أعراض البحث عن الصحّة الأفضل

الرئيسية » تربية وتكوين » أعراض البحث عن الصحّة الأفضل

أعراض البحث عن الصحّة الأفضل

من السمات الأساسية التي يتميّز فيها عصر العولمة الذي نعيش فيه المنافسة من أجل الكسب أكثر وتحقيق أكبر قدر ممكن من الرفاهية المادية. هذه هي إحدى قواعد اللعبة اللبرالية. لكن بالتوازي مع هذا يبرز اهتمام جديد يكاد يصبح بمثابة وسواس حقيقي لدى البشر وهو اكتساب الحد الأقصى من الصحّة ومن السعادة.

وهذا «الوسواس» هو ما يطلق عليه الباحثان «كارل سيديرستروم»، الأستاذ في جامعة ستوكهولم، واندريه سبيسر، أستاذ السلوك الاجتماعي في مدرسة الأعمال بلندن، توصيف أعراض البحث عن الصحّة الأفضل. وهذا بالتحديد هو عنوان كتابهما المشترك الصادر قبل عدّة أسابيع.

يبدأ المؤلفان تحليلاتهما بعرض عدد من المشاهدات التي يعرفها الجميع وليس أقلّها أن أنظمة اتباع نمط غذائي محدد الريجيم تلقى رواجا كبيرا في هذه الأيام في الغرب وفي بقيّة بلدان العالم. الإحصائيات التي يقدمونها تذهب في هذا الاتجاه كما يدل عدد النسخ المباعة من هذه الكتب في عام 1914 في العديد من البلدان الغربية.

الخلاصة التي يتم استخراجها من المشاهدات المقدّمة مفادها أن امتلاك صحّة جيّدة لم يعد ضرورة ينبغي العمل على تحقيقها، بل بالأحرى غدا بمثابة عمل محبب وعلى الموضة. ونتيجة ثانية يتم استخراجها من النتيجة السابقة وهي أنه تنتشر في العالم اليوم ثقافة الصحّة الأفضل التي تمارس نوعا من الضغط الذي يكبح العيش الطبيعي وبالتالي هي ثقافة غير منتجة، حسبما يؤكّد المؤلفان.

من الأفكار الأساسية التي تتردد في تحليلات هذا الكتاب هي تلك التي تعبّر عنها الفكرة القائلة إن الذهاب بعيدا في كل شيء يقلب الهدف المرجو إلى ضده. هذا ما يجده المؤلفان منطبقا بشكل كبير على الإفراط في الرقابة المستمرّة على مختلف مظاهر حياة البشر.

يتم الحديث في هذا الإطار عن عقد تحقيق السعادة الذي عرفته بعض الجامعات الأميركية، بحيث يتم تشجيع الطلبة على جعل حياتهم تتماشى مع مستلزمات صورة الحياة السعيدة وفي منظور تبنّي نمط حياة يعزز سلامة الجسد والروح.

ومن المسائل التي يتم التأكيد عليها أيضا في هذا الكتاب أن تركيز الاهتمام على الاستجابة لأعراض الصحّة الأفضل له وجه آخر لا يتم الإفصاح عنه بشكل واضح ويكمن في نقص الاهتمام بالمسائل الفكرية والثقافية. ينقل المؤلفان في هذا السياق بعض ما كان الصحفي الأميركي ستيفن بول قد طرحه في كتابه الذي يحمل عنوان انتم ليس ما تأكلون.

ويشرح المؤلفان على مدى العديد من الصفحات أن مسألة إدراك بحث الإنسان عن التلاؤم مع مستلزمات الصحة الأفضل كمدخل للسعادة ليست محسومة. ذلك أن البعض يعترفون أنهم مصابون بوسواس البحث عن الصحّة الأفضل وعن السعادة القصوى بينما أن آخرين، رغم بحثهم عن ذلك، يرفضون ذلك ويعتبرونه اتهاما مسيئا. وفي الحالتين يتم التأكيد أن المسألة تتعلّق بمدى رغبة التوافق مع المعايير الاجتماعية السائدة للصحّة وللسعادة.

وبعد التأكيد على وجود علاقة حقيقية بين الحياة المتوازنة والانتاج في العمل، يرى المؤلفان أن الأخذ بهذه القاعدة سوف يمثّل عاملا جديدا مطلوبا في سوق العمل الذي تتعاظم المنافسة فيه أصلا. ونقاش معمّق حول الصحّة النفسية والبدنية في المجتمعات الحديثة التي تعاني من البحث عن الأفضل على المستويين، وما يغدو، أي البحث، بحدّ ذاته حالة مرَضية.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *