تطور تقنيات تخزين الطاقة وتراجع الطاقة النووية

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » تطور تقنيات تخزين الطاقة وتراجع الطاقة النووية

تطور تقنيات تخزين الطاقة وتراجع الطاقة النووية

مع استمرار التطور الحاصل في تقنيات تخزين الطاقة، ربما نكون قريبين من اليوم الذي ستحل فيه مصادر الطاقة المتجددة، محل الطاقة النووية كبديل مفضل للوقود الأحفوري.

وتوصف الطاقة النووية على لسان مؤيديها وأنصارها ببديل الوقود الأحفوري الموثوق والنظيف. وهنا يشيرون تحديداً، إلى الطاقة النووية ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة. لكن مخاوف الأمن والسلامة النووية، إلى جانب تكاليف إنشاء المباني وصيانة المنشآت المرتفعة، ومشكلة التخلص من النفايات النووية، تجعلها أقل جاذبية.

وقد لوحظ تزايد اهتمام الرأي العام بمخاطر الطاقة النووية منذ كارثة محطة فوكوشيما في عام 2011 في اليابان، لكن، قد يتبين في النهاية أن الكلفة هي سبب هجر الطاقة النووية.

إن كلفة الطاقة النووية مرتفعة، فبناء منشأة نووية جديدة في أميركا تقدر كلفته بـ9 مليارات دولار تقريباً، وليس من المتوقع أن تنخفض في الأعوام المقبلة. في هذه الأثناء، تتراجع كلفة توليد الطاقة المتجددة من الشمس والرياح على نحو ثابت. وعلى أي حال، تظهر إلى الآن عقبات أمام استبدال الطاقة النووية كلياً بمصادر طاقة متجددة أخرى.

لكن تكمن القضية الأبرز في الطبيعة المتقطعة لطاقة الشمس والرياح؛ إذ عادة ما يذكر مؤيدو الطاقة النووية ومناصروها قدرتها على الاستجابة للحد الأدنى من الطلب على الطاقة الكهربائية، مقارنة بالتفاوت الذي يعتري طاقة الشمس والرياح. فيما تزيد مساعي تخزين الطاقة من فرص دوام مصادر الطاقة المتجددة، عبر ضبطها لذلك التفاوت والحفاظ على ثبات إمدادات شبكة الكهرباء، موفقة بين العرض والطلب. ومن جهة المنتجين، فإن القدرة على تخزين الطاقة عامل رئيس لجني الربح من مصادر الطاقة المتجددة.

وبالرغم من الأثر النظيف لنشاط تخزين الطاقة، يظل مؤيدو الطاقة النووية متشائمين من تكاليف هذه التقنية، ويؤكدون انتفاء جدواها الاقتصادية في المستقبل القريب. لكن تخزين الطاقة لا يزال يوصف حتى الآن بأنه نشاط ذو جدوى اقتصادية تحت ظروف محددة. كما تشهد أسعار كل تقنيات التخزين المتاحة تقريباً انخفاضات ملموسة في تكاليفها.

لقد انخفض متوسط أسعار نظم تخزين الطاقة للمساكن والمعتمد على بطاريات ليثيوم-ايون بنسبة %60 تقريباً، ابتداء من الربع الـ4 من عام 2014 إلى الربع الأول من عام 2017. بينما أشار تقرير حديث أعدته شركة الاستشارات الإدارية العالمية (McKinsey & Company) إلى احتمال انخفاض متوسط تكاليف نشاط تخزين الطاقة إلى 200 دولار لكل كيلوواط في الساعة- أقل من نصف السعر الحالي-في عام 2020، وإلى 160 دولار لكل كيلوواط في الساعة بحلول عام 2025.

كما وجد التحليل أن من المربح، في ظل بعض الظروف، إتاحة تقنية تخزين الطاقة للعملاء من الشركات والمؤسسات، في سبيل إدارة تكاليف الطلب على الطاقة الكهربائية أثناء أوقات الذروة، وتخزين الطاقة الكهربائية الزائدة- المتولدة أثناء أوقات الذروة، لغايات ضبط تفاوت إمدادات مصادر الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة الشمسية الفائضة على نطاق محدود لاستهلاكها لاحقاً.

في حين توصف الفوائد الاقتصادية من تخزين الطاقة اليوم، بأنها الأوفر في أسواق الكهرباء الحرة من القيود والمحددات، حيث يسعر الطلب على الكهرباء في أوقات الذروة بمقدار أعلى، ويمكن لنشاط تخزين الطاقة تخفيض فاتورة الكهرباء عبر إتاحتها أثناء أوقات الذروة، كذلك يضفي نشاط تخزين الطاقة المزايا في الأسواق المنظمة بقوانين وتعليمات في الدول النامية، في مجال خدمات نقل الطاقة الكهربائية وتوزيعها تحديداً.

وتتزامن التحسينات الطارئة على التقنية وهبوط الأسعار في قطاع تخزين الطاقة، مع اتجاهات حديثة عدة تجعل من توليد الطاقة النووية نشاطاً أقل جاذبية.

إن أحد هذه الاتجاهات الحديثة، هو الميل إلى الإكثار من الاعتماد على الطاقة المتجددة في أسواق الطاقة الكهربائية الحرة من القيود والمحددات على وجه الخصوص. فإذا استمر هذا التوجه، مع تزايد الحاجة إلى تخزين الطاقة، ستتعاظم الحاجة إلى مصادر طاقة مرنة وقادرة على الاستجابة للحمل الكهربائي، أو قادرة على ضبط إنتاجها وفقاً لتفاوت الطلب على الطاقة الكهربائية. وإلى حين نضوج تقنيات تخزين الطاقة واكتمال ملامحها، فالغاز الطبيعي أكثر فاعلية بكثير من الطاقة النووية لهذا الغرض.

ومع تزايد اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة، يظهر ميل إلى توليد الطاقة الكهربائية على نحو لا مركزي، مما يتيح خياراً مرناً ضمن مجموعة متنوعة من طرق توزيعها. بينما تتمثل استجابة قطاع الطاقة النووية لهذا الاتجاه ببناء مفاعلات نووية معيارية صغيرة، لكن مستقبل محطات توليد الطاقة الكهربائية الصغيرة غير مبشر، بسبب تكاليفها المرتفعة وقلة الطلب عليها.

ستظل تقنيات الطاقة المتجددة وتخزينها، وهي تنضج وترسخ حضورها، أكثر فاعلية من حيث الكلفة، وستستخدم في مجالات أكثر. في أثناء ذلك، من المرجح بقاء الطاقة النووية مرتفعة التكاليف، فضلاً عن مخاوف الأمن والسلامة ومعضلة التخلص من نفاياتها. وبالتالي ينبغي لصانعي السياسات الذين يفكرون في اعتماد الطاقة النووية، بدراسة هذه الجوانب والمؤثرات وتقييمها ملياً، والنظر إلى الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات تخزين الطاقة من منظور أكثر جدية.

علي أحمد – فوربس ميدل ايست

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *