آية أم آلة؟

الرئيسية » الأعمدة » حروف » آية أم آلة؟

سار البحث العلمي والتكنولوجي منذ عقود وخصوصا بعد الثورة الرقمية الهائلة وجهات كانت تثير بالأمس الاستغراب والتعجب، غير أنها بدأت اليوم تدخل ضمن مألوفاته وأحلامه القريبة من التحقيق، كمحاولة الترقي بالروبوتات robots، أو الإنسان الآلي إلى درجة الآلة الإنسانية مثلا، من خلال تطوير شبكة ذكائه الاصطناعي، فإذا بالإنسان أصبح يقترب من الآلية في أحاسيسه وعواطفه وانخراطه في العوالم الافتراضية التي لا تمت إلى الواقع بصلة.

من المعلوم في الطبيعة البشرية أن كل جديد يثير ردود أفعال مختلفة تتخذ أشكال الرفض أو القبول أو اللامبالاة أو الاستهزاء أو الانتحال أو الإعاقة، إلى غير ذلك من الاستجابات الإيجابية أو السلبية التي تعكس درجة تطور وعي أصحابها النفسي والاجتماعي والفكري. غير أن رد الفعل في الكشوفات والفتوحات العلمية ابتداء من الصعود إلى القمر وما رافقه من إعلام واسع وموثق بالصور الحية، دخل بإنسان تلك العقود إلى المشاهدة المباشرة “لمعجزات” الإنسان العلمية، ليستسلم الإنسان لسلطان الذكاء العلمي والتقني ويسلم بفعاليته في مختلف المجالات التي تلت وما زالت تطفح بكل جديد في سلسلة لا متناهية من الابتكار والاختراع، وليس غريبا أن وجدت أصوات نشاز أفلحت في تنمية حسها اللاتاريخي وحشد طاقاتها لتكون خارج الزمن بامتياز بحيث كابرت في تكذيب المنجز العلمي للإنسان.

لم تكن أحداث قصة الإنسان مع التقنية وتطوراتها المتلاحقة تنتهي دائما بتلك النهايات السعيدة التي تعلق فيها الإنسان بتحقيق الجنة على الأرض، والمتأمل للمنظومة الإعلامية والفنية في الخمسينات والستينات يرى تلك الانبهارية بتسخير التقنية لخدمة الإنسان، وكيف أن اكتشاف موارد طاقة ووسائل اتصال جديدة زادت من إيقاع السرعة والتنقل للأشخاص والبضائع، مما أدخل الإنسان إلى عالم جديد وسم بعصر التقنية التي أضحت معيارا يقاس به كل شيء، لكن سرعان ما تبدت في الأفق الأزمات النفسية والاجتماعية والبيئية التي خلفها هذا التسارع والتنافس التقني المحموم، والشعور بالآثار الوخيمة على الحياة في الأرض والتي أصبحت تعرف بأنواع التلوثات والنفايات المسمومة وغير ذلك من الآفات المادية والمعنوية التي تهدد حياة الإنسان “المبشر” بالسعادة الأبدية على كوكبه؟!.

لقد انتبه إلى عواقب ومآلات هذه الكشوفات العلمية التي لا تؤطرها رؤية للعالم والإنسان وتجعل الآلة تحت سطوة الإنسان وليس العكس، كثير من الفلاسفة والمفكرين والذين رأوا في سيطرة “الآلية” والعقل التقني قتلا للإنسان والطبيعة ومن ثم للحياة التي لها موازينها ومقتضياتها الاستخلافية والإئتمانية والتسخيرية التي لا تقف عند حدود الموجود من الإنسان في لحظة تاريخية معينة، بل تستدمج الوجود البشري حالا واستقبالا، لأننا نتحمل المسؤولية كاملة عن حاضرنا ومستقبل أجيالنا القادمة، فكيف يعقل أن نخلف لهم الدمار والموت باسم التقدم التقني والكشف العلمي؟؟؟

حلم الإنسان بـ”خلق” آلة على هيئته تتمتع بذكاء مثله يمكنه من التصرف بقدر يفوق قدرات الإنسان نفسه، وكانت بدايات هذا الحلم مرتبطة بالتطور الكبير الذي عرفه النظام الصناعي الذي يسعى إلى الزيادة من إنتاجه ومن ثم أرباحه، فاضطر إلى الآلة بديلا عن الإنسان لمواكبة هذه السرعة مع ما رافق ذلك من خسائر اجتماعية لم يتضرر منها إلا الإنسان نفسه.

فالإنسان آية في هذا الوجود، حباه الله بقدرات يستكشف بها أسراره ومكنونات الكون من حوله، وتجعله كذلك مسؤولا عن اختيار مسارات للوجود تحتفي بالحياة في مختلف تجلياتها، وتضمن تحصيل السعادة التي يحلم بها، فثمة إمكانات كثيرة قابلة للاستكشاف والاختبار وليس هناك أفق واحد مسدود محكوم على البشرية بالتوجه إليه.

شارك:

2 الأفكار حول “آية أم آلة؟

  1. |نور الأماني

    إن إمتلاك الأجيال الجديدة للتكنولوجيا والعلم الحديث لا يجب أن يجعلها تختال وتتكبر علي الكبير وقد يكون السبب في ذلك أنهم قد أكتسبوا تلك المهارات عن طريق التعليم الغير رسمي أي انهم لا يشعرون بفضل من سبقوهم عليهم وبلا شك فهم لا يستحقون التفنن في الإنتقام والإحباط. أيضا فإن هناك أسباب كثيرة لمحاربة مثل هؤلاء من حملة التكنولوجيا فقد يكون النظام الإجتماعي الراسخ وهو حب التمركز حول الذات. اننا بدون شك امام صراع للأجيال لايتفق مع تعاليم ديننا الحنيف والذي حث علي توقير الكبير والوقوف بجانب الصغير بل إننا جميعا يجب أن نعي أن الإختلاف بأن شئ ما لابد أن يتغير والمشاركة في الإصلاح لا يعني الحجر علي الكبير أو تهميش دوره لابد وأن يعي الكبير أن الكبير بعطاءه وأبسط طرق العطاء هو تمكين الجيل الجديد من القيام بدوره نحو وطنه.

  2. |عالمة وسيطة قلعة السراغنة

    جزاك الله خيرا على هذا الطرح القيم، نتمنى لكم مزيدا من العطاء وبالله التوفيق.

اترك رداً على عالمة وسيطة قلعة السراغنة إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *