يشيع حدوث الأعاصير في الغلاف الجوي السفلي للأرض، وتتمثل في ظروف مناخية قوية تدور حول محور هادئ نسبيا، مصحوبة برياح قوية وأمطار غزيرة، ويمكن أن تتسبب في أضرار هائلة في وقت قصير جدا. كما أنها شائعة في كواكب أخرى أيضا، فكواكب المشتري وزحل -على وجه الخصوص- هي كواكب مضطربة للغاية، ناهيك عن هدير أعاصير البلازما في أعماق الغلاف الجوي للشمس.
ولكن، ولأول مرة، قام فريق دولي برصد إعصار في الغلاف الجوي العلوي للأرض، ونشر الفريق نتائج دراسته في دورية نيتشر كوميونيكيشنز Nature Communications. وتشير دراستهم إلى أنه في عام 2014 سجلت الأقمار الصناعية فيضا من البلازما يمتد عالياً في الغلاف المغناطيسي للأرض، استمر لساعات قبل أن يختفي. ورغم أننا لم نشهد شيئا كهذا من قبل، فإن رصده يشير إلى أن ما يسمى بالأعاصير الفضائية يمكن أن تكون ظاهرة كوكبية شائعة.
مشاهدات جديدة
يقول مايك لوكوود، عالم فيزياء البيئة الفضائية بجامعة ريدينغ (University of Reading) البريطانية في البيان الصحفي الصادر عن الجامعة يوم 1 مارس/آذار الجاري “حتى وقتنا هذا، لم يكن من المؤكد وجود أعاصير فضائية من البلازما، لذا فإن رصدها يعد أمرا لا يصدق”. وتكشف المشاهدات الجديدة أن الأعاصير الفضائية لا تختلف عن مثيلاتها في الغلاف الجوي السفلي. وكانت الاكتشافات السابقة قد رصدت عام 2014 من خلال تحليل مرجعي بقيادة جامعة شاندونغ (Shandong University) الصينية. ووفقا للبيانات حينها، فقد ظهر الإعصار فوق القطب الشمالي للأرض وامتد قطره إلى ألف كيلومتر، وكان ارتفاعه يتراوح من 110 كيلومترات إلى 860 كيلومترا.
وتتألف من بلازما ذات دوامات متعددة، تدور عكس عقارب الساعة بسرعة تصل إلى 2100 متر في الثانية، ومع ذلك كان المحور ثابتا تقريبا، تماما كما هو الحال في الأعاصير على الارتفاعات المنخفضة. وعلى عكس الأعاصير الأخرى، فإن الإعصار الفضائي ضخ إلكترونات في طبقة الأيونوسفير، وكان لهذا تأثير مذهل، شفق قطبي ضخم على شكل زوبعة تحت الإعصار، واستمرت هذه الظاهرة قرابة 8 ساعات، وأدت إلى تراكم كميات هائلة من الطاقة ونشاط في طبقة الأيونوسفير.
استخدام النمذجة
كانت الظروف بخلاف ذلك هادئة، الأمر الذي شكل لغزا، حيث إن هبوط جسيمات مشحونة في طبقة الأيونوسفير من الرياح الشمسية هو ما ينتج عنه عادة شفق أخضر متوهج عند القطب الشمالي، لكن الظروف الشمسية في ذلك الوقت كانت هادئة نسبيا، لذلك لجأ الفريق إلى النمذجة لتحديد سبب اضطراب البلازما. وكما أوضح لوكوود في البيان فإن “العواصف المدارية مرتبطة بكميات هائلة من الطاقة، وهذه الأعاصير الفضائية يجب أن تنشأ عن طريق انتقال كبير وسريع بشكل غير عادي لطاقة الرياح الشمسية والجسيمات المشحونة إلى الغلاف الجوي العلوي للأرض”.
نحن نعلم أن إعادة الاتصال المغناطيسي يمكن أن ينقل طاقة الرياح الشمسية إلى الغلاف المغناطيسي وطبقة الأيونوسفير، لذلك قام الفريق بنمذجة هذه العملية ووجدوا أن إعادة الاتصال المغناطيسي بين الكواكب يمكن أن ينتج عنه الخصائص التي لاحظوها في إعصار الفضاء، حتى عندما تكون الرياح الشمسية هادئة. وفي الواقع، قد تكون الرياح الشمسية الهادئة هي السبب، فهي تسمح بإعادة الاتصال المغناطيسي بشكل أكثر كفاءة، وهذا يعني أيضا أن مثل هذه العواصف قد تكون شائعة جدا.
يقول لوكوود “البلازما والمجالات المغناطيسية في الغلاف الجوي للكواكب موجودة في جميع أنحاء الكون، لذا فإن النتائج تشير إلى أن الأعاصير الفضائية يجب أن تكون ظاهرة واسعة الانتشار”.
دلالات أخرى
هناك دلائل في نتائج البحث لها علاقة بالأرض أيضا، فمعرفة أن الشفق القطبي يمكن أن يكون نتاجا لأعاصير الفضاء، وكيف يبدو هذه الشفق القطبي، يمكن أن يساعدنا في تحديد عواصف أخرى مماثلة في المستقبل. كما تظهر هذه الدلائل أنه حتى عندما تكون الظروف المغناطيسية الأرضية هادئة نسبيا، يمكن للفضاء أن يشن طقسا قاسيا، يمكنه أن يؤثر في الحياة على الأرض وعلى ارتفاع منها.
يقول عالم فيزياء الفضاء والباحث الأول في الدراسة “تشينغ هي شانغ” من جامعة شاندونغ في التقرير الذي نشره موقع يوريك ألرت Eurek Alert “وفقا للدراسة فإنه لا يزال هناك اضطراب قوي في المجال المغناطيسي للأرض وتراكم للطاقة مماثل لذلك الذي يحدث أثناء العواصف الفائقة، الأمر الذي سيرتقي بفهمنا لعملية اقتران الرياح الشمسية والغلاف المغناطيسي والأيونوسفير، في ظل ظروف مغناطيسية أرضية هادئة للغاية.
ويضيف قائلا “إضافة إلى ذلك، سيؤدي الإعصار الفضائي إلى تأثيرات مناخية هامة مثل زيادة حدوث انخفاض في مدار الأقمار الصناعية (satellite drag)، واضطرابات في الاتصالات اللاسلكية عالية التردد، وزيادة الأخطاء في الأنظمة الرادارية واسعة النطاق (Over the Horizon Radar) وأنظمة الملاحة والاتصال عبر الأقمار الصناعية”.
الجزيرة