المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوصي بتبني إستراتيجية جديدة للثقافة

الرئيسية » إبداع وتنمية » المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوصي بتبني إستراتيجية جديدة للثقافة

في تقرير جريء وموضوعي حول الحالة الثقافية بالمغرب ولاسيما وضعية الشباب الثقافية، توصل خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى وجود “خصاص” في هذا المجال، داعين إلى ضرورة تبني إستراتيجية جديدة تدمج الشباب عن طريق الثقافة

دعا إلى ضرورة إدماج الشباب عن طريق الثقافة

في تقرير صدر عنه حديثا لفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن “إدماج الشباب عن طريق الثقافة” يتطلب تجاوز أشكال الغموض التي تلف التصورات السائدة حول الثقافة، والتي تعتبرها ترفا فكريا، أو محصورة في التراث، أو مرهونة بالهاجس الهوياتي، داعيا إلى بلورة استراتيجية وطنية تفتح مسالك وظيفية بين الممارسة الثقافية والتشغيل.

وفي التقرير بمثابة “رأي” لهذه المؤسسة الدستورية الوطنية، نجد أن خبراء المجلس وهم من مختلف التخصصات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والدينية والتربوية، يقفون عند تشخيص موضوعي وعلمي للحالة الثقافية لدى الشباب، ويوصون بخطة عملية من أجل إدماج الشباب عن طريق الثقافة؛ إنه “الإدماج” الذي يتطلب الانخراط الجماعي في بناء تصور ثقافي إدماجي شمولي، يمنح للشباب مكانة مركزية في برامجه وأنشطته، وفي هذا الصدد يوصي المجلس بتسريع وتيرة تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، ويهيب أيضا بالجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، وكافة الجهات المعنية بتعميق البحث في هذه المواضيع.

ويكشف تقرير خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن أن “ضعف الاستثمار العمومي في مجالات الثقافة يمثل أكبر دليل على غلبة التمثلات السلبية أو الضيقة لها، في الوقت الذي يفترض الإقرار بالتنوع الثقافي وعيا جديدا بأهمية المسألة الثقافية في السياسات العمومية، وبأدوارها في إدماج الشباب في الحياة العامة، كما في التماسك الوطني”.

ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي هيئة دستورية مستقلة، تم تنصيبها من طرف جلالة الملك محمد السادس يوم 21 فبراير 2011. ويضطلع المجلس بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلسي البرلمان.

ويواصل خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي تشخيصهم العلمي للوضع الثقافي ببلادنا مؤكدين على أن المجتمع المغربي “يعرف تباينا كبيرا بين تحديث بنياته التحتية والمؤسساتية، وبين الخصاص الظاهر في الثقافة، في الوقت الذي كان من المفترض أن تواكب مجهودات التحديث المادية نهضة ثقافية عصرية، تبدأ بالتربية والأسرة لتمتد إلى المجال العام في شكل سلوكات مدنية وأخلاقية عامة، تحفز على المبادرة والاعتراف والتسامح”.

وأضاف التقرير أن بلادنا في حاجة إلى إعادة بناء تصورها للمسألة الشبابية، في ضوء التحولات التي يشهدها المجتمع، كما هي في حاجة إلى إعادة الاعتبار للثقافة وجعلها من الأبعاد المركزية في كل السياسات العمومية؛ ولهذه الغاية يقول التقرير، فإنه يتعين توفير شروط لرافعات مؤسسية، ومادية، وسياسية، وثقافية، وتكنولوجية، وتكوينية، وتحسيسية، لتغيير الوضع الذي ينتج من الإقصاء والاستبعاد أكثر مما يولده من عوامل الإدماج.

إستراتيجية ثقافية جديدة..

 بعد الدراسة المستفيضة لواقع الثقافة ببلادنا ولاسيما فيما يتعلق بعلاقة فئة الشباب بالمجالات الثقافية، يصل خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى صياغة توصيات تهدف إلى مزيد من إدماج هذه الفئة الحيوية من المجتمع عن طريق الثقافة؛ إذ يدعو  المجلس إلى إعادة بناء وعي جديد بالثقافة والشباب، بواسطة بلورة مشروع وطني ينطلق من قناعة جماعية بأن الثقافة مسألة إستراتيجية، ورافعة أساسية من رافعات التنمية الشاملة للبلاد، ومدخلا ضروريا لتحصين الهوية الوطنية في تنوعها، مؤكدا على القطع مع “التصور التقليدي للشباب، وبناء تصور (براديغم) جديد للمسألة الشبابية مع الشباب، وبإشراك الشباب، مع توفير كافة الشروط الممكنة لإدماجهم”.

وفي هذا السياق يحث المجلس على اتباع مقاربة أفقية وتعاقدية لتدبير السياسات العمومية المعنية بالشباب، اعتمادا على منهجية تشاركية لتجاوز كل أشكال الخلل والعجز التي أنجتها السياسات القطاعية في التربية والتعليم والثقافة والتواصل والشباب، داعيا إلى وضع ميثاق وطني لصيانة التراث الثقافي المادي واللامادي، يحدد مسؤوليات كل جهة في حمايته والاهتمام به، ويحفز الشباب على التخصص فيه، وتثمينه بما يخدم مختلف جهات المملكة بإنصاف وتوازن.

وبرأي المجلس فإنه يتعين على كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، العمل لإدخال مقومات هذا المشروع في العائلة، والمسجد والمجال العام، ووسائل الاتصال، ومختلف القنوات الرقمية، وإدراجه عبر المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها؛

ويحدد القانون التنظيمي رقم 09-60 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي  تركيبته، وتنظيمه، وصلاحياته وطريقة تسييره. ويعهد إليه إبداء رأيه حول التوجهات العامة للاقتصاد الوطني و التكوين.

ووعيا بالتحديات الكبرى التي تواجهها الدولة والنخب والمجتمع بخصوص إعادة هيكلة الدولة المغربية في اتجاه تحقيق جهوية موسعة، فإن المجلس يرى بأن تجديد وتطوير العمل العمومي في المجال الثقافي والفني، رهين ببناء علاقات مبتكرة بين الثقافة والشباب، والتنمية الجهوية والمحلية، من خلال طرق تشاركية في التنظيم والتأطير، بين كافة المتدخلين في الجهة، ومراعاة الخصوصيات الثقافية واللغوية لمختلف جهات التراب الوطني.

ويوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي أيضا بأن تعكف مختلف الهيئات الدينية بالمملكة على تفعيل الدور الإيجابي للمسجد، نحو مساجد قرب عضوية، تكون فضاء للتأطير بواسطة مصوغات منهجية للتكوين على مبادئ الدين الإسلامي، كما تكون حصنا للحؤول دون الاختراقات الثقافية ذات الطبيعة الدينية التي تستهدف الشباب عبر مختلف القنوات والمواقع.

وأفرد المجلس كذلك جانبا مهما للتطرق إلى المهاجرين الشباب حيث أوصى المؤسسات الوطنية المعنية بهذا الموضوع، بوضع سياسة منسجمة، تقترح عروضا ثقافية تراعي تنوع الوقائع الاجتماعية والثقافية الخاصة بالبيئات التي يعيش فيها شباب المهجر.

وأوصى الخبراء أيضا بإنشاء مرصد لإنجاز دراسات ميدانية، وإعداد تقرير شامل كل ثلاث سنوات، يقدم تقييما شاملا لواقع إدماج الشباب عن طريق الثقافة، مع العناية اللازمة في هذه الدراسات بالمقاربة المبنية على المساواة بين الجنسين، وبين المجالين القروي والحضري.

الدعوة إلى مشروع متكامل..

بالنظر إلى دورهما الحيوي والأساسي في تنمية وعي الشباب فإن المجلس يوصي بجعل المدرسة والتعليم رافعة حاسمة في الإدماج الثقافي، ما يقتضي من بين ما يقتضيه، وضع خريطة للمكونات الثقافية واللغوية المغربية، والعناية بالسياسات الجهوية، وجعل المدرسة إطارا مؤسسيا وتربويا لتقوية التماسك الوطني، عبر التنصيص القانوني على الحق في الثقافة باعتبارها مدخلا من مداخل الإدماج؛ وتنمية الميولات الإبداعية للمتعلمين وهيئات التدريس وتشجيعها، وتيسير شروط استيعاب المتعلمين النقدي للثقافة، ومشاركتهم في إنتاجها؛

وبالموازاة مع ذلك يوصي المجلس بتشجيع دينامية “التثقيف بالنظير” بين الشباب (éducation par les pairs) عبر مختلف الإطارات الجمعوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنشاء فضاءات للنقاش الحر بين الشباب، وبينهم وبين مختلف الأجيال.

ودعا المجلس إلى إعادة هيكلة قطاع الثقافة، بما يستجيب لمقومات المشروع الثقافي الوطني المطلوب، وإدراجه في إطار مؤسسي أفقي، يتوجه إلى الشباب بقدر ما يهتم بكل شرائح المجتمع؛ ولهذه الغاية يوصي المجلس بتطوير شبكة جهوية لمركبات متعددة الوسائط ومختلفة الأحجام (المركبات الصغيرة للقرب في الأحياء، المركبات الجماعية، والمركب الكبير في الجهة)، ووضع نظام ربط معلوماتي فيما بينها، مع توفير ما يلزم من شروط تساعد الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة على ولوج هذه المنشآت. كما يوصي المجلس بعقلنة تنظيم المهرجانات بمختلف أصنافها، والابتعاد عن التعامل الموسمي العابر معها، بجعلها رافعة للعمل الثقافي المحلي والجهوي بشكل مستدام.

ولذلك فلا مناص من تنويع مصادر التمويل، يقول خبراء المجلس، وبناء شراكات بين السلطات العمومية والقطاع الخاص، والجمعيات الثقافية والشبابية، وذلك بإنشاء إطار مؤسسي في شكل وكالة وصندوق وطنيين للثقافة والشباب للاضطلاع بالمقتضيات المشار إليها أعلاه.

وفي مجال استعمال التكنولوجيا واعتبارا للتأخر الملحوظ في بناء المنشآت والتجهيزات الثقافية “الكلاسيكية”، يقول التقرير، ونظرا للتوسع الهائل للممارسات الثقافية الجديدة للشباب بواسطة التكنولوجيا الرقمية، وبهدف إطلاق حركية ثقافية وطنية عصرية، ونقل التراث الثقافي والفني المغربي بطرق جاذبة ومحفزة، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى تبني استراتيجية واضحة لتطوير عرض ثقافي رقمي وطني، تقوم بالأساس على؛ تشجيع الاستثمار في الثقافة الرقمية، بتيسير مساطر الاستفادة أمام المستثمرين في هذا المجال من صناديق تشجيع التجديد في التكنولوجيات الحديثة ولاسيما “تطوير” و”انطلاق”و”صندوق الخدمة العامة” (Fonds du service universel)؛ وتطوير مواقع رقمية موضوعاتية تمنح للشباب مضامين نصية، وسمعية بصرية، مكملة للمعارف المدرسية والجامعية؛ وتطوير متاحف رقمية تعرف الشباب بتاريخهم، وغير ذلك من الأمور ذات الصلة كإعداد شبكة تواصلية على الأنترنيت تعنى بتيسير الولوج لأكبر عدد ممكن من الشباب لخدماتها باللغات الوطنية، وما إلى ذلك.

نورالدين اليزيد

شارك:

التعليق “المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوصي بتبني إستراتيجية جديدة للثقافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *