انضمّ كاي – فو لي، مؤلّف كتاب «قوى الذكاء الصناعي العظمى: الصين، وادي سيليكون، والنظام العالمي الجديد» والمسؤول التنفيذي السابق في «غوغل»، إلى مؤلّف كتاب «ويست تايد» (مدُّ النفايات) تشن كيوفان، ومن خلال كتاب جديد، لتقديم عرض لتطور الذكاء الصناعي في المستقبل القريب. أجرى لي مقابلة مع ناثان غاردلز، رئيس تحرير مجلّة «نوئيما» (Noema) الأميركية للحديث عن كتابه الجديد «الذكاء الصناعي 2041».
> غاردلز: لقد وضعت مع شريكك كاتب الخيال العلمي الصيني الشهير تشن كيوفان نوعاً أدبياً جديداً في كتابكما «الذكاء الصناعي 2041» (AI 2041) من خلال دمج الخيال التخميني، أو التكهني، (speculative fiction) مع تحليل التقنيات القابلة للتحقيق، وسميتماه «خيالاً علمياً»، بينما يوصف عمل كيوفان بـ«واقعية الخيال العلمي». لقد رسمتما صورة إيجابيّة جداً، إن لم نقل منظوراً طوباوياً عمليّاً، بدل الرؤية البائسة التي رُوّجت عن الذكاء الصناعي من قبل أشخاص كثر مثل إيلون ماسك الذي يعتقد أنّ الآلات الخارقة الذكاء ستحكمنا يوماً ما. يستعرض الكتاب عشرة سيناريوهات للمستقبل. هل يمكنك أن تحدّد لنا أكثرها إقناعاً؟
نظم الرعاية الصحية
– لي: ستكون للعناية الصحيّة حصّة الأسد من الاختراق العلمي الكبير الذي سيحقّقه الذكاء الصناعي عبر اكتشاف أدوية ووسائل تشخيص وعلاج جديدة ستعيد رسم قطاع الرعاية الصحية بشكلٍ كامل ليحسّن حياة البشر خلال العقود القليلة المقبلة. يعد اكتشاف الأدوية الجديد الثمرة الأسهل قطفاً، لأنّها لا تتطلّب أيّ تعطيل للممارسات الطبيّة الحالية. ستبقى التجارب العيادية كما هي، وكذلك الصناعات الدوائية، وسيستمرّ الأطباء في وصف الأدوية وستُقاس النتائج بالطريقة المعتمدة نفسها حالياً. لكن هذا الجانب سيسرّع التقدّم. يستطيع الذكاء الصناعي غربلة جزيئات محتملة واستهداف أمراض مرجّحة، كما يستطيع الغوص في تجارب سابقة لفاعلية الأدوية أو فشلها، واستكشاف التركيبة الجزيئية للأدوية التي أظهرت فاعلية على أشخاص مختلفين. بهذه الطريقة، يمكن للذكاء الصناعي أن يحدّد ويقترح مرشّحين جدد للتجارب السريرية. قد يلعب الذكاء الصناعي دوراً أيضاً في خفض تكاليف شركات صناعة الأدوية الباحثة عن علاجات لأمراضٍ نادرة كانت في الماضي عالية الكلفة.
إنّ الفرصة الكبرى التي سيقدّمها الذكاء الصناعي في الطبّ ستكون في تحوّله إلى المساعد الكامل للطبيب من خلال اقتراح التشخيصات والعلاجات في مجالات محدّدة، او ما يُعرف بالطبّ الدقيق. لا شكّ في أنّ الذكاء الصناعي، سيتفوّق أخيراً وبعد جمع القدر الكافي من البيانات، على الغالبية الساحقة من الأطبّاء. ستتطلّب هذه العملية وقتاً طويلاً بسبب حساسيّة جمع المعلومات الشخصية، فضلاً عن أنّ عمليّة العلاج قد تؤدّي إلى بعض العرقلات، دون أن ننسى الآثار القانونية والأخلاقية المترتّبة على علاج النّاس بواسطة برنامج رقمي. وفي النهاية، ستكون القرارات جميعها بيد البشر.
> غاردلز: هل تعتقدون أنّ التطبيقات التي ستظهر في العقدين المقبلين ستسهم في تسريع تطوير اللقاحات للجوائح التي تشبه جائحة كوفيد؟
– لي: قد يكون هذا الاحتمال وارداً ولكنّه أقلّ ترجيحاً، لأنّنا لا نملك بعد الكمّ الكافي من البيانات التّاريخية عن كوفيد لتدريب الذكاء الصناعي – كنجاح وفشل التجارب السريرية والمعلومات الموثوقة حول الأشخاص والأمراض الكامنة التي يعانون منها والتاريخ العائلي المرضي، وما إذا كان العلاج قد نجح أم لا – خصوصاً أنّ المعلومات التي تركها تفشّي فيروس «سارس» عام 2002 كانت قليلة جداً.
التعلّم العميق
> غاردلز: إذن، تقنية مساعدة الذكاء الصناعي متوفّرة منذ اليوم ولكنّ عملها في هذا العالم يعتمد على توفّر البيانات.
– لي: نعم، هذا صحيح. يستطيع الذكاء الصناعي منذ اليوم المساهمة في حلّ بعض أجزاء المشكلة. انظروا مثلاً إلى نظام «ألفا فولد» (AlphaFold) للتعلّم العميق الذي طوّرته شركة «ديب مايند» (DeepMind) لتوقّع كلّ ما يتعلّق بتركيبات البروتينات التي تعد جزءاً من مشكلة صناعة اللقاحات. يستطيع العلماء باستخدام أداة كهذه تطوير اللقاحات أو تسريع اكتشافها على أقلّ تقدير. لا تزال هذه الأدوات ثانويّة اليوم ولكنّها في طور التحسّن.
> غاردلز: ما حدود التعلّم العميق لدى الذكاء الصناعي؟ يحاجج بعض النقّاد بأنّ الآلات الذكية قد تتفوّق على البشر لناحية الأداء في المهام متعدّدة الجوانب وتعلّم المهام الجديدة، ولكنّها «لا تفهم» حرفياً ماذا تفعل وهذا ما يُسمّى «الذكاء غير المفكّر» (unthinking intelligence).
– لي: أعتقد أنّ التعلّم العميق أثبت أنّه قادر على فهم بعض الجوانب من سياق الفطرة ولو بطريقة مختلفة عن فهم البشر. ولكن إذا كنتم تنظرون إلى تعلّم ذاتي الإشراف كما نرى في تقنية «جي بي تي -3» (GPT-3) وغيرها من التقنيات، فهذه دُربت دون إشراف بشري من خلال رسم سياق البيانات التي توفّرت لدى مطوّريها. وهذا يعني أنّنا لا نقول للروبوت: «هذا كلب، هذا قطّ، هذا إنسان»، أي لا نقول له الحقيقة المجرّدة، بل يُعطى الكثير من النصوص ليفهم ما يستطيع منها. وتجدر الإشارة إلى أن نظام «جي بي تي -3» يتعلم مدخلات ومخرجات اللغة الطبيعية عبر تحليل آلاف النصوص… بهدف وضع نصوص جديدة بنفسه. لنقل إنّكم تقرأون الفصل الأخير من كتاب ما. توجد اليوم خوارزميات تعلّم عميق تستطيع التنبؤ بالجملة التّالية أو الإجابة عن سؤال حول شيء حصل في وقتٍ سابق بالاعتماد على السياق. تنجح التقنية المتوفّرة اليوم في كثير من الأحيان بإنتاج جواب بجودة جوابي هذا أو حتّى أفضل، بينما يكون إنتاجها غير مفهوم في أحيان أخرى. هذا الأمر لا يمكن أن يتمّ دون فكرة عن السياق.
لا يتوقّف الأمر على حفظ ملايين الكلمات فحسب، لأنّنا يجب أن نعلم أيّ هذه الكلمات هي المهمّة. طوّرت شركتا «مايكروسوفت» و«علي بابا» ذكاءً صناعياً تفوّق على البشر في بيانات الإجابة عن أسئلة جامعة ستانفورد عام 2018. وقد ولّد هذا التفوّق نوعاً من الذهول لأنّه أظهر أنّ الذكاء الصناعي قادر على رصد بعض السياق. يتجاوز التعليم «الذاتي الإشراف»، المشكلة السابقة التي عانى منها التعلّم العميق والتي كانت تتطلّب خبيراً متخصصاً في كلّ شيء، فضلاً عن أنّه يحدّ من درجة معالجة البيانات. تسلّط فكرة إمكانية تدريب الذكاء الصناعي دون إشراف بشري الضوء على القوّة التي يمكن أن تبلغها تقنية التعلّم العميق. فإذا أضفنا مزيداً من البيانات وعالجناها بواسطة الكومبيوتر، ستصبح أفضل وأفضل. ولكنّ قدرة الذكاء الصناعي على التعرّف على السياق لا تعني أنّه سيلغي البشر أو يصل إلى مستوى التفرّد أو الذكاء العام الصناعي.
تعاون دولي
> غاردلز: عبّر كتابك الأخير «قوى الذكاء الصناعي العظمى» عن أملٍ بالتعاون بين دولتين رائدتين في تطوير هذه التقنية هما الولايات المتّحدة والصين. اليوم، تشهد المنافسة بينهما تطوّراً شرساً. هل تعتقدون أنّها ستؤدي إلى إثباط أو إشعال التطوّرات التي توقّعتموها بحلول 2041؟
– لي: تشكّل المنافسة المتوقّعة معضلة على المستوى الجيوسياسي لأنّها تفصل العالم إلى مجموعتين من التقنيات والمعايير غير القابلة للتبادل، وهذا الأمر غير فعّال طبعاً. من ناحية أخرى، تؤمّن هذه الديناميكيّة مزيداً من التمويل للتقنية في البلدين وهذا أمر جيّد. أعتقد أن قمر «سبوتنيك» الصناعي الروسي مثلاً ساعد في تقدّم الجهود الفضائية الأميركيّة والسوفياتية بهذه الطريقة. عندما ألّفت كتاب «قوى الذكاء الصناعي العظمى»، لم أتوقّع أن تكون المنافسة بهذا الشكل. إنّ أفضل ما يمكن أن نتمنّاه في السنوات القليلة المقبلة هو تحديد الدولتين للمشاكل التي يجب أن يتعاونا في حلّها كالمناخ والعناية الصحيّة. يبقى الجانب المشرق الوحيد هو أنّه رغم وجود هذه التحديّات الجيوسياسية، يواظب الأكاديميون والعلماء على العمل بعضهم مع بعض.
الشرق الأوسط