إستراتيجية التعليم القارية لإفريقيا 2016-2025م

الرئيسية » تربية وتكوين » إستراتيجية التعليم القارية لإفريقيا 2016-2025م

إستراتيجية التعليم القارية لإفريقيا 2016-2025م

يتمثل الدافع الرئيس من وراء إستراتيجية التعليم القارية لإفريقيا (Continental Education Strategy)، في الرغبة بإقامة نظام نوعي للتعليم والتدريب؛ من أجل تزويد القارة الإفريقية بالموارد البشرية التي تتكيف مع القيم الأساسية الإفريقية، ومن ثم القدرة على تحقيق رؤى الاتحاد الإفريقي وطموحاته، حيث تهدف الإستراتيجية إلى إعادة توجيه نظم التعليم والتدريب في إفريقيا؛ لتلبية المعرفة والكفاءات والمهارات والابتكارات والإبداعات اللازمة لتعزيز القيم الأساسية الإفريقية، وتعزيز التنمية المستدامة على المستويات الوطنية الإقليمية والقارية. ويشار إلى أن هناك العديد من الركائز والمبادئ التوجيهية، التي تعمل على توجيه تنفيذ هذه الإستراتيجية، حيث تشمل هذه الركائز: الإرادة السياسية القوية لإصلاح قطاع التعليم والتدريب وتعزيزه، والسلام والبيئة الأمنية، والمساواة بين الجنسين في جميع نُظم التعليم والتدريب، وتعبئة الموارد مع التركيز على الموارد المحلية، وإيجاد شراكات قوية بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، من خلال التركيز على الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة، والائتلاف بين الجهات الفاعلة؛ لتمكين المشاركة القوية بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، والتوجيه والدعم على مختلف المستويات وأنواع التدريب، والتطوير المستمر للبيئة التعليمية المواتية.

وتشمل المبادئ التوجيهية: تنشيط مهنة التدريس؛ لضمان الجودة وأهميتها في جميع مستويات التعليم، وبناء البنية التحتية وتأهيلها ودعمها وتطوير السياسات، التي تضمن توفر البيئة التعليمية المواتية للجميع؛ وذلك لتوسيع نطاق الحصول على التعليم الجيد في جميع المستويات، وتسخير تقنية المعلومات والاتصالات؛ لتحسين الوصول والجودة وإدارة أنظمة التعليم والتدريب، والتأكد من اكتساب المعرفة والمهارات المطلوبة، وكذلك تحسين معدلات الإنجاز في جميع المستويات والفئات، من خلال عمليات التنسيق على جميع المستويات لتحقيق التكامل الوطني والإقليمي، وتسريع العمليات التي تؤدي إلى المساواة بين الجنسين، وإطلاق البرامج الفاعلة والشاملة في جميع أنحاء القارة للقضاء على آفة الأمية، وتعزيز منهج العلوم والرياضيات في تدريب الشباب، ونشر المعرفة العلمية والثقافة في المجتمع، وتوسيع فرص التعليم التقني والمهني (Technical and Vocational Education)، والتدريب في المرحلتين الثانوية والجامعية على حدّ سواء، وتعزيز الروابط بين عالم العمل ونظم التعليم والتدريب، وتنشيط نطاق التعليم الجامعي وتوسيعه والبحث والابتكار لمواجهة التحديات القارية، وتعزيز القدرة التنافسية العالمية، وتعزيز ثقافة السلام ومنع الصراعات وحلها في جميع مستويات التعليم ولجميع الفئات العمرية، وتحسين إدارة نظام التعليم، وكذلك بناء القدرة على جمع البيانات وتعزيزها وإدارتها وتحليلها، وإيجاد ائتلاف للجهات المعنية؛ لتسهيل ودعم الأنشطة الناتجة عن تنفيذ إستراتيجية التعليم القارية لإفريقيا.

وتستعد إفريقيا لتشكيل مصيرها بشكل جيد، إذ إن وعد النهضة الإفريقية المتمثل في تحقيق التماسك الاجتماعي والديمقراطية والنمو الاقتصادي، أصبح الآن في متناول اليد على الرغم من وعورة الطريق، ففي العقود الماضية ركز القادة الأفارقة على تحقيق هذا الوعد، من خلال الخطابات السياسية والتصريحات في مؤتمرات القمة والمؤتمرات الوزارية. وقد أجرى كل من الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية وغيرها من الهيئات الإقليمية، العديد من المشاورات والأفكار، التي أنتجت الرؤى والأطر الإستراتيجية في كل جانب من جوانب وفاء النهضة الإفريقية، حيث كان آخرها خطة عمل عام 2063م، التي رسمت مسارًا إستراتيجيًّا عريضًا يمتد للسنوات الخمسين المقبلة؛ وذلك بهدف تحويل القارة الإفريقية إلى قوة مزدهرة ومتكاملة وآمنة وسلمية وديمقراطية وديناميكية في العالم.

وقد تميز التطوير التعليمي في إفريقيا على مدى العقدين الماضيين، بمكاسب ملحوظة في عدد الأطفال والشباب، الذين يحصلون على التعليم في جميع المستويات، ولكن هذا التوسع لا يزال غير كافٍ؛ لأنه جاء من أساس منخفض. وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 30 مليون طفل في إفريقيا لا يدرسون في المدارس، وأن أعدادهم في تزايد نتيجة للنمو السكاني السريع. كما تتميز أنظمة التعليم والتدريب الإفريقية بانخفاض جودة التعليم والتعلم، وعدم المساواة والإقصاء على جميع المستويات، وزيادة على ذلك فإنه نظرًا للتطوير المجزأ للقطاعات الفرعية لنظم التعليم والتدريب في إفريقيا، تحتاج إستراتيجية التعليم القارية في إفريقيا إلى تحقيق التماسك والتكامل في تطوير مختلف القطاعات الفرعية، ضمن نظام متكامل يلبي احتياجات نقل المعرفة والمهارات والقيم، اللازمة للاستجابة المنهجية للمطالب الاجتماعية والاقتصادية للتنمية في القرن الحادي والعشرين؛ لذلك فإن التركيز الرئيس في هذه الإستراتيجية، يجب أن يكون على استمرار طاقات الوزارات الإفريقية المسؤولة عن التعليم والتدريب، من حيث قدرتها على صياغة السياسات وتخطيط الإصلاحات وتنفيذها. أما التركيز الآخر في هذه الإستراتيجية يتمثل في صياغة سياسات التعليم والتدريب مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية؛ من أجل جعل تنمية الموارد البشرية الوطنية أولوية قصوى، مع إيجاد الاستثمار الكبير والمستمر في السنوات القليلة القادمة، وتماشيًّا مع هذا فإن التعليم التقني والمهني وتعليم الكبار والتعليم الجامعي يستحق اهتمامًا خاصًا.

وأشار التقرير إلى أن إفريقيا هي القارة الوحيدة التي تعدُّ فيها لغة التدريس في أكثر الأحيان لغة أجنبية، حيث يذهب كثير من الأطفال الأفارقة إلى المدرسة الابتدائية بدون استعداد، مع وجود عدم الاستمرارية بين البيئات المنزلية والفصول الدراسية؛ ما يجعل من الصعب على الأطفال التعامل مع اللغة الجديدة من خلال النهج المنظم للتعليم والتعلم؛ لذا تُعدُّ رعاية الطفولة المبكرة والتعليم من الأولويات المهمة المقبلة إذا ما أرادت إفريقيا تحقيق التعليم والتدريب المستمرين، إذ إن استعداد الطفل للتعلم في المدرسة واستعداد المدرسة لاستيعاب الأطفال ذوي القدرات المختلفة، وقدرة الأسر والمجتمعات المحلية على التعاون مع المدارس لتعزيز التعلم، هي من العناصر الأساسية لمرحلة تعليمية ناجحة.

وقد حققت إفريقيا في العقدين الأخيرين تقدمًا هائلاً في توسيع فرص الحصول على التعليم الابتدائي، فمن عام 1999م إلى 2012م، قفزت نسبة الالتحاق المعدلة من 59٪ إلى 79٪، ومن حيث عدد الأطفال المسجلين يُترجم هذا إلى 144 مليون طالب وطالبة ملتحقين في التعليم الابتدائي؛ وذلك نتيجة لتعبئة الجهود والموارد التي تتخذها الحكومات الوطنية وأصحاب المصلحة الآخرين، تحت رعاية التعليم للجميع وأهداف وسياسات التعليم الابتدائي المجاني، الذي يفرضه عدد متزايد من الحكومات الإفريقية. وعلى الرغم من هذا النمو تتجلى تحديات الجودة والمساواة، من حيث الفوارق المتعلقة بنوع الجنس والموقع الإقليمي والأقليات والمجتمعات الرعوية والفقراء، وزيادة على ذلك فإن معدلات إتمام التعليم في العديد من البلدان منخفضة للغاية، وفي المتوسط فإن 70٪ فقط من الأطفال، الذين يدخلون التعليم الابتدائي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يكملون تعليمهم مقابل 95٪ في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إذ كانت نوعية التعليم التي تقاس بمخرجات التعلم مصدرًا للاهتمام، فبعض الأطفال لا يكتسبون المعارف والمهارات المتوقعة في كل مرحلة. وفي بعض الحالات تشير بيانات التحصيل العلمي إلى أن أكثر من ثلثي الأطفال يفشلون في القراءة بكفاءة عالية في مراحل معينة، إذ يرجع ذلك إلى سوء نوعية التدريس والمرافق والنقص الشديد في المواد التعليمية. إضافة إلى ذلك فقد كانت القيادة والإدارة المدرسية وضمان الجودة غير فاعلة في إحداث إصلاحات بهذا القطاع، إذ إن التحدي الرئيس في إفريقيا هو المحافظة على الوصول إلى التعليم مع تحسين نتائج التعلم، وهناك حاجة إلى جلب أكثر من 30 مليون طفل ممن هم خارج المدرسة، وفي الوقت نفسه هناك حاجة إلى ضمان أن أولئك الذين التحقوا في التعليم، يكتسبون الكفاءات والمعارف ذات الصلة في نهاية التعليم الأساسي، ويترتب على هذا أولاً وقبل كل شيء، الانتباه إلى قوة التدريس والتدريب والتطوير المهني، وكذلك ظروف العمل والمعيشة، وينبغي أن يقترن ذلك بمساءلة المعلمين لتحسين نوعية التعليم والتعلم. ويشار إلى أن الاستثمار في تحسين البنية التحتية للمدارس والمناطق المهمشة وتوفير المواد التعليمية كمًّا ونوعًا سيكون حاسمًا. كما أن إبقاء الفتيات في المدارس هو أحد التحديات الرئيسة، التي تنطوي على تحسين أدائهن وخصوصًا في الرياضيات والعلوم، ومن المتوقع أن تجد تقنية المعلومات والاتصالات حلولاً فاعلة ودائمة لهذه التحديات. وعلى الرغم من المكاسب الملحوظة بين عامي 1999م و2012م، وذلك عندما ارتفع إجمالي معدل الالتحاق من 24٪ إلى 50٪ تقريبًا، إلا أن الوصول إلى التعليم الثانوي في إفريقيا على وجه العموم، يعاني من نقص الفرص والاستثمار المحدود، إذ إن الطلب على التعليم الثانوي يفوق العرض؛ ما أدى إلى منافسة شديدة للفرص المتاحة. كما أن القطاع الخاص له مكانة هنا ولكن لم تتم الاستجابة بما يتناسب مع الطلب المتزايد، وفي المتوسط فإن الوصول إلى التعليم الثانوي السفلي والعلوي في البلدان الإفريقية ذات الدخل المنخفض مُقاسًا بالناتج المحلي الإجمالي منخفض جدًّا، 44,7 و23,2٪ على التوالي. إضافة إلى أن معدلات الإنجاز لكل المستويات هي أيضًا مثيرة للقلق، حيث إن ما نسبته 29,5 و13,9٪، من الذين يصلون إلى التعليم الثانوي السفلي والعلوي على التوالي يقومون بإكمال دراستهم. وعلى الرغم من البيانات المحدودة عن نتائج التعلم في مرحلة التعليم الثانوي، إلا أن البيانات المتعلقة بمعدلات إتمام الدراسة ونتائج الامتحانات، تبين أن الجودة هي مصدر الاهتمام، وفي معظم البلدان فإن الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية يعمل لمصلحة الأولاد؛ ما يؤدي إلى التحاق الفتيات التي تعدُّ نسبتهن ما بين 30 و35٪ من مجموع الملتحقين.

ويذكر أن أداء البنات في الرياضيات والعلوم ضعيف جدًّا مقارنة مع الأولاد؛ بسبب المرافق المحدودة جنبًا إلى جنب مع ثقافة الفصول الدراسية، التي تميل إلى عدم تشجيع الفتيات، وفي حين ثبت الآن أن الجودة في التعليم الثانوي يمكن أن تعالج الفقر المدقع في إفريقيا بشكل ملحوظ، وتزيد من فرص العمل المربح، فإن القدرة على استيعاب خريجي التعليم الابتدائي في المرحلة الثانوية محدود جدًّا بنسبة 36٪، وعليه فإن زيادة الفرص وخاصة للفئات المهمشة والفقراء في المناطق الحضرية والفتيات لا تزال حرجة، إذ إن أهمية التعليم الثانوي لا تزال مصدر اهتمام؛ لأنها تتصل بالتوظيف والتدريب التقني والمهني والتعليم الجامعي. كما تُعدُّ مجالات الرياضيات والعلوم على هذا المستوى، أمرًا حاسمًا لتطوير رأس المال البشري، حيث إنها مجهزة تجهيزًا جيدًا من خلال قدرتها على المنافسة في العالم المعتمد على التقنية، فضلاً عن تأسيسها لاقتصادات قائمة على المعرفة (Knowledge-based Economies). ومن الناحية العملية تتفق تقريبًا جميع الجهات الفاعلة في التنمية الآن، أنه من أجل تحقيق النمو الاقتصادي الهادف والمستدام، يجب وضع التعليم الجامعي ضمن أهم أولويات جدول أعمال التنمية للدول، وتسعى البلدان في جميع أنحاء العالم إلى بناء قطاع التعليم الجامعي، كجزء من خطة التنمية الإستراتيجية ذات الأولوية. وبالتأكيد فإن بناء نظام التعليم الجامعي لم يعد ترفًا، ولكنه واجب وطني بالغ الأهمية لتحقيق التنمية الوطنية والتنافسية العالمية. ويذكر أن المكونات الثلاثة المتمثلة بالتعليم الجامعي والبحث العلمي والتعليم التقني والمهني، هي مصدر اهتمام كبير من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي.

ويشار إلى أن إستراتيجية إفريقيا للعام 2024م، المتعلقة بالعلوم والتقنية والابتكار تركز بشكل خاص على التعليم الجامعي، وتجميع أكبر مراكز الأبحاث في إفريقيا. فالتعليم الجامعي يوفر بيئة مواتية لتطوير مجالات العلوم والتقنية والابتكار، والاستغلال المناسب للإمكانات الكاملة لهذه المجالات؛ لدعم النمو المستدام والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. كما أن التعليم الجامعي يحسن القدرة التنافسية فيما يتعلق بالبحوث والابتكار وريادة الأعمال، التي تتطلب المزيد من الدراسات الجامعية ذات الجودة العالية من الدول الإفريقية.

وعلى الرغم من النمو الهائل المسجل في قطاع التعليم الجامعي خلال العقدين الماضيين، إلا أن نسبة الالتحاق استقرت عند نحو 7٪، وهي منخفضة بالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم. وزيادة على ذلك وفي حين اندفاع العديد من البلدان للاهتمام بمجالات العلم والتقنية، فلا تزال تتركز أعداد الطلاب على العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد واصلت الجهات الخاصة بتأدية هذا الدور المهم في هذا النمو، حيث إنهم يسجلون حاليًّا ما نسبته 25٪ من الطلاب في القارة الإفريقية.

وفي نهاية التقرير يمكن القول بأن إعادة توجيه أعداد الالتحاق بالجامعات والتعليم، في مرحلة الدراسات العليا والبحوث والابتكار المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية يبقى تحديًّا. كما أن القدرة على استيعاب عدد هائل من خريجي نظم التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، تقتضي بناء بنية تحتية حديثة إضافية وتوفير منهجيات التدريب المبتكرة، باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات والدورات على شبكة المعلومات. ويواجه التعليم الجامعي في إفريقيا أيضًا شيخوخة السكان من الأساتذة والمدربين، حيث إن معظم أعضاء هيئة التدريس الأكثر خبرة والأفضل تدريبًا سيتقاعدون قريبًا؛ لذا فإن هناك حاجة ملحة لتجديد قوة التدريس، وإن ظروف العمل والمعيشة لكل من أعضاء هيئة التدريس والطلاب، تحتاج أيضًا إلى التحسين من أجل جذب المزيد من الشباب.

الراصد الدولي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *