مشاكل الطفولة تؤثر في المخ مستقبلاً

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » مشاكل الطفولة تؤثر في المخ مستقبلاً

مشاكل الطفولة تؤثر في المخ مستقبلاً

الجينوم البشري بمثابة الحقيبة الوراثية البشرية القابعة داخل نواة الخلية البشرية والبطاقة الشخصية لجينات كل شخص ، والتي تكسبه جميع الصفات والخصائص الجسمية والنفسية ، وفك شيفرة الجينوم أهم إنجاز علمي في التاريخ ، وسوف يؤدي إلى تغيير جذري في عالم الطب ، إذ يأمل العلماء في استخدامه للقضاء نهائياً على الأمراض المستعصية، مثل السرطان، وأمراض الشيخوخة ، بل وسيمكن الجينوم العلماء من علاج الأمراض قبل ظهور أعراضها. وعلى الرغم من إدراك العلماء لكثير من أهمية الجينوم ، إلا أن مجمل معرفتهم يعتبر بسيطاً حتى الآن.

يقدم جون بارينجتون، أستاذ مشارك في الصيدلة الجزيئية والخلوية في جامعة أكسفورد، في كتابه «ذا دييبر جينوم» أو الجينوم الأعمق، بياناً مفصلاً وواضحاً حول التعقيدات الكبيرة وغير المتوقعة المتعلقة بالجينوم البشري، ويبين كيف تطور الكثير من الأفكار في القرن العشرين، والتي انقلبت رأساً على عقب بعد ذلك.

وبحسب مجلة «نيوساينتست» فالحامض النووي «دي إن إيه» ليس مجرد شيفرة خيطية بسيطة لكنه تركيبة معقدة ملفوفة ثلاثية الأبعاد تنثني وتنفك بقراءة جيناتها وتجديلها بطرق متعددة، والجينات خرزات منفصلة معلقة في حبل خيطي حاملة الشيفرة البروتينية، ولا أحد يعلم ماهية الجين في ظل آلية تشفير شريحة دقيقة من الجينوم للبروتينات.

وأهم عنصر في هذه الرؤية الجديدة التشفير، أو موسوعة عناصر الحمض النووي، والرؤية مشروع دولي طموح يسعى إلى تحديد الأجزاء الوظيفية للجينوم البشري، وفي 2012، كشف المشروع أن عناصر تشفير البروتين في الحامض النووي يمكن أن تتشابك وتتداخل لكن 98% من الجينوم الذي طالما أطلق عليه اسم فضلات غير نشطة ليس له دور هنا، وينظم البعض منها نشاط الجين، بينما يقوم البعض الآخر بتحريك منظومة من أنواع مختلفة من جزيئات الحمض الريبي النووي، والبعض منها صغير الحجم، بينما الآخر كبير، ولا يزال هناك جدل كبير حول وظائفها، وبحسب د. أيوان بيرني، مدير المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية في معهد المعلوماتية الحيوية ، فإنها أشبه بغابة متشابكة ملأى بالعناصر التي تؤدي مهام عدة.

ودراسة الباحثين الحديثة لبعض هذه المهام تعارض مع فكرة قديمة قالت إن الحامض النووي المسيطر الرئيسي على الخلية بمعلوماتها المتدفقة في اتجاه واحد منها عبر الحمض النووي الريبي إلى البروتينات، وبعض من الحامض النووي الريبي يتحكم في تشفير نشاط الجين، بينما البعض الآخر يحدث تغييرات تتذكرها الخلية وتمررها عند انقسامها ، ويمكن أيضاً تمريرها إلى أجيال مقبلة ، وربما تكون جزيئات الحمض النووي الريبي RNAs إحدى الوسائل التي تتبعها البيئة لتغيير سلوك الجينات من دون تغيير تسلسل الحامض النووي فيها ، وتلك الظاهرة تعرف باسم «علم التخلق».

أدت الأدلة المتزايدة على تأثير عملية التخلق في الجينوم إلى تعمق الباحثين في الأبحاث، ما زاد من أهمية الجينات في تحديد صفات الكائنات الحية، ويعتقد الباحثون أن البيئة تلعب دوراً أكبر في نمو الكائنات أثناء تطورها، وهذه الرؤية التطورية للجينوم تعد الموضوع الأهم في كتاب ديفيد مور «الجينوم المتطور».

ويعمل مور أستاذاً لعلم النفس في جامعة بيتزر في كلاريمونت في كاليفورنيا، ويهتم كثيراً بالإدراك لدى الأطفال الصغار وبعلم التخلق السلوكي، وهو دراسة كيفية تشكيل التخلق الإدراك الفردي والصحة العقلية والسلوكية، ويشمل ذلك الدراسات الشهيرة التي أجراها الباحثان مايكل مينيي وموش زايف والتي أظهرت أن صغار الفئران التي يعتنى بها من قبل أمهاتها تنمو ولديها قدر قليل من التحسس تجاه الضغط والإجهاد والتوتر، وأن ذلك يرتبط بتغيرات في أعصاب الفأر والتغيرات في عملية التخلق المرتبطة بجينات معينة.

ولا يزال الجدل ثائراً حول علم التخلق السلوكي وينتقده كثيرون بقولهم إن كثيراً من أبحاثه مستند إلى الحدس والعلاقات المتبادلة، ويتشكك مور في كثير من الأمور الجدلية مثل أحد الأبحاث الذي يشير إلى أن سوء المعاملة في الطفولة ربما يسبب تغيرات طويلة الأمد في عملية التخلق في المخ، ويرى بعض الباحثين أن هذه ربما تكون آلية انتقال العنف عبر الأجيال، ولأن الجينات ليست قدر المرء فعملية التخلق ليست كذلك أيضاً، ويحذر مور، مثلما فعل بارينجتون، من الإفراط في تبسيط الأمر، فحتمية حدوث عملية التخلق لا تساعد مثلما هو الحال بالنسبة للجينات، ومن ثم فلا يجب الوقوع في مصيدة الطبيعة البيولوجية، والوراثة علم معقد، ويرى مور وبارينجتون أن هناك قيوداً مفروضة على محاولة فهم هذا التعقيد.

أشرف مرحلي – جريدة الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *