«إنترنت كل شيء» رافعة التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الرئيسية » إعلام ورقميات » «إنترنت كل شيء» رافعة التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

«إنترنت كل شيء» رافعة التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

عندما اجتمع قادة الدول والأعمال والمجتمع المدني في «المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا 2015» في 22 و23 أيار الجاري، وضعوا نصب أعينهم هدفاً مشتركاً هو: نشر السلم والرخاء في أرجاء المنطقة. وتزداد أهمية ذلك الهدف في خضم التوترات السياسيّة- الإقليمية المتفاقمة التي تجعل الحاجة إلى بارقة أمل حقيقية أمراً ملحّاً. وكذلك ناقش القادة مسألة اعتماد أطر عامة لتدابير محدّدة في مواجهة التحديّات العديدة الماثلة أمام بلدان المنطقة، مع اهتمام خاص بالاستثمارات الاستراتيجية في التقنية الرقميّة التي تساهم في إيجاد مسار واعد نحو المستقبل.

الأجهزة المتصلّة تتكاثر

حاضراً، يبلغ عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت قرابة 15 بليوناً، مع توقّع أن يزيد عددها على 50 بليوناً بحلول العام 2020. ويُطْلَق على المرحلة التالية من تطور الشبكة الإلكترونيّة العالميّة، تسمية «إنترنت كل شيء». وتشير التسمية إلى الاتصالية الشبكية بين الأشخاص والعمليات والبيانات والأشياء، ما يقود العالم نحو عهد جديد. ومن المتوقع أن تساعد تلك الاتصالية الشبكية الهائلة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في التغلّب على تحديات البطالة والمصاعب الاقتصادية. وفي البداية يتعيَّن على كل دولة في المنطقة أن تنشئ بنية إلكترونيّة تحتية تساند الحزمة العريضة للإنترنت («برودباند» Broad Band). وتحصد البلدان التي تولي أوليّة كافية لجاهزية بنيتها الإلكترونيّة فوائد اقتصادية ومجتمعية متنوّعة.

وبالفعل، بدأنا نشهد تأثير الاتصاليّة الشبكيّة في دول المنطقة. ففي دولة الإمارات العربيّة المتحدة، بدأت رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بجعل دبي «المدينة الذكيّة المستقبلية» عبر تسخير التقنية الحديثة، بدأت تؤتي ثمارها عبر ظهور واقع جديد في تلك الدولة. إذ تربط المجسات الموزَّعة في أنحاء دبي بين أوصال المدينة كافة، بداية من الخدمات الأساسية ووصولاً إلى حركة المرور. ويساهم ذلك في إثراء حياة المواطنين والقاطنين في المدينة، بل يعود بمردود يصل إلى 4.87 بليون دولار (17.9 بليون درهم) بحلول العام 2019. وعلى نحو مماثل، تجد دولة قطر نفسها أمام حاجة ملحّة لتنفيذ خطة تجسّد مفهوم «المدينة الذكيّة»، خصوصاً في خضم استعدادتها لاستضافة حدث عملاق هو بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وفي وقت غير بعيد، انطلقت «رؤية قطر الوطنية 2030» الراميّة لجعْلها دولة متفاعلة على نحو وثيق مع حاجات مواطنيها، ما يحقق نقلة نوعيّة في التعليم والرعاية والصحة والطاقة والأمن والنقل.

تجربة «المدن الاقتصادية»

في السياق ذاته، استثمرت المملكة العربية السعودية بلايين الدولارات في بناء أربع «مُدن اقتصادية» بهدف تنويع قاعدة اقتصادها والحدّ من الاعتماد على قطاع الهيدروكربونات، مع الإشارة إلى أن النفط يستحوذ على 94 في المئة من عوائد الصادرات السعودية.

وفي سياق مماثل، من المتوقع أن تدعم «المدن الذكيّة» توجّه السعوديّة في تطوير اقتصاد المعرفة الذي سيزود الجيل الجديد بمهارات احترافية وقيادية متنوعة.

وعلى رغم أهمية تلك المبادرات في دعم استحداث الوظائف، لا بدّ من بذل جهود إضافية في أنحاء المنطقة، خصوصاً أن نسبة البطالة فيها بين الشباب تعتبر من الأعلى عالمياً (27 في المئة)، بل تفوق ضعف المعدل العالمي. وتظل القضية العالقة متمثّلة في تلك الفجوة الكبيرة بين الوظائف المتاحة في صناعة المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة من جهة، والمرشّحين المؤهّلين فعلياً لتلك الوظائف.

ولتمكين الشباب العاطلين عن العمل من الحصول على وظائف مناسبة، لا بدّ أن تتضافر جهود القطاعين العام والخاص لتوفير فرص في تطوير المهارات الأساسيّة في تلك الصناعة الحيويّة. ومن الأمثلة الحاضرة التي قطعت شوطاً واسعاً في ذلك المضمار، تبرز «أكاديمية غبور أوتو» التي توفر تدريباً مجانياً في تقنيات المعلومات والاتصالات للمواطنين المصريين، وكذلك «أكاديمية سيسكو للشبكات» التي يتعلم فيها الطلاب الجامعيون علوم شبكات الحاسوب.

وتحوز الرعاية الصحية أهمية توازي التنمية الاقتصادية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ لا يحصل القاطنون في مناطق نائية وريفية على الرعاية الصحية اللازمة. وتشمل أسباب ذلك الأمر أن المسافة تكون بعيدة، أو أن تكلفة الانتقال باهظة، أو صعوبة تنسيق الجهود وغيرها. ومن المؤكد أن تقنية الصحة عن بُعْد التي تستند إلى الإنترنت، تستطيع التغلب على تلك المشكلة عبر تمكين المرضى في المناطق الريفية من استشارة اختصاصيين، بفضل استخدام تقنية «الاتصال المباشر بالفيديو». وتسهّل المنصات الرقمية المستندة إلى تقنية «حوسبة السحاب» Cloud Computing، التواصل بين الجمهور ومجموعة واسعة من الخدمات الطبية، بما فيها صور الأشعة المختلفة.

وتحضر أمثلة متنوّعة على ذلك الأمر، لعل أوّلها «المبادرة الأردنيّة للرعاية الصحيّة»، وهي شراكة بين الحكومة الأردنية و»سيسكو سيتسمز»، تهدف إلى مساندة خدمات الرعاية الصحيّة وجودتها. إذ أثبت الأردن أن الانترنت عبر الـ»برودباند»، يقدر على تجسير الفجوات العلاجيّة في المجتمعات الأقل حظاً. ولحد الآن، استفاد ما يزيد على 110 آلاف مريض من استشارات الفيديو عن بُعْد أو خدمات الأشعة عبر منصات «حَوْسَبَة السحاب». وتغيَّرت حياة المصابين بالسرطان أو أمراض خطيرة في القلب، بفضل التواصل المرئي- المسموع من قبل اختصاصيين في تلك المجالات.

وفيما ترسم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسارها نحو تحقيق التحوّل الاقتصادي، لا بدَّ أن تتضافر جهود القطاعين العام والخاص لإرساء الأسس الرقميّة اللازمة لإحداث تنمية اقتصادية طويلة الأجل. وأعتقد أن مستقبل المنطقة مرهون بقدرة قادتها على إعداد أجندة تقنيّة جريئة وأخذ زمام المبادرة في مشاريع كبرى تستفيد من قوة الإنترنت في تحقيق تغيير هادف. إذاً، آنَ أوان العمل.

جريدة الحياة

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *