مع انتشار ظاهرة التباعد الاجتماعي بين البشر، بسبب وباء كورونا الذي أصاب حتى الآن 46 مليون شخص وأدى إلى وفاة 1.2 مليون منهم حول العالم، كان طبيعيا أن تتدخل الروبوتات لتحل مكانهم في ملء أدوار رئيسة في حياتهم، مثل تعقيم المستودعات وعنابر المستشفيات، والتعامل مع عينات المختبرات، والعمل في التطبيب عن بعد.
الخوف من الوباء أدى إلى تقبل الناس للمساعدة الروبوتية، وهم لا يمانعون اليوم التنقل بسيارات أجرة ذاتية القيادة، واستلام طلباتهم ومن بينها طعامهم عن طريق الروبوت لتقليل خطر الإصابة بالعدوى. ومع تزايد حلول الآلات الذكية في الأماكن الشاغرة في المجال العام، كان على الخبراء إعادة التفكير ليس فقط في كيفية ملاءمة الروبوتات مع المجتمع، ولكن العكس أيضا، أي إجراء تغييرات في البنية الاجتماعية لاستيعاب هذه الروبوتات الجديدة العاملة.
في كتابهما الجديد “ماذا تتوقع من الروبوتات: مستقبل التعاون بين الإنسان والروبوت” الصادر عن دار “بيسك” الشهر الماضي، تصدت المهندستان جولي شاه ولورا ميجور لحث المصممين على التفكير بهذه المهمة.
تعمل شاه أستاذا مساعدا في علم الطيران والملاحة الفضائية في معهد “ماساتشوستس للتقنية”، ونائب عميد كلية “شوارزمان” للحوسبة للشؤون الاجتماعية والأخلاقية، وتعمل ميجور مديرة تقنية تنفيذية لمشروع “موشونال”، وهو مشروع لتطوير سيارات ذاتية القيادة، تدعمه شركتا هيونداي وأتبيف. المثير في النظرية التي تطرحها الكاتبتان، أن الروبوتات لن تعمل من أجلنا بعد الآن، بل هي ستعمل معنا. أي بعبارة أخرى، أن روبوت المستقبل لن يكون أجيرا بل شريكا.
روبوتات المستقبل ستكون أقل شبها بالأدوات المبرمجة لتنفيذ مهام محددة في بيئات خاضعة للرقابة، مثلما هو الحال في المصانع المؤتمة، بل ستكون أشبه بشريك، يتفاعل ويتعامل مع الناس، في عالم حقيقي أكثر تعقيدا وفوضى. لهذا، تقول شاه وميجور إن على الروبوتات والبشر إقامة علاقة تفاهم متبادل في ما بينهم.
وتوضح شاه “إن الكتاب، في جزء منه، يتحدث عن تصميم الأنظمة الروبوتية، التي تفكر أكثر مثل البشر، وتفهم الإشارات الاجتماعية الدقيقة جدا، والتي تسهل عمل عالمنا، وهو يركز أيضا على كيفية هيكلة الطريقة التي نحيا بها، بدءا بممرات المشاة، وصولا إلى الأعراف الاجتماعية، بطريقة تتيح للروبوتات أن تعيش بشكل أكثر فعالية في عالمنا”.
ومع دخول الروبوتات بشكل متزايد إلى الأماكن العامة، فإنها قد تفعل ذلك بأمان إذا كان لديها فهم أفضل للسلوك البشري والاجتماعي. فإن أردنا، على سبيل المثال، توظيف روبوت لتوصيل الطرود لمنزل في شارع مزدحم، فسيحسب الروبوت أبعاد الرصيف والعوائق الموجودة في طريقه مثل أعمدة الإنارة، لكن ماذا لو اقترب الروبوت من شخص يقود عربة أطفال ويحمل فنجان قهوة في يده؟ يسمح الموظف البشري عادة لهذا الشخص بالمرور، لكن هل يستطيع الروبوت أن يفعل ذلك ويغير مساره؟
تجيب شاه على هذا التساؤل بالإيجاب، فهي تعتقد أن الروبوتات قادرة على ذلك، بل هي تعمل على تطوير هذه الميزة، بصفتها رئيسة لمجموعة تطوير الروبوتات التفاعلية، التي تعمل على تطوير أدوات لمساعدة الروبوتات على فهم السلوك البشري والتنبؤ به، مثل المكان الذي يتحرك فيه الأشخاص وما يفعلونه ومع من يتفاعلون في الواقع، وطورت هذه المجموعة أدوات يمكنها التعرف على البشر والتعاون معهم في بيئات مثل أرض المصنع وجناح المستشفى. وتأمل أن يتم نشر الروبوتات المدربة على قراءة الإشارات الاجتماعية بأمان أكبر في الأماكن العامة غير المنظمة.
وساعدت ميجور في تطوير روبوتات، تعمل بأمان وموثوقية في العالم الحقيقي، وخارج البيئات المنظمة، خاصة تلك الموجودة في السيارات ذاتية القيادة. وتعرفت ميجور على شاه للمرة الأولى في مؤتمر للروبوتات قبل حوالي العام، وتستذكر قائلة “كنا نعمل في قطاعات مختلفة، فأنا أعمل في المجال الصناعي وشاه في المجال الأكاديمي، لكن كلا منا كان يحاول تأكيد أهمية استيعاب الآلات والروبوتات في حياتنا، ومن هنا بدأت بذور كتابنا الجديد تنمو بسرعة”.
وتصف المهندستان في كتابهما الطرق التي يتوقع أن تدرك الروبوتات والأنظمة الآلية من خلالها سلوك البشر، وطريقتها في العمل معهم، والطرق التي قد تتغير من خلالها بيئتنا وبنيتنا التحتية لاستيعاب الروبوتات. إذ يمكن لمدينة صديقة للروبوتات، ومصممة لإدارتها وتوجيهها، أن تتجنب سيناريوهات مثل الحادثة التي حصلت في سان فرانسيسكو خلال عام 2017، عندما تسببت الروبوتات في حصول ازدحام على أرصفة المدينة، وشكلت خطرا غير متوقع على كبار السن، ما دعا المشرعين في نهاية المطاف إلى فرض لوائح صارمة تحدد عدد الروبوتات المسموح بها في المدينة، وهي خطوة أدت إلى تحسين السلامة، ولكنها أثرت على نطاق استخدام الروبوتات.
واقترحت المؤلفتان تخصيص ممر مخصص للروبوتات على غرار ممرات الدراجات لتجنب الحوادث بين الروبوتات والبشر، بالإضافة إلى تطوير نظام لتنظيم الروبوتات في الأماكن العامة مثل الأنظمة التي تستخدمها الطائرات لتتبع بعضها البعض أثناء الطيران، إذ أنشئت وكالة الطيران الفيدرالية بعد اصطدام كارثي بين طائرتين، ما شكل ضرورة في تنظيم حركة الطائرات في السماء.
ويمكن تزويد الروبوتات بأجهزة استشعار تمكنها من رؤية بعضها البعض والاتصال في ما بينها، بغض النظر عن منصة البرامج أو الشركة المصنعة، ما يساعدها على الابتعاد عن مناطق معينة وتجنب الحوادث والازدحام. ويمكن أيضا استخدام أجهزة إرسال واستقبال للأشخاص المسؤولين عن تنظيم حركة الروبوتات، فمثلا بإمكان الحراس استخدام هراوات شبيهة بهراوات شرطة تنظيم المرور، يشيرون بها إلى أي روبوت قريب للتوقف مؤقتا حتى يستطيع الأطفال، على سبيل المثال، اجتياز الشارع بشكل آمن.
سواء كنا مستعدين لها أم لا، مؤكد أن الروبوتات قادمة لتشاركنا أرصفة المشاة وتتسوق إلى جانبنا في محلات البقالة وتشاركنا منازلنا، وكما يوحي عنوان الكتاب، فإن التحضير لهذه الإضافات الجديدة للمجتمع سيحتاج إلى بعض التغييرات الرئيسة في تفكيرنا وفي البنى التحتية.
ووفق الكاتبتين “نحتاج إلى مدرسة لتربية الطفل ليكون عضوا منظما جيدا في المجتمع والاستفادة من إمكاناته الكاملة، وكذلك الأمر بالنسبة للروبوتات”.
صحيفة العرب