لحوم المختبرات تُغني عن تربية الماشية ومخلفاتها

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » لحوم المختبرات تُغني عن تربية الماشية ومخلفاتها

كل يوم يأتينا التطور العلمي باختراع جديد لم يكن في الحسبان، وهذه المرة يتعلق الاختراع بطعام يقبل عليه الملايين من الأشخاص من كل صوب وحدب. وإذا نجح عدد من المستثمرين والشركات الناشئة وعلماء الأحياء في مسعاهم فسوف نشهد ثورة في إنتاج اللحوم. وتجرى الأبحاث حاليا لإنتاج اللحوم في المختبرات بحيث تبدو في شكلها ومذاقها مماثلة لنظيرتها الطبيعية، ويمكن في ما بعد أن تظهر على أرفف المتاجر في غضون بضع سنوات. ويعمل الباحثون وشركات على إنتاج لحوم مخلّقة، مما يقلص الحاجة إلى تربية الماشية بشكل تجاري في مزارع كبيرة الحجم، وهو نشاط أصبح متزايدا بشكل يحمل معه أضرارا بيئية. ورغم أن العوائق التي تقف في طريق تحقيق هدف إنتاج اللحوم في المختبرات مازالت ضخمة يواصل المستثمرون ضخ الأموال في مراكز الأبحاث المعنية، كما حرصت شركات متعددة الجنسية مثل ميرك ونسله على الدخول في المراحل الأولى لهذا المشروع.

وبالعودة إلى عام 2013، عندما تذوق خبير في الأطعمة عينة مبكرة من بيرغر معد من لحم مصنع في المختبر، تردد أن تكلفة إنتاج هذه الوجبة بلغت وقتذاك نحو ربع مليون يورو (297 ألف دولار). ومنذ ذلك الحين تراجع هذا السعر ليصل إلى 45 يورو فقط. وفي دراسة حديثة توقع معهد “الطعام الطيب” -وهو منظمة غير هادفة إلى الربح- أن يتم التوصل عام 2030 إلى سعر تنافسي لوجبة لحوم المختبر، وقدرت الدراسة أنه تم إنفاق 350 مليون دولار على عمليات البحوث والتطوير لهذه اللحوم في عام 2020 وحده.

ويقول توماس هيرغيت رئيس قسم “شبكة الابتكار” في شركة ميرك، المعنية بتشجيع التعاون في الابتكارات ومقرها كل من كاليفورنيا والصين، إن “سوق اللحوم يمكن أن تتفرع في المستقبل إلى ثلاثة أقسام، الأول خاص باللحوم التقليدية القادمة من المجازر، والثاني مخصص للمنتجة من النباتات والثالث خاص باللحوم القادمة من المختبرات”. وسبق لشركة ميرك العملاقة للأدوية والكيميائيات أن أجرت منذ ثلاثة أعوام مجموعة من التجارب باستخدام التكنولوجيا لإنتاج لحوم وأسماك عن طريق زراعة الخلايا في المختبرات. ويتضمن ذلك إزالة عينة صغيرة من الأنسجة الحيوانية بواسطة عملية جراحية، ثم عزل الخلايا وتربيتها وتنميتها على نطاق واسع في ما يعرف باسم “المفاعلات الحيوية”، وفي نهاية العملية تكون كتلة الخلايا قد تكونت بحيث يمكن تشكيلها كلحوم.

وتعرض شركة ميرك من بين منتجات أخرى كثيرة مجموعة من المواد الكيميائية والمعدات المستخدمة في زراعة الخلايا، وتعتزم بيع التقنيات الخاصة بهذه العملية للشركات الناشئة الراغبة في إنتاج اللحوم داخل المختبرات الخاصة بها. وتوجد حاليا ما بين 70 إلى 80 شركة ناشئة في مختلف أنحاء العالم تعمل على إنتاج اللحوم بالمختبرات، وفقا لما يقوله هيرغيت. وتزود ميرك بالفعل الكثير من الشركات الناشئة بالوسائط االلازمة لزراعة الخلايا ونموها، وتتكون مما يصل إلى 100 مادة مثل جزيئات السكر والأملاح والأحماض الأمينية. ويتعين الحصول على كل المكونات وتحليلها وتعقيمها ودمجها على أكمل وجه، وتعد هذه المرحلة الأعلى تكلفة في العملية، ويوضح هيرغيت أن وسائط زراعة الأنسجة تمثل ما يصل إلى 80 في المئة من تكلفة إنتاج اللحم في المختبر.

ووجهة نظر نشطاء البيئة وأنصار الرفق بالحيوان في ما يتعلق باللحوم المنتجة في المختبرات لا تقبل المناقشة، كما أن الطلب على اللحوم آخذ في التزايد بسرعة مع استمرار معدلات الزيادة السكانية على مستوى العالم. ولحوم المختبرات يمكنها أن تقلص انبعاثات الغازات التي تسبب ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض بنسب كبيرة تتراوح بين 78 إلى 96 في المئة، كما أن طرق إنتاجها تحتاج إلى مساحة من الأرض تقل بنسبة 99 في المئة عن تلك المطلوبة لإنتاج اللحوم من الماشية، وأيضا تقل استخداماتها للمياه بنسبة تتراوح بين 82 إلى 96 في المئة مقارنة باللحوم الطبيعية القادمة من المزارع الأوروبية، وذلك وفقا لدراسة أعدها باحثون بجامعتي أمستردام وأوكسفورد. كما رحب خبراء البيئة بهذا الابتكار الجديد الذي يعد نقلة نوعية تجنبنا الاعتماد على اللحوم المنتجة في المزارع.

وتقول ستيفاني توي، الخبيرة الزراعية بمنظمة السلام الأخضر “غرينبيس”، “نحن نرحب بهذا الابتكار من حيث المبدأ، فلا يجب أن تموت الحيوانات من أجل أن نحصل على اللحم، كما أن الأضرار البيئية التي تشكلها لحوم المختبرات محدودة”. ومع ذلك تدعو توي إلى الالتزام بالمزيد من الشفافية في ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية الناتجة عن تخليق اللحوم في المختبرات، وأيضا استخدام المضادات الحيوية في تعقيم البيئة المحيطة بزراعة الخلايا والتي تعد ضرورية لإنتاج اللحوم.

ومن ناحية أخرى اتسعت سوق بدائل اللحوم التي تقوم على النباتات، مثل تلك التي تصنعها شركة “بيوند ميت” أي ما بعد اللحوم. ولكن لماذا اللجوء إلى إنتاج اللحوم في المختبر بهذا الشكل الذي يتطلب دقة وجهدا في حين أن البدائل النباتية متاحة ؟ يرد هيرغيت قائلا “إن الكثير من الناس ببساطة لا يريدون أن يتخلوا عن تناول اللحوم ذات المذاق الحقيقي، ويرفضون المنتجات القائمة على النباتات”.

غير أنه لا تزال هناك عوائق كثيرة يتعين التغلب عليها في مسار تطوير منتجات اللحوم في المختبرات، من بينها البحث عن أفضل الطرق لجمع وعزل خلايا العضلات من الحيوانات، وأيضا أفضل الطرق لتقليد منتجات اللحوم مثل قطع شرائح اللحم التي يصفها هيرغيت بأنها “أعظم قطع في اللحوم المخلقة”. وأخيرا تأتي بالطبع مسألة موافقة السلطات على طرح هذه النوعية من اللحوم في الأسواق وتنظيمها. وفي هذا الصدد يقول هيرغيت “ربما تمر خمس أو عشر سنوات قبل أن يجد الزبائن اللحوم المخلقة في المتاجر”.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *