الغاية المنشودة للعمل المستقبلي

الرئيسية » تربية وتكوين » الغاية المنشودة للعمل المستقبلي

الغاية المنشودة للعمل المستقبلي

يعد فهم مستقبل العمل من الأمور الصعبة إن لم تكن مستحيلة، فوفقاً لمؤسسة ماك آرثر فاونديشن سيتم توظيف 65% من أطفال المدارس اليوم في نهاية المطاف في وظائف ليست موجودة على أرض الواقع الآن.

وفي حين تستمر التكنولوجيا والعولمة والكثير من العوامل الأخرى في إعادة تعريف ماهية العمل، إلا أن ثمة شيء واحد ثابت وهو الحاجة للمهارات الشخصية أو «مهارات الحياة». ومن الأمور المألوفة للعاملين بالوظائف المهنية في الوقت الحالي النقاش مع الأقران والعصف الذهني والتعاون، إلا أننا لا يمكننا أن نفترض أنه يمكن اكتساب هذه المهارات بسهولة وخاصة بالنسبة لملايين الطلاب دون الحصول على التدريبات المناسبة وموارد التخطيط الجيد للحياة الأكاديمية والمهنية. والحق أن الفجوة العالمية المتزايدة في المهارات تشير إلى أن الكثير من العاملين الشباب يخفقون بالفعل في اكتساب هذه المهارات.

ووفقاً لمكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل، يتمتع الاقتصاد الأميركي بحوالي 5.9 ملايين فرصة عمل جديدة، في الوقت الذي يظل فيه حوالي 7.8 ملايين شخص دون عمل. وفي أوروبا بلغ عدد الأشخاص العاطلين عن العمل 5.6 ملايين شاب وشابة، بالإضافة إلى وجود مليوني شخص لا يعملون ولا يدرسون.

وفي حين يعبر الكثير من الشباب على مستوى العالم عن حماستهم للعمل، إلا أن الكثير من الشركات تذكر أنها تعاني كثيرًا في العثور على أشخاص يحملون المؤهلات المناسبة لفرص العمل المتاحة. فعلى سبيل المثال، انتهت دراسة أجريت مؤخراً في شرق أفريقيا إلى أن 63% من الخريجين الجدد «يفتقرون إلى مهارات السوق الوظيفية».

ولا ريب أن الفجوة في المهارات مكلفة للغاية، إذ من المقدر أن تكلف الاقتصاد الصيني حوالي 250 مليار دولار سنوياً، بينما تصل التكلفة السنوية لتلك الفجوة في الولايات المتحدة الأميركية إلى 160 مليار دولار في الوقت الذي تخسر فيه الشركات 14,000 دولار مقابل كل وظيفة تظل شاغرة لمدة أطول من ثلاثة شهور كما يتحمل دافعو الضرائب تكلفة التأمين ضد البطالة وغيرها من برامج شبكة الأمان. وتكلف الفجوة في المهارات المملكة المتحدة وأستراليا، على التوالي، 29 مليار دولار و6 مليارات دولار سنوياً.

عندما تظل الوظائف شاغرة لمدة طويلة جداً، فإنه من المرجح أن تسند هذه الوظائف بشكل دائم إلى الدول ذات التكلفة الأقل بالنسبة للعمالة أو الدول التي تتمتع بعدد أكبر من أصحاب المهارات والمواهب. والحق أن هذا الاتجاه يهدد الآن الاقتصادات التي تتمتع تقليدياً بالاستقرار، فوفقًا لبعض التقديرات، لن يتمتع قرابة 23 مليون عامل في الاقتصادات المتقدمة بحلول 2020 بالمهارات الصحيحة التي تمكنهم من الحصول على وظائف جيدة مربحة.

في الوقت نفسه، تستمر الخرافة القائلة بأن المهارات الشخصية أمر فطري وأن ما نحصل عليه بالتلقي والتعليم هي المهارات الفنية فقط في زيادة الفجوة في المهارات. وواقع الأمر يشير إلى أنه يمكن تطوير الصفات التي تبدو مجردة مثل القدرة على حل المشكلات وأخلاق العمل والوعي الذاتي ضمن الإطار الصحيح وباستخدام الأدوات الصحيحة.

لا يستطيع الكثير من الطلاب تحديد المهارات التي يفتقرون إليها تحديدًا دقيقًا، إلا أنهم يدركون تمامًا افتقارهم إلى الثقة بالنفس نتيجة لذلك. ومثال على ذلك الطالبة آبي التي تقطن في مدينة بوسطن والتي وجدت صعوبات في حياتها المنزلية وكانت تؤمن بأنها لن تصبح ناجحة في يوم من الأيام. وبعد حصولها على بعض برامج التوجيه والتدريب البسيطة التي أجرتها منظمة College For Every Student (إحدى المؤسسات غير الربحية التي أسستها مؤسسة جي إي فاونديشن) تمكنت من تعلم المهارات الأساسية وزادت ثقتها في نفسها، ما أثار بداخلها القدرة على تطوير الذات.

الواقع أن الفجوة في المهارات أوسع لدى الشباب الذين ينتمون إلى أسر منخفضة الدخل، ويفتقرون إلى حد كبير إلى الفرص التعليمية والوظيفية. وتشير الإحصائيات إلى أن 9% فقط ممن ينتمون إلى هذه الفئة السكانية المحرومة يحصلون على درجة جامعية، في الوقت الذي تعد فيه الدرجة الجامعية شرطًا أساسيًا للالتحاق بمعظم الوظائف ضمن الاقتصاد الحالي. وبحلول 2018، سيتطلب الحصول على أكثر من 60% من أصل 47 مليون وظيفة شاغرة جديدة في الولايات المتحدة اجتياز مرحلة التعليم ما بعد الثانوية. وفي أوروبا، أقل من 25% من الطلاب يشعرون بأنهم قد حصلوا على المعلومات الكافية التي تؤهلهم للحصول على فرص التعليم ما بعد الثانوي. إن الفجوة في المهارات والفجوة في الفرص أمران متلازمان. فإذا لم نحسن فرصة الوصول إلى التعليم في المستوى الجامعي واكتساب المهارات المطلوبة للحياة المهنية للشباب من جميع الفئات الاقتصادية، ستتسع الفجوة في المهارات، وسيستمر تدهور حالة عدم المساواة مع انعكاسات واضحة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

لحسن الحظ، هذه المشكلة يمكن حلها، إذ يتطلب ضمان صحة واستقرار الاقتصاد المستقبلي في حقبة من التغيير غير المسبوق زيادة فرصة الحصول على التعليم وفرص التدريب على المهارات لجميع المشاركين في القوى العاملة المستقبلية وليس مجرد استهداف قلة مختارة منهم، وذلك بالحد الأدنى.

وأياً كان النهج الذي ننتهجه، لا بد أن يكون تعاونياً وشاملاً، بما يضمن تعلم الشباب المهارات الشخصية التي سيحتاجونها بالفعل في جميع السيناريوهات المستقبلية. ومع التمويل المستهدف وإطار العمل الاستراتيجي المشترك، يمكن للحكومات والمؤسسات التعليمية والشركات سد الفجوة في المهارات فيما يخص الجيل الحالي من الشباب والأجيال المستقبلية.

إن شباب اليوم يتسمون بالتنوع ويتحلون بالذكاء ويتصفون بعزمهم على التصدي للتحديات التي تواجه القوى العاملة المستقبلية. والمسؤولية ملقاة على عاتق المؤسسات العامة والخاصة من أجل تعليم طلاب اليوم كيفية الاستعداد لمواجهة لتلك التحديات.

ومع تبني الاستراتيجية الصحيحة، يمكننا مساعدة ملايين من الشباب على ضمان الحصول على موطئ قدم لهم في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، فكل طالب يعمل على تطوير مهاراته الشخصية اليوم، سيكون لديه فرصة لتغيير العالم إلى ما هو أفضل في العقود القادمة وهو مستقبل سنستفيد منه جميعاً.

كيلي ويلز: المديرة التنفيذية لشؤون التعليم والمهارات بمؤسسة جي إي فاونديشن – نقلا عن البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *