تمكن برنامج الذكاء الاصطناعي من التكهن بالكلمات والعبارات والجمل المفقودة من ألواح مسمارية يصل عمرها إلى 4500 عام بدقة مذهلة. وتحتوي الألواح الأثرية على معلومات حول بلاد ما بين النهرين تعود إلى ما بين 2500 عام قبل الميلاد و100 بعد الميلاد، وتسببت العوامل الجوية والحروب والسرقات بفقدان الكثير من هذه الألواح الطينية، مما أعاق قدرة العلماء على اكتشاف أسرار الحضارة القديمة، بسبب النصوص المفقودة. وتم تزويد الذكاء الاصطناعي، الذي تم تعليمه كيفية قراءة 104 لغات، بنسخ عشرة آلاف لوح مسماري.
واستطاع البرنامج التنبؤ بدقة بالكلمات والعبارات والجمل المفقودة، على غرار تلك الطريقة التي يقترحها جهاز الهاتف عند إضافة ميزة استكمال الجمل التلقائي. وتعد بلاد ما بين النهرين واحدة من أقدم الحضارات المعروفة في العالم وقد أدت إلى ظهور الإمبراطوريات السومرية والآشورية والبابلية. وكانت بمثابة مسقط رأس الرياضيات وعلم الفلك والزراعة والتاريخ المكتوب والعديد من التخصصات الأخرى.
وتحدثت العديد من حضارات بلاد ما بين النهرين، بما فيها البابليون والآشوريون، اللغة الأكادية، وهي أقدم لغة سامية معروفة. وكتبوا بالخط المسماري، وهو شكل للكتابة يستخدم أحرفًا إسفينية الشكل لا تزال دلائلها موجودة اليوم على شكل نقوش على الألواح الطينية. وذكر المؤلفون في ورقة قدمت في نوفمبر في مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغة الطبيعية، أن “هذه الألواح هي السجل الرئيسي من ثقافات بلاد ما بين النهرين، بما في ذلك النصوص الدينية، والسجلات البيروقراطية، والمراسيم الملكية وأكثر من ذلك، لذلك من الضروري فهم هذه اللغة”.
وعلى مدى آلاف السنين، أُتلفت بعض الألواح الطينية وهو ما دفع الباحثين للاعتماد على الإشارات السياقية لملء النص المفقود يدويا، وهي عملية يقول عنها المؤلفون إنها “ذاتية وتستغرق وقتا طويلا”. وهذا ما جعل الباحثين يطورون نظام ذكاء اصطناعي عميق التعلم يمكنه إجراء تخمينات مستنيرة للكلمات والعبارات المفقودة. ووفقا لصحيفة ديلي ميل البريطانية، قال غابرييل ستانوفسكي عالم الكمبيوتر في الجامعة العبرية في القدس لمجلة نيو ساينتست، إن برنامج الذكاء الاصطناعي هو “أداة مساعدة” وليس بديلا عن الخبراء البشريين.
واستخدم الباحثون نموذجا تم تدريبه بالفعل على لغات سامية أخرى، مثل العبرية التي تشترك مع الأكادية في أوجه تشابه عديدة. واختبروا النظام أولا عن طريق إخفاء الأجزاء الموجودة من الألواح الأثرية، وأكمل النموذج الأقسام التي تم إخفاؤها بدقة تصل إلى 89 في المئة. وكان النظام قادرا على اقتراح كلمات وعبارات دقيقة من حيث السياق لملء الفجوات أو الثغرات.
واستخدم الباحثون بالفعل الذكاء الاصطناعي لفك رموز النقوش التالفة من اليونان القديمة، إذ قام العلماء في شركة “ديب مايند” البريطانية التابعة لشركة غوغل بتدريب شبكة عصبية يطلق عليها “بيثيا” لتخمين الكلمات أو الأحرف المفقودة من عشرات الآلاف من النقوش اليونانية التي يتراوح عمرها بين 1500 و2600 عام. وحقق الذكاء الاصطناعي دقة تصل إلى 70 في المئة تقريبا، مقارنة بمجموعة من الباحثين المتخرجين في جامعة أكسفورد، والذين كانوا على صواب بنسبة 43 في المئة من الوقت.
صحيفة العرب