مايكروسوفت تدعو أفريقيا للانضمام إلى الثورة الصناعية الرابعة.

الرئيسية » إبداع وتنمية » مايكروسوفت تدعو أفريقيا للانضمام إلى الثورة الصناعية الرابعة.

هل الذكاء الاصطناعي لعنة مسلطة على رقاب الباحثين عن عمل؟ إذا كان هذا التساؤل يثير بعض المخاوف في الدول المتقدمة، فما هو الحال في دول فشلت أصلا في مواكبة الثورة الصناعية، وهي تواجه اليوم ثورة صناعية رابعة؟ مايكروسوفت تكشف عن الفرصة المتاحة وتدعو الدول الأفريقية لاقتناصها.

القارة الأفريقية فشلت، في معظم بلدانها، أن تكون جزءا من دول أدخلت الآلة على نطاق واسع في الإنتاج الزراعي، وفشلت أيضا في أن تحتل ولو مكانا صغيرا في الثورة الصناعية. فأي مستقبل لتلك الدول في ثورة صناعية رابعة تقودها التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي؟

الإجابة السريعة هي أنها ستكون منبوذة خارج هذه الثورة. ولكنّ، للخبراء رأيا آخر، يقول إن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية سيفتحان الأبواب أمام دول القارة السمراء لتكون جزءا من هذه الثورة لا خارجها.

الوعي بالمستقبل

على العكس من الثورة الزراعية في ظل الثورة الصناعية، والتي تتطلب استثمارات هي غالبا أكبر بكثير من قدرات تلك الدول، وعلى عكس الثورة الصناعية نفسها التي تتطلب هي الأخرى بنية تحتية تعجز عن تحقيقها تلك الدول، كل ما تحتاج إليه الثورة الصناعية الرابعة، هو المهارات، و”اتصال موثوق به على شبكة الإنترنت”.

وهذا ما أكده مدير برنامج المهارات لدى مايكروسوفت من أجل أفريقيا مارتن ندلوفو، الذي اعتبر أن الثورة الصناعية الرابعة ستكون بلا منازع “عصر الذكاء”، مع التداخل القوي بين العالمين المادي والتكنولوجي، وبروز أكثر لتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة السحابية والروبوتات والمزيد من التأثيرات على طريقة عيشنا وعملنا.

وأوضح في مقال صدر تحت عنوان “حان الوقت لإعادة ضبط الزاوية التي من خلالها نرى المهارات”، أن قوة التحوَل الخاصة بالثورة الصناعية الرابعة أضحت ملموسة وواضحة في عالم الشغل، حيث تعمل التكنولوجيات الحديثة على تغيير مشهد الوظائف والمهن والوسائل المتاحة لممارسة الأعمال، وهو ما سيحدث ثورة في معظم أماكن العمل، ويغير تماما شكلها وكيفية عملها. وحسب مارتن، فإن هذا لا يعد اتجاها جديدا، لأنه من أجل إبراز سوق العمل والمهارات سريعة التطور فعليا، من الحكمة العودة للتاريخ، وبالضبط إلى أول ثورة كبرى في الوظائف.. إنها الثورة الصناعية الأصلية.

الثورة الصناعية الأولى كانت بمثابة تحول جذري في تاريخ الثورات البشرية؛ إذ انتقلنا من أسلوب حياة زراعي متكامل إلى نمط يتشكل من الآلات، أفسحت فيه الزراعة والإنتاج اليدوي الطريق لإنتاج الآلات. وقد أدى إدخال المحرك البخاري والطاقة المائية إلى إحداث تغييرات كبرى في بيئة العمل. وعلى الرغم من تراجع الوظائف التي تستوجب يدا عاملة غير مؤهلة، فقد برزت مجموعة جديدة من الوظائف، حيث أضحى تقنيو الآلات الميكانيكية مطلوبين لهذه الثورة الميكانيكية.

وتابع ندلوفو “لقد أعقب الثورة الصناعية الأولى عصر العلوم والإنتاجيات الضخمة، ثم جاءت الثورة الرقمية.. لقد دخلنا الآن في الثورة الصناعية الرابعة – الثورة التكنولوجية. وبالتالي، ومع كل ثورة صناعية، أصبحت هناك خسائر في عدد الوظائف حيث أضحت الآلات أكثر تعقيدا وتتولى المهام الأقل مهارة التي كان يقوم بها البشر سابقا، ولكن في المقابل، توفرت وظائف جديدة يمكن اقتناصها، والتي تتطلب مجموعة من المهارات المستجدة”.

وهذا المسار، كما قال، تكرر عبر الزمن، وهو ليس خاصا بالثورة الصناعية الرابعة، فرغم الحديث الطويل عن سلبيات فقدان الوظائف والخوف من “تولي الآلات للوظائف”، فهذا لا ينبغي أن يثير المخاوف من فكرة تعلم مهارات جديدة. “وبينما لا يعرف أحد منا كيف ستبدو الثورة الصناعية الخامسة، يمكننا أن نطمئن أنه عندما تحدث، ستكون هناك حاجة إلى مهارات جديدة في ذلك الوقت أيضا”.

ولكن ماذا تعني الثورة الصناعية الرابعة، وما هي المهارات التي تحتاجها أفريقيا لتصبح جزءا من هذه الثورة؟

يؤكد ندلوفو أن الوباء أدى إلى تسريع آلية العمل عن بعد، ومعه أدرك العديد من المدراء وأصحاب الأعمال إمكانية إنجاز قدر كبير من العمل على أساس نظام قائم على المهام مع إرساء عملية تتبع ومراقبة أسبوعية افتراضيا. وبذلك تم تسليط الضوء على حقيقة معاصرة؛ يمكن لأي شخص أن يكون جزءا من فريق العمل طالما أن لديه جهازا واتصالا موثوقا بالإنترنت. ويكون ذلك أكثر بروزا في الوظائف القائمة على تكنولوجيا المعلومات أو المتخصصة في المجال الرقمي، مثل الوظائف التي تهم دعم تكنولوجيا المعلومات وهندسة البيانات وتصميم الرسومات وتطوير التطبيقات وغيرها.

إنها فرصة حقيقية بالنسبة للأفارقة، حيث لم يعد المكان أو الموقع بالضرورة حاجزا أمام ولوج شركة مستقرة في الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، لكن رغم أننا بدأنا في مشاهدة بروز الموجة الأولى من الأفارقة القادرين على الاشتغال عن بُعد، لا يزال الطريق أمامنا طويلا قبل الوصول إلى انتشار موجات متعددة من المهارات الرقمية بالقارة واعتبارها مركزا تنافسيا في هذا المجال. لذلك من المهم أن تنخرط الحكومات الأفريقية في عملية رفع مستوى مهارات شعوبها للمنافسة في سوق العمل العالمي.

مسار متواصل

كارول دويك، الأستاذة في جامعة ستانفورد، ترى أن الناس يعتقدون “أن قدراتهم الأساسية يمكن تطويرها من خلال التفاني والعمل الجاد، العقول والموهبة هي مجرد نقطة البداية. هذه النظرة تخلق حب التعلم والمرونة وهو أمر ضروري للنجاح الباهر”. من الضروري لجميع الموظفين الحاليين والمستقبليين تبني عقلية التطور، “إذ يساعدنا هذا في تأطير تفكيرنا لنتعلم أنه كلما أتيحت فرصة جديدة، فنحن على استعداد لتطوير مهاراتنا لمواجهة هذا التحدي الجديد”.

وتؤكد كارول أن جائحة كوفيد – 19 أدت إلى تسريع تحولنا إلى منصات التعلم الرقمية، ورغم أن التكوين كان في الغالب يلقن داخل الفصول الدراسية، إلا أن الوباء جعل التحول إلى العالم الافتراضي تطورا حتميا وأساسيا. وأصبح الناس يدركون أن التكوين الافتراضي يعد خيارا قابلا للتطبيق، كما فتح التعلم الذاتي عبر الإنترنت العديد من الأبواب لاستفادة أشخاص كانوا إلى عهد قريب مبعدين من التكوين؛ على سبيل المثال، انتقل Skills Labs المدعوم من 4 Afrika في جميع أنحاء أفريقيا إلى منصات للتعلم الرقمي أثناء الوباء، بينما تحول برنامجنا للمتطوعين إلى الارتباطات الافتراضية لأن حظر السفر وعمليات الإغلاق تجعل التكوين الشخصي والمشاركة غير قابلة للتحقق.

طور مهاراتك أو تبدد

إذا كان التعلم عبر الإنترنت أو التعلم الافتراضي سيستمر لا محالة أمام خضوعنا للعمل عن بُعد وتطبيق الابتعاد الجسدي خلال فترة الجائحة، فإن تحقيق النجاح في التعلم الذاتي افتراضيا يواجه تحديين اثنين؛ الأول هو الدافع، إذ عادة ما يجب أن يكون هناك سبب مقنع لاكتساب الشخص مجموعة من المهارات المعينة. وفي بيئة العمل، عادة ما قد يكون الدافع هو ضمان ترقية أو منصب جديد، والهدف يشمل على الأرجح الحصول على شهادة ما. وهذا يعتبر عاملا محفزا قويا للأشخاص لتحسين مهاراتهم.

ومنذ بدء مبادرة مايكروسوفت لتطوير المهارات، في يونيو من هذا العام، أكمل أكثر من نصف مليون متعلم في الشرق الأوسط وأفريقيا، أو مازالوا في المرحلة النهائية للتكوين، أحد مسارات التعلم العشرة باستخدام الموارد التي تقدمها “مايكروسوفت” و”لنكدن” و”غيت هاب” والتي تظهر الإقبال الشديد على صقل المهارات التي تتوج بالشهادات.

والعامل الثاني هو الوصول إلى البنية التحتية اللازمة للتمكن من الانخراط الجيد في التعلم الذاتي، وهذا شيء لا يمكننا الجزم به في السياق الأفريقي، لأن الاتصال بالإنترنت، سواء كان عبر جهاز أو كمبيوتر محمول أو هاتف ذكي، ولو بسرعات إنترنت كافية لبث محتوى الفيديو، لا يستطيع الكثير من الأشخاص الوصول إليه، رغم أنه من الأساسيات الضرورية لصقل المهارات.

هنا يمكن لمبادرة “مايكروسوفت” وحملة 4 Afrika المستمرة لتوفير الإنترنت بأسعار معقولة للمجتمعات القروية والمحرومة، أن تحدث فرقا ملموسا لتقديم المهارات الرقمية الحيوية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها. فالأبحاث تُظهر أن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أصبحت متصلة رقميا بشكل سريع، مع زيادة انتشار الإنترنت بمقدار عشرة أضعاف في المنطقة منذ سنة 2000. وبينما لا تزال هناك فجوات مقارنة ببقية العالم، فقد أدى انتشار تقنيات الهاتف المحمول إلى فتح الباب أمام التعلم الذاتي السريع عبر الأجهزة المحمولة.

تعايش حتمي

بمجرد تخفيف القيود التي عشناها خلال جائحة كوفيد – 19، يرى ندلوفو أننا “سنجد أنفسنا نحتضن نموذجا هجينا للتعلم، يدمج كلا من التعلم داخل الفصول الدراسية والتعلم الذاتي عبر الإنترنت في أشكال متنوعة. وبقدر ما كنا نثمن الدبلوم الجامعي التقليدي، فإننا سنكون مضطرين إلى الاعتراف بالمهارات والقدرات بدرجة أكبر من الشهادات. ومن المحتمل أن يكون هذا التطور بطيئا، لكنه تطور لا مفر منه حيث سيستمر التعلم في كسب النقاط والأهمية”.

واستطرد قائلا “بدلا من الشعور بالخوف والقلق، حان الوقت الآن لاحتضان التقدم الهائل الذي وفرته التكنولوجيا في مجال التعليم وتنمية المهارات”. ففي ظل الوباء الحالي، أتاح الذكاء الاصطناعي والخوارزميات مسارات تعلم بديلة، وجنبتنا الخسائر التي كانت من الممكن أن تحد من فرص تطوير المهارات.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *