تنتج الشمس طاقة أكثر من حاجة البشرية، لكننا كبشر مازلنا لا نستطيع التقاط ما يكفي منها. ورغم التقدم الكبير الذي حققته الألواح الشمسية خلال السنوات الأخيرة؛ بحيث أصبحت أقل تكلفة وأكثر فعالية، فهي توفر الطاقة الكهربائية فقط وليس الوقود السائل القابل للتخزين، والذي لايزال مطلوباً بشدة. لذا تُعد النباتات مصدرًا كبيرًا لذلك؛ لأنها تعلمت على مدار ملايين السنين كيف يمكنها أن تحصل على ضوء الشمس وتخزن الطاقة، ومن المتوقع أن يصبح التمثيل الضوئي الاصطناعي جزءًا من محفظة الطاقة خلال العقدين المقبلين.
ويُعد التركيب الضوئي أو التمثيل أو التخليق أو البناء الضوئي الاصطناعي (Artificial Photosynthesis) هو عملية كيميائية تسعى إلى محاكاة عملية التركيب الضوئي الطبيعية، التي تحول ضوء الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون إلى كربوهيدرات وأكسجين. ويعتبر شطر الماء إلى هيدروجين وأكسجين فرع بحث محوري في مجال التركيب الضوئي الاصطناعي. كما يعتبر تفاعل اختزال ثاني أكسيد الكربون، أيضًا، تحديًا آخر في هذا المجال؛ إذ يهدف إلى محاكاة عملية تثبيت الكربون الطبيعية (تحويل الكربون غير العضوي إلى مركبات عضوية).
ويتضمن هذا المجال تصميم أجهزة تعمل على إنتاج الوقود الشمسي (الناجم عن تخزين الطاقة الشمسية في الأربطة الكيميائية للوقود) بشكل مباشر، وقد يدرَج في مجال الكيمياء الإلكتروضوئية، كما يشمل هندسة إنزيمات وكائنات مجهرية التي تعمل على إنتاج وقود ميكروبي وهيدروجين حيويين بمساعدة ضوء الشمس. وحين تقوم النباتات بالتمثيل الضوئي فهي تمتص الماء وثاني أكسيد الكربون وتستخدم ضوء الشمس لتحويل هذه المواد الخام إلى الكربوهيدرات التي تحتاجها للنمو. نحن نحتاج إلى محاكاة ذلك لكننا لا نريد إنتاج الكربوهيدرات لأنها تمثل وقوداً رديئا، وبدلًا منذلك سيتم إنتاج شيء يمكن استخدامه بسهولة أكبر.
قد تكون للتقنيات التي تحول الضوء والماء إلى وقود هيدروجين خالٍ من الكربون إمكانات غير محدودة، لكن لم يتم تطويرها بشكل صحيح حتى الآن. وهناك مشكلة أخرى وهي أن النباتات ليست فعالة للغاية في التمثيل الضوئي؛ حيث تحول نحو 1 أو 2% من الطاقة الشمسية إلى وقود، وخلصت وزارة الطاقة الأمريكية إلى أنه لكي يكون التمثيل الضوئي مجديًا من الناحية الاقتصادية فإن الكفاءة ينبغي أن ترتفع إلى ما بين 5 و10%. لكن ثمة مسارًا آخر ربما يكون واعدًا على المدى الطويل؛ إذ طوّر فريق من علماء في جامعة ميشيغان، بمساعدة مختبر لورانس ليفرمور الوطني، تصميم جهاز لتقسيم المياه مصنوعًا من مواد رخيصة وفيرة والتي تصبح أكثر كفاءة مع كل استخدام.
هذا الجهاز الجديد يعمل على تحويل ضوء الشمس وثاني أوكسيد الكربون والماء إلى أوكسجين وحمض الفورميك، وهو وقود سائل يتمتع بكثافة طاقة عالية. وقد يكون أكبر تقدم يمثله هذا الجهاز هو أنه مستقل؛ حيث لا يحتاج إلى مصدر خارجي للطاقة، أو عوامل محفزة إضافية.
ونُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة “Nature Materials” العلمية، وقالت “فرانشيسكا توما”؛ العالمة في قسم العلوم الكيميائية في مختبر لورانس بيركلي الوطني والمؤلفة الرئيسية للورقة الجديدة: “اكتشفنا خاصية غير عادية في المادة تجعلها أكثر كفاءة واستقرارًا”. وأضافت ” توما”: “اكتشافنا هذا هو تغيير حقيقي لقواعد اللعبة. أنا لم أر مثل هذا الاستقرار من قبل”. وتم اختراع الجهاز الجديد بواسطة “زيتيان مي”؛ أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات بجامعة ميتشيغان. وهو مصنوع عمليًا من أشباه موصلات غير مكلفة تُستخدم على نطاق واسع في الإلكترونيات اليومية، ووُجد أنها تضاعف كفاءة واستقرار التقنيات المماثلة السابقة.
ويذكر “مي”: ” الجهاز الفريد الذي طورناه على مدار العقد الماضي ليس مناسبًا فقط لإنتاج الهيدروجين الشمسي، ولكن تم استخدامه بشكل فعال للغاية لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية ووقود نظيف، مثل: الميثان ، والميثانول ، وحمض الفورميك ، وغاز التخليق. ومع ذلك كله فإن أكثر ما يذهلني هو استقرار هذه المادة في العديد من الدراسات التي أجريناها نحن والمتعاونون معنا”.
ويأمل الباحثون الآن في استخدام هذه النتائج الجديدة لتصميم وبناء أجهزة التمثيل الضوئي الاصطناعي الأكثر كفاءة وبتكلفة أقل.
مجلة عالم التكنولوجيا