محاصيل التكنولوجيا الحيوية تسد جوع سكان الأرض

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » محاصيل التكنولوجيا الحيوية تسد جوع سكان الأرض

محاصيل التكنولوجيا الحيوية تسد جوع سكان الأرض

مع ازدياد أعداد البشر بمعدلات مخيفة كل عام، وارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم بسبب الاحتباس الحراري، وبالتالي ارتفاع منسوب مياه البحار والمحطيات، وازدياد ملوحة المياه في العالم، وجفاف مصادر المياه الجوفية العذبة؛ سيصبح من الصعب توفير الغذاء لجميع سكان العالم، لذلك أصبح ابتكار طرق جديدة للحصول على محاصيل زراعية، تكفي حاجة البشر، حاجة ملحة لجميع الدول، وربما تؤدي محاصيل التكنولوجيا الحيوية الدور الأساسي في مواجهة هذه المشكلة، بما ستضمنه من توفير قدر كافٍ من الغذاء لسكان الأرض.

يعد الأرز الغذاء الرئيسي لأكثر من نصف سكان الأرض، وأكثر المحاصيل ذات القيمة الغذائية في العالم؛ لذلك فإن ابتكار طرق جديدة لزراعة هذا المحصول في ظروف بيئية جـــافة أو ريه بمياه مالحة، قد يكون العلاج الأكثر أهـــمية لمشكلــة تزويد البشر بالطعام. وفي هذا السياق، تمكن علماء الهندسة الجينية، في شركة «أركاديا للعلوم البيولوجية» (Arcadia Biosciences)، ومقرها مدينة دافـيس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، قبل نحو عامين، من إنتاج أرز مقاوم للتغيرات المناخية، يمكنه أن ينبت وينمو في مزارع إفريقــيا وآسيا، من دون سمـــاد وفي ظروف مناخية غير ملائمة، وأسموه «أرز سوبر». يقول إيريك راي، الرئيس التنفيذي للشركة: أخذنا في الحسبان تأثير التغيرات المناخية في المحاصيل الزراعية والأمن الغذائي، ويمكننا تأكيد أن هذه التكنولوجيا ستلعب دوراً مهماً في دعم الأجيال المقبلة.

وبعد انتهاء الشركة من اختباراتها على «الأرز السوبر»، قورنت النتائج بأنواع الأرز الأخرى، فتبين أنه في ظروف الجفاف وعدم تسميد التربة، كان المحصول أعلى بنسبة 15% من الأرز العادي، أما عند زرعه في تربة مالحة فكان المحصول أعلى بنسبة 42 %. ووفق الشركة، فإن الهدف من هذه الاختبارات وإنتاج هذا النوع من الأرز، كان في البداية البحث عن حلول لبعض مشكلات التغيرات المناخية التي تؤثر في زراعة الحبوب، لكنهم في النتيجة توصلوا إلى إنتاج نوع جديد من الأرز، مقاوم للجفاف وملوحة التربة ينمو من دون سماد.

من جهة أخرى يعاني أكثر من ربع مناطق الري في العالم ازدياد ملوحة التربة فيها، بسبب ممارسات الري والزراعة الخاطئة، كما أن معدل مياه البحر في ارتفاع مستمر بسبب التغيرات المناخية، ما يهدد عشرات الملايين من الهكتارات بغمرها بالمياه المالحة؛ لذا وفي حال نجاح إنتاج «الأرز السوبر» في هذه المناطق، سيكون الحل الأمثل لتزويد مئات الملايين من البشر بالطعام، وهي خطوة جوهرية لإطعام أكثر من ملياري إنسان، بحلول العام 2050.

ويعتقد الدكتور إدواردو بلوموالد، المتخصص في علوم النباتات بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، أنه بالإمكان زراعة المحاصيل في مياه مالحة أو معاد تدويرها، أو حتــى مياه البحار والمحيطات إذا نزع منهـــا القليل من الملوحة. يقول: نقوم الآن بتجارب مباشرة على زراعة «الأرز السوبر» المعدل جينياً بشكل أوسع، في بيوت بلاستيــــكية، بمياه مالحـــة وفي بيئة جافة، على بعد نحـــو 700 كم جنوبي مدينة سياتل الأمريكية.

وإلى جانب قيامه بهذه التجارب، يقود د. بلوموالد فريقاً من العلماء يعملون على مشروع، يهدف إلى الاستعانة بمجموعة من التقنيات المتقدمة، لإنتاج المحاصيل من الألياف باستخدام أمثل للمياه، واستخدام فعال للمغذيات المتقدمة؛ إذ ستسمح هذه التقنيات بتطوير وزراعة محاصيل تتطلب نسبة مياه ومدخلات أقل، وتكون قادرة على النمو في البيئات القاحلة، كما يطورون تعديل النباتات والمحاصيل جينياً لتصبح صالحة للزراعة في مثل تلك البيئات، مثل القمح والشعير والطماطم، وكذلك القطن والبعض من أشجار الفواكه.

وتتمثل إحدى مزايا استخدام الهندسة الوراثية لمساعدة المحاصيل على التكيف مع التغيرات المناخية، في أن السلالات الجديدة يمكن إنتاجها بسرعة؛ فإنتاج سلالة جديدة من البطاطا (البطاطس) عن طريق العمليات التقليدية، على سبيل المثال، يتطلب 15 عاماً على الأقل، في حين يتطلب إنتاج سلالة معدلة وراثياً أقل من ستة أشهر. كما أن التعديل الوراثي يتيح لمنتجي سلالات النباتات إدخال تغييرات أكثر دقة، والأخذ من مجموعة أكبر من الجينات المجمعة من الأقارب البرية لهذه النباتات، أو من أنواع مختلفة من الكائنات. إلا أن علماء النباتات يؤكدون أنه ليس ثمة جين سحري يمكن إدخاله على محصول، لجعله مقاوماً للجفاف أو لزيادة غلته، حتى مقاومة مرض بعينه تتطلب عادة إجراء تغييرات جينية متعددة.

وينظر العلماء إلى الهندسة الوراثية على أنها تقنية ضرورية ومتنوعة القدرات، وفي هذا الخصوص يقول جوناثان جونز، العالم في «مختبر سينسبري» في المملكة المتحدة، وأحد أبرز خبراء أمراض النباتات في العالم: إنه إجراء فائق المنطقية. مضيفاً أن الضغوط المقبلة التي سيشهدها الإنتاج الزراعي حقيقية، وستؤثر في ملايين الناس في البلدان الفقيرة، ولذا يجب ألا نعرض عن استخدام الهندسة الوراثية.

لكن للنباتات المعدلة وراثياً القدرة على نقل الجين إلى نباتات أخرى، أو حتى للبكتيريا نظرياً، كما أن الجين المنقول له دوره في تحديد، أو تشكيل المخاطر، التي قد تقع على البيئة بتغيير تركيب النظام البيئي المحلي، ونتيجـــة لذلك ففي معظم الدول لا بد من وجود مجموعة من الدراسات البيئية المطلوبة، قبل الموافقة على استخدام النباتــات المعدلــــة وراثيــــاً لأغـــراض تجـــارية، إضـــافة إلى خطة ضبط ورقابة للتعــــرف الى التأثيرات المحتملة، والتي من غــير الممــكن التنبـــؤ بها وتوقعها قبل الموافقــة علــى الاستــخدام.

وحتى الآن لم تُجر إلا أبحاث محدودة لأثر مثل تلك النباتات في صحة كل من الإنسان والحيوان، ومع ذلك فإن أغلبية دول العالم تختبر وتفحص كل نبات معدل وراثياً لإثبات سلامته، وذلك قبل اعتماده للاستخدام أو التسويق. ويمثل التأثير المحتمل في الأنظمة البيئية المجاورة، واحداً من أكثر الأمور التي تسبب قلقاً شديداً من استخدام النباتات المعدلة وراثياً، كما أن للجينات المنقولة القدرة على التأثير البيئي بصورة واضحة لو تزايدت النباتات تكرارياً، وأصرت على وجودها في محيط الوسط البشري الطبيعي.

وفي هذا الصدد تقول جانيت كوتر، مستشارة بيئية: على جميع دول العالم أن تضع قوانين صارمة فيما يتعلق بالمحاصيل المعدلة وراثياً، وألا تسمح لشركات التكنولوجيا الحيوية القيام بالتجارب في بيئات قريبة من الوسط البشري الطبيعي.

ومن الأخطار المحتملة للتعديل الوراثي وآثارها السلبية في النباتات والحيوانات والإنسان، أن المورثة قد تحدث اضطراباً في وظيفة الكائن المعدل وراثياً، بإنتاج مواد سامة جديدة؛ حيث يستخدم في إنتاج الأغذية المعدلة وراثياً مورثات مقاومة للمضادات الحيوية، مثل نبات الذرة المقاوم للبنسلین، وقد تمثل هذه الخاصية خطراً محتملاً على جسم الإنسان عند علاجه بالمضادات الحيوية.

كما يمكن لبعض الجزيئات الناتجة عن التعديل الوراثي أن تحدث تسممات غذائية وحساسية مفرطة، خصوصاً عند الأطفال والأشخاص المسنين. إلى ذلك فإن من خصائص النباتات المعدلة وراثياً، قدرتها على مقاومة مبيدات الأعشاب، ما یؤهلها لأن تصبح سائدة على النباتات الطبیعیة، حیث قد تحدث اختلالات في التوازنات الطبیعیة.

إضافة إلى ذلك فإن أضرار النباتات المعدلة وراثياً، لا تظهر على الفرد مباشرة بعد أكلها، كما يقول الخبراء، بل تتأخر أعراضها إلى فترات طويلة نسبیاً قد تمتد إلى سنوات. إلا أن الكثير من أضرار هذه النباتات لا يزال محل جدل بين المنتجين والوكالات الصحية، ولم تثبت دراسة صحيحة وأكيدة حتى الآن، أن هذه النباتات لها ضرر واضح على صحة الإنسان، ما جعل المنتجين یزيدون من إنتاجها، دون إجراء اختبارات الأمان الكافية لمعرفة هل هي مناسبة للاستخدام البشري أو لا، وقد تم التوصل أخیراً إلى اتفاق بين هذه الوكالات والمنتجين، يقضي بوجوب كتابة عبارة: «يحتوي على مواد معدلة»، وبهذا يكون الخیار للمشتري في شراء هذه المنتجات.

إبراهيم باهو – جريدة الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *