رباطات للتصوف والذكر، كانت ولازالت أيضا قلاعا للذود عن الوطن كاملا من أقصاه إلى أقصاه

عرفت حضورا بارزا لمختلف الطرق الصوفية

زاوية وضريح الشيخ سيدأحمد الركيبي

زاوية وضريح الشيخ سيدأحمد الركيبي

برأي الباحث الجامعي، محمد ظريف، في كتابه “الحركة الصوفية وأثرها في أدب الصحراء المغربية”، فإن “الأقاليم الصحراوية عرفت طيلة القرون الأربعة الأخيرة حركة صوفية متميزة امتد تأثيرها إلى مختلف مجالات الحياة الصحراوية الاجتماعية والثقافية والسياسية”. حيث شهدت هذه الأقاليم من ربوع مملكتنا حضورا بارزا لمختلف الطرق الصوفية من شمال المغرب وشرقه.

وهكذا في القرن السادس عشر، أخذ الشيخ يسد أحمد الركيبي مبادئ التصوف في توات وعمل على نشرها في الساقية الحمراء، وفي نفس الفترة أخد الشيخ سيد أحمد العروسي طريقة سيدي عبد الرحمن المجذوب وسيدي رحال البودالى، ونشرها في الساقية الحمراء أيضا، وأخذ سيدي محمد الطالبي الرقيبي الدرقاوية عن سيدي علي الدرقاوي.

واستطاعت الزاوايا، بمختلف طرقها أن تلعب دورا فعالا في تحديد الملامح العامة للأقاليم الصحراوية، وتشكيل سماتها الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ وهكذا عُرفت زوايا الشيخ سيدي أحمد الرقيبي، وسيدي أحمد العروسي، وزاوية الشيخ ماء العينين، وغيرها من زوايا الصحراء، بأنها الملاذات الآمنة للمظلومين، ومحاكم عليا للفصل في مختلف المنازعات، وهي في نفس الآن منارات للعلم وقلاع حصينة للدفاع عن سيادة المغرب والمحافظة على وحدته.

ويتميز إقليم السمارة الذي يتميز بثرائه التاريخي والأركيولوجي، بالحضور القوي للطرق الصوفية عبر مختلف المراحل التاريخية للإقليم، بحيث يعتبر من أهم المناطق التي تتمركز فيها الزوايا الدينيــة، خاصة على وادي الساقية الحمراء ووادي درعــة في منطقــة عيون أغمـــان. وتنتمي كل الزوايــا التي يزخر بها إقليم السمارة إلــى نفس الطريقة الصوفية وهي الطريقة الدرقاوية.

 زاوية الشيخ سيد أحمد الركيبي

 تبعد زاوية الشيخ سيدي أحمد الركيبي “مول الحبشي” عن إقليم السمارة بحوالي 120 كيلومترا مرورا بوادي الساقية الحمراء، البطينة، عقلــة أسدام، وادي النبط، عريضــة أم بدوز، القاعة  قاعة الشبابين، فدرة التمات، وبينهما الشب الجنوبي والشب الشمالي، ثم التمات التي تصب في وادي الحبشي.

ويوضح الدكتور محمد الظريف، أسانيد نفوذ زاوية الشيخ سيدي أحمد الركيبي، بذكر ثلاثة أسس متكاملة وهي:

1- شرف الأصل؛ ذلك أن شيوخ الزاوية، يتصلون بالرسول صلى الله عليه وسلم، عن طريق مولاي عبد السلام بنمشيش، الجد الأعلى لسيدي أحمد الركيبي، وهم يحتفظون بشجرة نسب ثابتة تؤكد هذا الأصل. وقد ساهم هذا الأساس في بدور فعال في توطيد دعائم الزاوية في المنطقة. وترسيخ محبتها في القلوب، فظلت منذ إقامة صرحها، محل احترام وتقدير، من طرف مختلف القبائل المجاورة لها، تقدم لها الذبائح والهدايا، وتستجير بها من عوادي الزمن، ولا تتردد في تنفيذ قراراتها.

2- الإشعاع الديني والعلمي: ذلك أن زاوية الشيخ سيدي أحمد الركيبي، لم تتوان في نشر العلم والمعرفة، وإقامة الحد على الطغاة والظلمة، فمقصدها الطلبة من مختلف الآفاق، وتخرج من مدارسها ومحاضرها عدد من الشيوخ والعلماء مثل: محمد البوهالي الركائبي المتوفى سنة 1313 هـ/1895، ومحمد بن يوسف الركائبي المتوفي سنة 1304هـ/1886م، ومحمد بن عبد الرحمان الركيبي الطالبي وغيرهم كثير.

3- حماية الثغور المغربية في الصحراء: حيث أقام شيوخ الزاوية الرباط على الشواطئ والثغور، وعمروها، بالأبطال والمجاهدين. فكانت حصنا منيعا للإسلام في الجنوب المغربي، ودرعا واقيا له مما يهدده من أخطار خارجية، فاستكملت بهذا العنصر “سائر عناصر الشرف، وجمعت بواسطته سائر أطراف المجد”.

وولد الشيخ سيد أحمد الركيبي عام 999 هـ، الموافق لـ1590م، بنواحي وادي درعة في منطقــة تعرف بالخراويع، وتوفي وعمره 75 سنة.

المسجد الحديث لزاوية الشيخ سيد أحمد الركيبي

المسجد الحديث لزاوية الشيخ سيد أحمد الركيبي

زاوية الشيخ ماء العينين

 في سنة 1888م شرع الشيخ ماء العينين في شق طريق يربط بين السمارة وطرفاية، بهدف جلب المواد الضرورية لبناء زاويته بمدينة السمارة. وفي سنة 1895م شرع في البناء وكلف ابنه الشيخ الطالب خيار، بمهمة السهر على أوراش البناء بعد ما وصلت المواد الضرورية عن طريق البحر إلـى شواطئ طرفايــة على متن باخرة مخزنيــة تابعــة للبحرية السلطانيــة ( السلطان مولاي عبد العزيز)، بقيادة الربان أحميدة، الملقب بالتركي، وعلى متنها أربعة من البنائين المختصين ينتمون إلى مدن مراكش، فاس، طنجة، وتطوان، وبعد سنة التحق بهم البناء الخامس من مدينة وجدة.

وولد الشيخ محمد المصطفى الملقب شاعريا من طرف والدته عند ولادته بماء العينين ، وهو اللقب الذي سمي به عائليا، في سنة 1829م، بمنطقة الحوض بموريتانيا، وتلقى دراستـه بالزاوية والمدرسة الأبويـــة “دار السلام” ، بالحوض بموريتانيا، وعند بلوغــه 16 عامـا أرسله والده الشيخ محمد فاضل إلى مدينــة مراكش، ومنها توجـه إلى الديــار المقدســة لأداء فريضة الحج بصحبة أبناء السلطان عبد الرحمن حيث أرسلهم مولاي عبد الرحمن، في أول باخرة بخارية تنطلق من ميناء طنجة إلى الإسكندرية ومنها إلى جدة. وبعد أداء الشيخ لفريضة الحج رجع إلى والده، الذي رأى فيه الكفاية رغم صغر سنه، لنشر الدعوة الإسلامية، بإنشاء زاوية بالساقية الحمراء ووادي الذهب. ولجمع كلمة وتوحيد قبـائل البدو الرحل، اعتبارا لما بينه وبين هذه القبائل من الأخوة والنسب، خاصة وأن جل قبائل الصحراء ينتمون إلى نفس الجد وهو المولى إدريس الأكبر.

منظر خارجي لزاوية الشيخ ماء العينين

منظر خارجي لزاوية الشيخ ماء العينين

 زاوية الشيخ سيد أحمد موسى

 تقع زاويـة الشيخ سيد أحمد موسى على إحدى ضفتي واد الساقيــــة الحمراء، بيـن مدينتــي العيون والسمارة، وتبعد عن العيون بحوالي 180 كلم على الطريق غير المعبد، أي مسافة ست ساعات، وتبعد عن مدينة السمارة بحوالي ستين كيلومترا، وهي بذلك تابعة لعمالة إقليم السمارة. واشتهرت منطقة تواجد الزاوية لدى سكانها من البدو بالحصيات، وهي جمع حصية والحصية معناها مكان منبسط تتخلله مجموعة من الهضاب، حيث تتميز بقلة الأودية الكبرى. وتتميز الطريق المؤدية إلى زاوية سيد أحمد موسى، بمجموعة من الأماكن والأراضي ومن بينها أرض” لرمات” الأولى والثانية والثالثة، وبعده وادي العنكة، ثم “الطبيلة”، وبعدها زاوية يسد أحمد موسى.

ويعتبر الموسم السنوي لزاوية الشيخ يسد أحمد موسى فرصة سنوية لاجتماع كل أبناء سيد أحمد موسى، حيث يحجون إلى مقر الزاوية قادمين من مدن العيون، السمارة، الداخلة، طانطان، وكلميم، بالإضافة إلى المناطق المجاورة للزاوية، كمنطقة زاوية يسد أحمد موسى، نظرا لكونها مقر سكنى لبعض أبناء سيد أحمد موسى.

ويجتمع الجميع خلال الموسم ويبنون الخيام وينحرون النوق، ويحيون ثلاث ليال من الذكر الحكيم، ويتدارسون الأحاديث والسنة النبوية.

زاوية الشيخ يسد أحمد لعروسي

تقع زاوية الشيخ يسد أحمد لعروسي على وادي الساقية الحمراء، على بعد حوالي 14 كيلومترا من صخرة الطبيلة الشهيرة، حيث كان يتعبد الشيخ يسد أحمد لعروسي، يقطن قرب الزاوية بصفة شبه دائمة عدد كبير من قبيلة عروسيين، حيث أقيمت هناك بناية حديثة للزاوية، تجاور الزاوية القديمة.

وقد اشتهرت هذه الزاوية بالعلم والصلاح، فما يرويه الشيخ ماء العينين عن انتقال مؤسسها الشيخ سيدي أحمد العروسي إلى الصحراء قوله “وسبب إتيانه إلى الصحاري، أنه كان صاحبا لعبد الرحمن المجذوب، دفين مكناس، وخرج من أول نشأته في العبادة، ولما كتب له معلمه “إذا زلزلت الأرض زلزالها” وهو صبي، وبلغ: “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” ، قال لمعلمه، والأمر هكذا؟ قال نعم، قال ففيم القراءة. فترك القراءة من ذلك اليوم، واشتغل بالعبادة، فظهر على يده من خوارق العادة ما لا يوصف، فنمت به الوشاة عند أمير دهره، فحبسه، وكان إذ ذاك في مراكش في جامع “لفن” فحبس فيه، وكان في يديه حصيات يقلبها ويقول: ما طارت هذه ولا نزلت هذه، حتى فرج الله، فضرب عبد الرحمن المجذوب بيده حائط الجامع، حتى انفرجت منه فرجة، ودخل عليه ونزع الأغلال..ونقله إلى الصحراء”.

وتؤكد الحفريات آثار تعاليمه التي لا تزال مرسومة على بعض أحجار هضبة “أطبيلة” المجاورة لضريحه.

وولد الشيخ سيد أحمد لعروصي بصحراء تونس عام 886هـ، ومكث هناك في كنف جده وبزاويته إلى أن شب وترعرع غصن رجولته. ولازم الشيخ سيد أحمد لعرسي الشيخ سيد أحمد بن يوسف الراشدي الملياني، وأخذ عنه طريقته الصوفية بسندها الرزوقي، ثم انتقل إلى مكناس بالمغرب، حيث التقى بالشيخ عبد الرحمن المجذوب، وأخذ عنه طريقته الصوفية، وبعدها انتقل إلى مراكش التي كانت مركزا لأتباع الطريقة الجزولية، حيث لازم الشيخ أبي العزم رحال الكوشي المعروف بالبودالي، حيث تتلمذ على يديه وأخذ عنه سنده الجزولي في الطريقة الشاذلية. وكانت وفاة الشيخ يسد أحمد لعروسي سنة 1002هـ.

زاوية وضريح الشيخ سيدأحمد لعروسي

زاوية وضريح الشيخ سيدأحمد لعروسي

 المسجد العتيق

 رغم عدم قدمه الكبير إلا أنه يكتسي أهمية تاريخية ودينية كبيرة لدى سكان السمارة والباحثين والزوار السائحين المتوافدين عليها. ويحكي شيوخ المدينة والمهتمين بتوثيق تاريخها، أن المسجد العتيق بني سنة 1969 من طرف أحد الأثرياء من المعمرين الأسبان، من ماله الخاص، على أساس أن يكون مكانا للعبادة المتعددة، ومثالا للتعايش الديني بين الديانات السماوية الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، وهو أمر  تؤكده طريقة بناء الصومعة التي تتكون من أربع دوائر وهلال عكس الطريقة الإسلامية في بناء الصوامع والتي تقتصر على ثلاث دوائر وهلال، كما تضم بعض أعمدته آثارا لرسوم الصليب المسيحي والنجمة السداسية اليهودية.

أما من حيث الجانب المعماري وطريقة البناء، يلاحظ من خلال هندسة المسجد والأرابيسك الذي زين به أنه بني على الطريقة الأندلسية؛ أما من حيث المواد المستعملة في البناء، فقد بني المسجد بأكلمه باستخدام الحجارة السوداء والقوية، التي تميز إقليم السمارة. وتبلغ مساحة المسجد الأصلية 320 متر مربع، وبعد

توسيعه وصلت مساحته إلى 722.84 متر مربع.

ورغم أن المسجد العتيق بمدينة السمارة يحظى باهتمام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي عملت منذ سنوات على الاعتناء بأثاثه، وحرصت على أن تقام به الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، إلا أن الجميع بمدينة السمارة يتذكر بحسرة كبيرة عملية التوسعة التي طالته في 1994 والتي لم تكن مدروسة بشكل جيد، حسب البعض، مما أثر ذلك على بعض ملحقاته وعلى جماليته.

 أما بخصوص الزوايا الواقعة بمدينة العيون فنذكر منها:

 زاوية أولاد تيدرارين – الزيبــة

 وهي نسبة إلى قبيلة أولاد تيدرارين؛ والجد المؤسس والأب الكبير لهذه القبيلة هو حنين بن سرحان بن عبد الوليد بن الحسن بن محمد بن كلي بن أبي دجانة الأنصاري الخزرجي. وكان جده من ضمن الفاتحين الذين قدموا مع عقبة بن نافع في حملته الأولى سنة 662 ميلادية 42 للهجرة. وقد عرفت القبيلة في كتب التاريخ بأسماء متعددة، منها أبناء اعز وهو ابويعزى بن إبراهيم بن حنين أو مولاي بوعز المغربي، وقد لقب كذلك بأبي فبرين.

وقد سكن كل أو بعض أولاد تيدرارين من تاريخهم ما بين ادرار الشرقي وهو ادرار التمر وادرار الغربي وهو ادرار سطف. وصاروا يعرفون بأولاد ادرارين ومن ذلك اشتق اسم القبيلة. ويمكن تقسيم أولاد تيدرارين إلى تسعة بطون وثلاثة وعشرين فخذا.

ضريح بوغنبور

 يقع ضريح بوغنبور، وهو جد أولاد تيدرارين قرب منطقة بوجدور، ومعروفة باسم أهل الزيبة ويام عندها المعروف كل سنة. ويقصد بالمعروف اجتماع كل بطون قبيلة أولاد تيدرارين في موسم يقام كل شهر غشت، حيث يساهم كل واحد منهم بقدر من المال، قل أو كثر، كما يحضر الجميع أدوات الإنارة كالشمع وعود الثقاب، والسكر والشاي، وكل ما تيسر. هذا فضلا عن ثوابت الموسم ومنه نحر رؤوس الإبل، كما تزود القبيلة صندوق ضريح الولي الصالح بالإعانات السنوية المالية.

 نورالدين اليزيد عن الموقع الثقافي للصحراء بتصرف

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *