سهلت الأجهزة الذكية حياتنا إلى حد لا نستطيع معه تخيل سيرها بسلاسة بدونها وفي مقدمتها الهواتف الذكية، لكن هذه الأجهزة التكنولوجية العجيبة الحديثة لها جوانب مظلمة، حيث إن معظم الشركات المصنعة تخفي عنا الحقيقة البشعة وراء الشكل النظيف المتطور من ممارسات التعدين الخطيرة والمواد الكيميائية وسوء إعادة التدوير والاستهلاك المفرط للطاقة والموارد المدفوعين بنموذج أعمال يعتمد على دفع العملاء لشراء هاتف جديد كل عامين، ما يعني أن هذه الصناعة تؤثر تأثيرًا هائلًا على كوكبنا ومواردنا المحدودة.
وأصبحت مسألة الحصول على هاتف ذكي جديد لتسهيل الحياة بشكل سنوي هوسًا لدى الأشخاص بغض النظر عن كون الهاتف الحالي قادر على العمل لفترة أطول، وذلك خوفًا من فقدان أحدث التقنيات، وبصرف النظر عن المستهلكين، فإن الشركات المصنعة مسؤولة أيضًا عن الكثير من هدر الهواتف الذكية.
وتعتمد معظم الشركات على استراتيجية تتمحور حول استحالة إصلاح المنتج أو ترقيته، مما يقصر عمره الافتراضي، ويجبرنا على شراء جهاز جديد، وتعتبر النفايات الإلكترونية مشكلة عالمية، وكلما كانت أجهزتنا أكثر تطورًا، كلما زادت صعوبة إعادة تدويرها، ويتضمن أي جهاز ذكي مجموعة كبيرة من المواد القيمة، وغالبًا ما تظل هذه الكنوز داخل هذه الأجهزة عند التخلص منها.
النفايات المفرطة وغير الضرورية
مرت أكثر من عشر سنوات منذ طرحت شركة آبل أول هاتف آيفون في السوق، وتم بيع أكثر من سبع مليارات هاتف ذكي في جميع أنحاء العالم منذ ذلك الحين، أي ما يعادل تقريبًا عدد الأشخاص على هذا الكوكب، لكن ذلك لم يمر دون تأثير على كوكبنا، وبحسب تقديرات شركة أبحاث السوق جارتنر، جرى بيع أكثر من 1.5 مليار هاتف ذكي في عام 2017، ما يعني التخلص من نفس العدد تقريبًا.
وتكمن المشكلة في أنه لا يجري إعادة تدوير الكثير من الهواتف والأجهزة الذكية، ووفقًا لمنظمة السلام الأخضر Greenpeace الناشطة في مجال البيئة، فإنه يتم إعادة تدوير حوالي 15 في المئة فقط من النفايات الإلكترونية بشكل صحيح.
وينتج العالم حاليًا ما يقرب من 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية سنويًا، وذلك وفقًا لتقرير للأمم المتحدة، أي ما يعادل من حيث الوزن جميع الطائرات التجارية التي صنعت على الإطلاق، وفي حال واصلنا الاستهلاك بالمعدل الحالي، فإن منظمة الأمم المتحدة تتوقع زيادة تصل إلى 120 مليون طن في الثلاثين عامًا القادمة.
وبالرغم من الأرقام المهولة، إلا أنه لا يجري بشكل رسمي إعادة تدوير سوى 20 في المئة فقط من النفايات الإلكترونية، وبحسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي فإن ملايين الأشخاص حول العالم يعملون في قطاع النفايات الإلكترونية غير الرسمي، وبالنظر إلى السموم الموجودة في النفايات الإلكترونية، فغالبًا ما يكون لذلك آثار صحية سلبية.
ويقول الخبراء: إن طنًا من النفايات الإلكترونية يحتوي على ما يصل إلى 100 مرة من الذهب أكثر من طن من الذهب الخام، وتبلغ القيمة المادية المقدرة للنفايات الإلكترونية الحالية أكثر من 62.5 مليار دولار سنويًا، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لمعظم البلدان.
الموارد القيمة والمحدودة
تتكون العديد من عناصر الأجهزة الذكية من رقاقات السيليكون التي تتطلب الكثير من الموارد لإنتاجها، إلى جانب العشرات من المواد القيمة والمحدودة التواجد في الكوكب، بما في ذلك العناصر والمعادن الأرضية النادرة، مثل الألمنيوم والذهب والكوبالت التي ترتبط بالنزاعات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما أنها تستهلك موارد الطاقة وتغير المناخ.
وتشير التقديرات الحديثة إلى نفاذ بعض العناصر الأرضية النادرة خلال العشرين إلى الخمسين سنة القادمة، وبالإضافة إلى البلاستيك (المشتق من النفط الخام) الموجود في الهاتف نفسه، فإن معظم حافظات الهاتف تصنع أيضًا من البلاستيك، كما أن واقيات الشاشة مصنعة في معظمها من البلاستيك، لذا، فإن كل هاتف جديد يخلق طلبًا إضافيًا على المزيد من البلاستيك.
وبالرغم من أن الهواتف الذكية ذات كفاءة في استخدام الطاقة، إلا أنها تتطلب الكثير من الطاقة لتصنيعها بالنظر إلى تعقيدها، وكلما زاد ذكاء هاتفنا، زاد تأثيره على البيئة، ونظرًا لاستمرار تعقيد أجهزتنا، يظل التصنيع الإلكتروني أكثر المراحل كثافة بالكربون.
وأشار تقرير صادر عن الجمعية الملكية البريطانية للكيمياء إلى أن الهاتف الذكي يحتوي على 30 عنصرًا مختلفًا، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن الرقم في بعض الطرز الراقية يصل إلى 75، بما في ذلك النحاس والألومنيوم والرصاص والزجاج والبلاستيك والتنتالوم والإيتريوم والغاليوم والإنديوم والزرنيخ، وكلها عناصر أساسية يمكن أن تنفد من الكوكب خلال 100 عام.
ويعد الإنديوم عنصرًا أساسيًا للأجهزة الذكية، وهو واحد من أندر العناصر على وجه الأرض، ويتعين علينا استخراج كيلوجرام كامل من الزنك من أجل الحصول على بضعة ميليجرامات من الإنديوم، كما تحتوي النفايات الإلكترونية على العديد من المعادن والعناصر الأرضية النادرة، والغالبية العظمى منها موجودة في الصين وروسيا وأستراليا، لكن استخراجها يلوث مصادر المياه.
ويرتبط استخراج الكوبالت والقصدير والتنغستن والتنتالوم والذهب بعمالة الأطفال وتمويل الصراعات في إفريقيا والأمراض التنفسية بين عمال المناجم، وتشير التقديرات في الوقت الحالي إلى أنه يتم إعادة تدوير أقل من 1 في المئة من العناصر الأرضية النادرة.
المواد الكيميائية السامة
بمجرد التخلص من النفايات الإلكترونية، سينتهي بهم المطاف في مدافن النفايات، الأمر الذي يوصل المواد الكيميائية السامة إلى التربة، وتمثل الإلكترونيات ما يصل إلى 70 في المئة من النفايات السامة في مقالب القمامة، ويعد استخراج العناصر النادرة من الأعمال الصعبة، والتي تنطوي عادة على استخدام أحماض الكبريتيك والهيدروفلوريك وإنتاج كميات هائلة من النفايات شديدة السمية.
ولعل المثال الأكثر إثارة للقلق هو “بحيرة النفايات التكنولوجية في العالم” في الصين، حيث تم إنشاء هذه البحيرة الاصطناعية في عام 1958، وهي تجمع الرواسب السامة الناتجة عن عمليات معالجة العناصر الأرضية النادرة.
وتتم معالجة معظم النفايات الإلكترونية في بلدان مثل الصين والهند وغانا، دون تنظيم لعمليات إعادة التدوير، مما يؤدي إلى إطلاق المواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة في المجاري المائية والهوائية، الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالعمال ويلوث التربة والمياه الجوفية ويعرض أنظمة إمدادات الغذاء ومصادر المياه للخطر.
كما تسبب المواد الكيميائية الخطيرة في المنتجات الإلكترونية أمراضًا تهدد حياة عمال المصانع والعاملين في عمليات إعادة تدوير النفايات الإلكترونية غير المنظمة عندما يتم حرق هذه المواد، بالإضافة إلى أنها تلوث البيئة المحلية بسبب الغازات المفرزة والأبخرة السامة.
تدمير النظام البيئي
الذهب والقصدير شائعان في الهواتف الذكية، لكن تعدينها مسؤول عن الدمار البيئي في الأمازون والبيرو والجزر الاستوائية في إندونيسيا، ويعد تعدين الذهب سببًا رئيسيًا لإزالة الغابات في منطقة الأمازون، كما يولد استخراجه من باطن الأرض نفايات غنية بالسيانيد والزئبق، وهما من المواد شديدة السمية التي يمكن أن تلوث مياه الشرب والأسماك، مع آثار خطيرة على صحة الإنسان.
فيما توفر البحار المحيطة بجزيرة بانجكا وبيليتونج الإندونيسية حوالي ثلث إمدادات العالم من أكسيد الإنديوم القصدير، ومع ذلك، فقد دمرت أعمال الحفر الواسعة النطاق لقاع البحر بحثًا عن الرمال الغنية بالقصدير النظام البيئي المرجاني، في حين أدى تدهور صناعة الصيد إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية.
كيف يمكننا تغيير الأمور؟
من المؤكد أن التخلي عن الهواتف الذكية أمر مستبعد، لكن يجب إيقاف هذا التدمير المميت للكوكب والاستغلال المفرط للبلدان الفقيرة، كما يجب التوقف عن دعم النفايات الزائدة والتلوث السام ونضوب الموارد والصراع المسلح، وفي حال كانت هناك حاجة لشراء هاتف ذكي جديد أو إلكترونيات أخرى، فإن بالإمكان الإطلاع على دليل Greenener Electronics لاختيار العلامات التجارية ومعرفة أيها تصنع منتجات قابلة للإصلاح والترقية.
كما يجب أن تسأل نفسك بأمانة إذا كنت بحاجة فعلًا إلى هاتف جديد قبل أن تسارع لشراء أحدث الطرز، حيث تعمل معظم الهواتف الذكية بشكل جيد لمدة 5 سنوات على الأقل، وفي حال كنت بحاجة فعلًا إلى ترقية هاتفك بالرغم من أن هاتفك القديم لا يزال يعمل فينبغي التفكير في إعطائه لصديق أو لأحد أفراد الأسرة بدلًا من إعادة تدويره، كما ينبغي التأكد من إعادة تدوير هاتفك القديم في نهاية عمره، إما من خلال الشركة أو برنامج إعادة تدوير النفايات الإلكترونية في مدينتك.
واختر حافظة للهاتف خالية من البلاستيك وقابلة للتحلل مثل تلك التي توفرها شركة Pela Case المصنعة لحافظات مصنوعة بشكل مستدام وقابلة للتحلل بنسبة 100 في المئة، كما يجب اختيار واقي شاشة خالٍ من البلاستيك وخالي من النفايات مثل Pela Canopy وهو عبارة عن سائل يتصلب على الشاشة مما يزيد من قوتها بمقدار 500 ضعف ويأتي في قارورة زجاجية قابلة لإعادة الاستخدام.
الخاتمة
يجب معرفة المزيد حول كيفية تصنيع الهواتف والأجهزة الذكية وأين تنتهي بعد التخلص منها، بحيث لن تتوقف النفايات والتلوث إلا إذا بدأ كل شخص في اتخاذ خيارات أكثر ذكاءً، ويمثل الإنتاج المستمر للنفايات الإلكترونية إحدى المشكلات الرئيسية التي يجب التغلب عليها، وغالبًا ما تكون التكاليف المرتفعة لإعادة التدوير هي العقبة الرئيسية أمام ما يسمى بالاقتصاد الدائري، حيث تختفي النفايات تقريبًا وتستخدم جميع الموارد بكفاءة.
وقد يبدو شراء هاتف جديد لكل من الشركات والمستهلكين أرخص من إصلاحه من وجهة نظر قصيرة الأجل، لكن الوقت قد حان لبدء التفكير في المستقبل ومصلحة الكوكب على المدى الطويل.