المصانع المستقبلية تغير قواعد اللعبة في التجارة والأعمال

الرئيسية » إعلام ورقميات » المصانع المستقبلية تغير قواعد اللعبة في التجارة والأعمال

ساهم اندماج الإنترنت والمصانع في بروز مصانع ذكية وتطوير عملية تصنيع أكثر نجاعة وأقل تكلفة. وبدأ مع زحف التكنولوجيا على المصانع الحديث عن استبدالها باليد العاملة البشرية، وهو أمر مازال محل جدل على الأقل على المدى القصير حيث يبقى الحضور البشري مسيطرا.

ويشير الخبراء إلى أن هناك حالة من التناغم بين الإنسان والآلة تظهر في تطور علميات الإنتاج وتعد بمصانع مستقبلية تغير قواعد اللعبة في عالم الأعمال.

ويذهب في هذا الاتجاه عالم المستقبليات ريتشارد فان هوجدونك الذي يقول “بعيدا عن خلق أماكن عمل تعوّض فيها الروبوتات البشر، يمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تجعل العمل أقل رتابة وأكثر تنوعا وتشريكا للعامل”.

ويشدد هوجدونك في تحليل نشره مركز التفكير العلمي supplychainbrain على أن لدى منظومات الإنتاج الجديدة المعتمدة على المعطيات أداء أكبر يتراوح بين 20  و50 بالمئة. وتتواصل الآلات والبرمجيات والمنتجات في مصانع الثورة الصناعية الرابعة مع بعضها البعض في كل نقطة من عملية التصنيع، فهي تنتج المعلومات وتتبادلها في ما بينها ومع العمال عبر تكنولوجيات مثل المستشعرات وتحليلات المعطيات وإنترنت الأشياء وحوسبة الكلاود وعلم الروبوتات والذكاء الاصطناعي. ويمكّن هذا المصانع الذكية من التأقلم مع الطلبات في الوقت الفعلي وتوفير منتجات مشخصنة بشكل كبير.

زيادة على ذلك يمكن للآلات أن تحيّن نفسها بشكل آلي عبر الإنترنت وتتصل بمختص لمعالجة المشكلات الطارئة. وتمكن المستشعرات الذكية من تقفي المتقدم للمنتجات والاستعادة السريعة لها في حالة الإخفاق. ومثل هذا الثراء في المعطيات يمكّن الشركات من مزيد الحصول على الجدوى القصوى من عملياتها مما يحفز نمو سوق المصانع الذكية التي ستبلغ قيمتها 244.8 مليار دولار بحلول سنة 2024.

ويعني تحول عمليات الإنتاج أيضا أن عهد المخزونات الكبيرة على وشك الانتهاء، إذ تمكن التكنولوجيات الرقمية الشركات من خلق سلاسل تزويد مترابطة وإنتاج القطع وشحنها فقط حسب الحاجة. وباستطاعة الروبوتات تلقي الطلبات وفرزها والتعامل معها بشكل أنجع من العمال من البشر، بينما بمقدور المهندسين استخدام التحليلات التنبؤية لتوقع المخاطر وسلوك الزبائن. ويمكن لأجهزة إنترنت الأشياء مثل المستشعرات تلقيم البرمجيات من إنتاج الذكاء الاصطناعي بالمعلومات التي تحتاجها من أجل توفير طرق للتقليل من أوقات التوصيل. وفي يوم ما قد نرى شاحنات ذاتية القيادة على الطرق السريعة تقوم بتوصيل المنتجات في كافة أنحاء العالم.

ويستشهد هوجدونك في تحليله بعدة أمثلة منها مثال شركة برهنت بروكتر وغامبل، وهي شركة متعددة الجنسيات مختصة في السلع الاستهلاكية، برهنت سياستها إلى أي مدى يمكن للمصانع الذكية أن تكون ناجعة.

وينتج مصنع راكونا التابع لها الموجود في الجمهورية التشيكية سوائل تنظيف أواني الطبخ ومعززات الأنسجة. وفي الفترة الممتدة من 2010 و2016 مرت بتغييرات مهمة وكان على الإدارة الترفيع في القدرة على إنتاج المنتوجات السائلة وخفض التكاليف وجذب مشاريع جديدة. ولتحقيق تلك الأهداف تم إدخال عدد من التكنولوجيات المجددة، وكان بعضها مثيرا للإعجاب أكثر من غيره. مثلا، تم إدخال أداة رقمية جديدة لتمكين المدراء من تخطيط المهام وتتبع تنفيذها، وكذلك أصبحت هذه المنظومة الآن تظهر قياسات أداء العمال، وهذا رفع من موثوقية العمليات ونجاعة الآلات.

وتوجد مستشعرات تتولى آليا مراقبة قيمة الحامضية واللون واللزوجة وتفاصيل أخرى عن المنتوج، وهو ما يجعل من عملية أخذ العينات يدويا أمرا غير ضروري ويمكّن العاملين من ملاحظة الانحرافات في الجودة في الوقت المناسب. وكذلك يستعمل نظام تعليب جديد مجهز بمستشعرات وكاميرات وماسحات ضوئية إضافة إلى نظام تغليف مما يمكّن من إدخال تغييرات في الوصفات على عملية التعليب حتى عندما يكون خط الإنتاج في حالة اشتغال.

واستفاد مصنع راكونا خصوصا من برمجية تزامن سلسلة التزويد المرتكزة على الواب، وهي برمجية تمكن المدراء من اختبار كيف تؤثر الظروف المختلفة على سلسلة التزويد، وكشف الاختناقات في عمليات التصنيع وتسليم المنتجات من أجل التسويق السريع. ونتيجة لكل هذه الإجراءات خفضت الشركة من المخزون بنسبة 43 بالمئة والتكلفة الكاملة في المنشأة بنسبة 20 بالمئة. والأكثر من ذلك رفعت الإنتاجية بنسبة 160 بالمئة ورضا الزبائن بنسبة 116 بالمئة.

ويشير هوجدونك إلى أن عمليات التجديد في التصنيع تجبر الشركات على إعادة التفكير في الطريقة التي تدير بها نقل المنتجات أيضا. ومن أجل بلوغ تلك الغاية تعتبر خطط أعدتها شركات من مثل أوبر وتسلا لتطوير شاحنات كبيرة ذاتية القيادة علامة على الأشياء التي ستأتي مستقبلا وقد تكون هذه السيارات في يوم ما قادرة على توصيل السلع باستقلالية وتقديم الفواتير للزبائن. كما تعالج التكنولوجيا الإخلالات في سلاسل التزويد العالمية بما أن المصانع الذكية تتطلب النقل السريع للسلع. ولبلوغ تلك الغاية طورت كل من ‘آي.بي.أم’ وشركة الشحن العملاقة مايرسك ‘ترايد لنس’، وهي منصة معتمدة على نظام بلوكتشين تجمع كلا من الشاحنين والموانئ ومكاتب الجمارك في شبكة واحدة.

لكن، يلفت هوجدونك في نهاية تقريره إلى أن منافع المصانع الذكية واضحة لكن استخدام الحلول المتطورة لفائدة المصانع مهمة صعبة تطرح عدة تحديات. أكثر من سبعين بالمئة من الشركات التي تستثمر في تكنولوجيات مثل المعطيات الكبرى أو الذكاء الاصطناعي أو الطباعة ثلاثية الأبعاد أخفقت في أخذ المشروع إلى ما أبعد من المرحلة التجريبية. وأحد الأسباب لهذا السجل هو كون العاملين الحاليين ليسوا بحاجة لتحسين مهاراتهم فقط بل على الشركة كذلك توظيف عدد من خبراء البرمجيات والهندسة من الصعب إيجادهم في حالات كثيرة.

كذلك هناك حد لعدد الحلول التكنولوجية التي يتوجب على الشركة استخدامها. وفي هذا السياق يحذر الخبير في الثورة الصناعية الرابعة، فرانك بيلر، الشركات بعدم “تحويل قوتها العاملة إلى ‘سايبورغات’ أو ترك التكنولوجيا تقود العامل، بل عليها أن توفر لقوتها العاملة صندوق معدات لجعل عملها أكثر نجاعة وأكثر متعة”.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *