يُواجه سائقو الشاحنات لمسافات طويلة مخاطر عدة منها النعاس والإجهاد الشديد، وتتكرر حوادث هذا النوع من السيارات، ومعها أعداد الضحايا والخسائر المادية الباهظة، بشكلٍ محزن. وترى شركات وخبراء برمجيات، في «المركبات ذاتية القيادة» حلاً لهذه المشكلات، في وقت يتحدث البعض عن جوانب اجتماعية وقانونية تواجه هذا النوع من المركبات، في حال تجاوز العقبات التقنية المتعلقة بالتطوير، فضلاً عن دورها في الاستغناء عن ملايين الوظائف، خصوصاً المرتبطة بعمل الشاحنات في الولايات المتحدة.
شاحنة «دايملر»
بدأت شركة «دايملر» الألمانية في مايو الماضي اختبار شاحنة جديدة تماماً في طريق سريعة عامة في ولاية «نيفادا» الأميركية، وتختلف الشاحنة عن غيرها في منحها السائق وقتاً للراحة، وتفقد البريد الإلكتروني ومشاهدة الفيديو، بينما تتولى القيادة الذاتية بالاستعانة بمزيجٍ من الأدوات، منها خاصية تحديد المواقع الجغرافية، والرادار، وكاميرات الفيديو.
ولا يعني ذلك أن شاحنة «دايملر» ستسير بمفردها على الطرق؛ إذ لايزال من اللازم وجود سائق خلف عجلة القيادة لتولي زمام السيطرة في حالات المشكلات الطارئة. ويرى المدافعون عن هذه التقنية أن تحسنها سيُخفض عدد الحوادث من خلال تقليص المجال أمام الأخطاء البشرية، وتعزيز الإنتاجية، وتقليل مستوى الانبعاثات الضارة، بحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي».
شاحنات آلية
ولا تعد شاحنة «دايملر» النموذج الأول للشاحنات ذاتية القيادة، إذ سبقتها شاحنات آلية تماماً تسير بسرعات منخفضة ضمن بيئات خاضعة للتحكم. وعلى سبيل المثال، تُشغّل شركة «ريو تينتو» للمناجم والتعدين أكثر من 50 شاحنة ذاتية القيادة في مناجمها في بيلبارا في أستراليا.
كما طورت شركة «لوكهيد مارتن» مجموعة من الشاحنات الآلية للجيش الأميركي، منها المركبة «إس إم إس إس» التي بدأت عملياتها في أفغانستان في عام 2011. وبحسب الشركة، فإنه يُمكن للمركبة متابعة تحركات جندي واحد، وإخلاء الجرحى، ونقل الإمدادات عبر الطرق الوعرة دون مساعدة سائق بشري.
ويصعب تصور عمل هذه الشاحنات وحركتها في الطرق العامة في ظل وجود مركبات أخرى، فضلاً عن حركة المشاة. ويقتصر عمل شاحنة «دايملر» حتى الآن على الطرق السريعة والمفتوحة، إذ يجب تولي سائق بشري القيادة عند الوصول إلى شوارع المدن التي تصفها الشركة بأنها بيئة أكثر تعقيداً في ما يتعلق بحركة المرور. وتتوقع شركة «رولاند بيرغر» الألمانية للاستشارات تجاوز هذه العقبات التقنية في غضون فترة تراوح بين 10 و15 سنة.
عقبات أخلاقية
ومن المحتمل أن يُتاح بحلول عام 2030 إخراج السائقين كُلياً من المعادلة، إلا أنه في ضوء احتمالات علاج العوائق التقنية، فإن تجاوز العقبات الاجتماعية والقانونية يظل أكثر صعوبة، وهو ما قاله الشريك في «رولاند بيرغر»، والفانغ بيرنهارت، الذي لفت إلى «وجود بعض المشكلات الأخلاقية الكبيرة حقاً».
وأشار بيرنهارت إلى ارتباط هذه المشكلات برد فعل شاحنة يجرى التحكم فيها عبر الكمبيوتر، التصرف في ظروفٍ معينة، حين يستحيل عليها تجنب وقوع حادثة، ويكون على المركبة أن تقرر ما تقوم به، والأطراف التي يقع عليها الضرر. وأضاف أن هذه الجوانب تتطلب وعياً واضحاً في المجتمعات بشأن ما تقوم به في ما يتعلق بالمسؤوليات، الأمر الذي سيستغرق وقتاً طويلاً جداً.
ويضرب بيرنهارت مثالاً بموقف تصطدم فيه «شاحنة ذاتية القيادة» على نحوٍ غير متوقع بجسم سقط على الطريق السريع، لتفقد السيطرة وتكون حينها بين خيارين؛ إما الانحراف فجأة يميناً إلى مسارٍ مُخصص للمشي، حيث تسير أمٌ بصحبة أطفالها، أو الاتجاه يساراً حيث يعبر ثلاثة من كبار السن الطريق. وقال إنه في حال وجود شخص يتولى زمام القيادة، فسيتحتم عليه اتخاذ قرار بالغ الصعوبة في لحظة، لكن في حالة الشاحنة ذاتية القيادة؛ فستحمل الخوارزميات التي أعدها المطورون هذه القرارات مُسبقاً. وأضاف: «من سيقبل مثل هذا القرار الذي يُضحي بثلاثة من المسنين بدلاً من أم وأطفالها؟».
نيفادا وكاليفورنيا
ويرى خبير النقل في جامعة «إمبريال كوليدج» البريطانية، سكوت لوفين، أن النتيجة اللازمة لذلك ستكون سيلاً لا ينتهي من الدعاوى القضائية على شركات السيارات، الأمر الذي سيُبعد المستهلكين والمستثمرين عنها. ومع ذلك، يعتقد لوفين بإمكانية التوصل لطريقة للتغلب على هذه المشكلة.
ولفت إلى أن ما يحتاجه المبرمج هو اتباع معيار كلاسيكي يصف السلوك المعقول، مشيراً إلى أنه سيكون على مُعدّي القوانين تحديد ذلك بوضوح؛ فيكون السؤال حول ما سيقوم به رجل عاقل في موقف مماثل، وإذا ما أمكن تطبيقه عند تطوير الخوارزمية، فسيعني ذلك أداء واجب الرعاية. وتُبرر مثل هذه المشكلات موافقة ولايتين أميركيتين فقط من بين 50 ولاية، هما نيفادا وكاليفورنيا، على منح تراخيص لاختبار عمل المركبات الآلية على الطريق العام، واشترطت كلتاهما وجود سائقين لأغراض السلامة. وفي الوقت الراهن تسعى ولايات أميركية ودول أخرى لتحديث قوانينها للتوافق مع التطورات الجارية، ويتوقع كلٌ من لوفين وبيرنهارت تزايد التقبل العام للفكرة مع اتضاح مزاياها. وأشار بيرنهارت إلى تجربة مختلف الشركات المُصنعة للسيارات حالياً لإحدى أشكال تقنيات القيادة الآلية للسيارات، كما قد تراوح قيمة سوق العتاد والبرمجيات الخاصة بالسيارات ذاتية القيادة بين 40 و60 مليون دولار بحلول عام 2030.
الإمارات اليوم