لم يزل إثبات وجود حياة على المريخ في الماضي البعيد لهذا الكوكب وكذلك اليوم، مثار جدل دائم. ولقد عملت التجارب التي أجريت على متن المسبار المريخي (فايكينج لاندر) في السبعينات إلى زيادة حيرة العلماء وتأجيج الجدل حول هذا الأمر.
وفي العام 2008، اقترح فلكيون مجريون أن وجود علامات تشبه العنكبوت حول القطب الجنوبي يمكن أن تكون قد تشكلت بواسطة ميكروبات ضَوئِيُّة التَّخْليق. ولا شك أن أهمية اكتشاف الحياة على عالم آخر غير الأرض له تأثير علمي وفلسفي ضخم.
المريخ هو أكثر الكواكب المضيافة حتى اليوم في النظام الشمسي على الأقل، وربما كان في الماضي أكثر شبهاً بالأرض، مع وجود مياه سائلة وفيرة على سطحه. فهل يمكن أن تكون الحياة قد بدأت بالتطور على الكوكب الأحمر، وهل لا تزال متشبثة به في بيئة باتت أكثر عدائية اليوم؟
لقد فتن علماء الفلك لعدة قرون حول إمكانية وجود حياة على المريخ. واعتقد الراصدون المشهورون خلال (الحقبة التلسكوبية المبكرة)، مثل كريستيان هيجنز ووليام هيرشل، أن المريخ ربما كان موطناً لكائنات ذكية. وتم تفسير التغير في لون البقع الداكنة على سطح الكوكب على أنها تغيرات موسمية في الغطاء النباتي، وأثارت التقارير الأخيرة في تلك الآونة عن القنوات ذات المظهر الاصطناعي أو ما سمي بالقنوات، موجة من التكهنات استمرت طوال عصر الفضاء. ومع ذلك فقد أشارت أول صور فضائية للمريخ إلى أنه عبارة عن عالم بارد وجاف بل وميت، ولم يتمكن العلماء من الحديث عن إمكانية وجود الحياة عليه والتحقيق بشكل مفصل من ذلك إلا مع وصول المسبار الملاحي فايكنج إليه في العام 1976.
تجربة مثيرة
كانت تتوافر على متن المسبار فايكنج مجموعة من التجارب لاختبار إمكانية وجود الحياة على الكوكب، إما عن طريق الكشف المباشر عن المواد الكيميائية العضوية القائمة على الكربون في التربة، أو من خلال البحث عن غازات تطلقها كائنات حية دقيقة عندما يتم تغذية عينة من التربة بالمغذيات ثم حضنها، وقد كانت معظم الاختبارات سلبية، إلا واحدة وهي المعروفة باسم «التحرر المتميز» Labelled Release)) (LR)، التي قدمت للباحثين في البداية، حين تبين أن شيئاً ما في عينة التربة كان بالفعل يعالج العناصر الغذائية ويطلق الغاز، ولكن عندما أضيفت جرعة ثانية من العناصر الغذائية إلى العينة بعد أسبوع، لم يكن هناك مزيد من الغاز المنطلق.
ووجد كل من المسبارين فايكنج، نتائج مماثلة، وانتهى معظم الباحثين المشرفين على البعثة إلى نتيجة مضمونها أن هذا السلوك يشير إلى أن بعض المواد الكيميائية المجهولة في التربة، وليس كائنات حية، هي المسؤولة عن الإطلاقات الأولية للغاز. لكن العديد من العلماء، بما في ذلك جيلبرت ليفين، مصمم التجربة LR، كانت لديهم شكوك حول هذا الاستنتاج.
ولكن إذا كانت نتائج بحث فايكنج عن الحياة الحالية غير حاسمة، فقد شهدت العقود التي تلت ذلك اكتشافات كبيرة دلت على أن كوكب المريخ كان أكثر تقبلاً وملاءمة للحياة في الماضي. فهل من الممكن أن تكون قد تطورت الحياة بعد ذلك؟ الواقع أن اختبار قابلية الحياة للبيئة السابقة كان أحد الأهداف الرئيسية للمسبار كوريوستي التابع لوكالة الفضاء (ناسا)، الذي يعمل على المريخ منذ أواخر العام 2012. ومنذ أن تضاءلت فرص وجود الحياة في النيزك ALH 84001، عاد الاهتمام إلى احتمالات وجود الحياة على كوكب المريخ نفسه اليوم. وتشير الأدلة المتزايدة على المياه الموجودة تحت السطح، إلى أن المريخ هو أكثر ملاءمة للحياة مما كان يعتقد في الماضي. وقد أدى اكتشاف بقايا الينابيع الساخنة الحمضية القديمة بواسطة المركبة مارس سبيريت، ومقارنتها مع الكائنات الحية المجهرية التي تعيش في بيئات مشابهة على الأرض، إلى تحسن فرص العثور على حياة مريخية بشكل أفضل.
ومن الأدلة الأكثر إثارة للفضول هي تلك التي جاءت مؤخراً من المسبار مارس إكسبريس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (إيزا)، الذي دخل إلى مدار حول المريخ في أواخر عام 2003 وحدد على الفور وجود الميثان في الغلاف الجوي المريخي. وبما أن الإشعاع الشمسي يتسبب في تفكك الميثان في فترة زمنية قصيرة نسبياً، فإن أي غاز ميثان موجود حالياً يجب أن يتولد باستمرار بمعدل تقديري يبلغ 270 طناً سنوياً. ولا يوجد سوى مصدرين مناسبين لإنتاج هذا الغاز أحدها النشاط البركاني المستمر، أو مستعمرات الميكروبات المنتجة للميثان.
وفي فبراير 2005، أعلن علماء وكالة الفضاء الأوروبية عن اكتشاف الفورمالديهايد، وهو غاز آخر قصير العمر يمكن تجديده إما من خلال النشاط البركاني أو وجود الحياة. ومن المثير للاهتمام أن كلا الغازين موجودان في نفس المناطق من المريخ، وغالباً ما يرتبطان بمصادر معروفة لبخار الماء والجليد تحت السطح، ما قد يشير إلى أن الميكروبات هي المصدر الأكثر احتمالاً.
وفي العام 2008، قدم فريق من العلماء المجريين بقيادة أندراس هورفاث من مرصد بودابست اقتراحاً رائعاً بأننا قد رأينا بالفعل آثاراً للحياة الميكروية على المريخ. واحتج الفريق العلمي بأن المظاهر الشبيهة بالبقع العنكبوتية والبقع المرتبطة بتبخر غاز ثاني أكسيد الكربون حول القطب الجنوبي، يمكن أن تنجم عن ميكروبات التمثيل الضوئي المزدهرة في ربيع المريخ القصير. وإذا تم التأكيد على هذا الادعاء الاستثنائي، فسيكون ذلك صدى غير عادي للنظريات السابقة حول تبدل الغطاء النباتي على سطح المريخ.
وأخيراً وليس آخراً بالطبع أعلن العلماء في سبتمبر 2017 عن العثور على أدلة رئيسية تشير إلى أن الحياة ربما كانت موجودة على سطح المريخ.
ومع ذلك، قد يكون هناك قريباً حياة على كوكب المريخ، وهذا يعني أن رجل الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون موسك يجب أن يقول كلمته الفصل في ذلك، فقد أعلن مؤسس سبيس إكس عن خطط تهدف إلى وضع البشر على سطح الكوكب الأحمر بحلول عام 2030.
عنصر أساسي للحياة
اكتشف المسبار روفر كيريوسيتي التابع لناسا عنصر البورون، وهو عنصر أساسي للحياة، على السطح الترابي للكوكب الأحمر. ويمثل هذا الاكتشاف دفعة كبيرة في مجال البحث عن حياة فضائية خارج الأرض، وقد يدعم النظرية التي تقول بأن الحياة على كوكب المريخ ربما أجبرت على البقاء تحت تربته عندما حولت الكارثة التي ضربت الكوكب إلى «صحراء باردة»، وقال باتريك جاسدا، الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر لوس ألاموس الوطني: إن البورات قد تلعب دوراً مهماً في صنع الحمض النووي الريبي وهو أحد اللبنات الأساسية للبورون، فإن اكتشاف البورون على سطح المريخ، قد يفتح المزيد من الاحتمالات بأن الحياة يمكن أن تكون موجودة على الكوكب خاصة أن البورات عبارة عن جسر محتمل تكون من جزيئات عضوية بسيطة إلى الحمض النووي الريبي الذي لا يمكن للحياة أن تنشأ دونه. ويضيف جاسدا: أن المثير في الأمر هو أن البورون معروف أنه غير مستقر، ومن المفترض أنه إذا كان موجوداً فينبغي أن يتحلل بسرعة. ويصف جاسدا كيف عثرت عربة «ناسا» على هذا العنصر في معدن الكالسيوم في السطح الصخري للكوكب وهذا يعني أنه كان موجودًا في المياه الجوفية للمريخ، ويشير إلى أن فوهة جيل التي تعمل فيها العربة الروبوتية في الوقت الحالي، ربما كانت موطنًا للحياة وهو ما يعزز النظرية الغريبة التي تقول بأن الحياة نشأت على سطح المريخ ونُقلت إلى الأرض على متن كويكب.
ولكن هل من الممكن أن تكون هناك حضارة على المريخ منذ آلاف السنين؟
يجيب كين فارلي الباحث في ناسا على ذلك بالقول: الواضح أن المريخ كان مختلفًا منذ مليارات السنين، وليس منذ آلاف السنين، وشخصياً ليس هناك دليل جدي أنا على علم به حول الحياة هناك، لكن هذا لا يمنع أن تكون موجودة بالفعل.
حفر الكوكب الأحمر
في صيف العام 1996، ذكرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم اكتشاف آثار محتملة للحياة في جزء قديم من المريخ، تم اكتشافه كنيزك في أنتاركتيكا، وأطلق عليه اسم ALH 84001. هذا النيزك سقط على الأرض منذ نحو 13000 عام بعد 15 مليون سنة في الفضاء، ولكن التركيب الداخلي لهذه الصخرة المريخية كان محفوظاً ولم تتغير لأكثر من 4 مليارات سنة. وبعد إجراء العديد من الاختبارات زعمت مجموعة خبيرة من علماء وكالة (ناسا) أنهم اكتشفوا معادن ومواد كيماوية داخل الصخرة يمكن وصفها على الأرض كمنتجات للبكتيريا. وأظهرت الصور المجهرية الإلكترونية بنى شبيهة بالديدان في هذه الصخرة، لا يزيد قطرها على بضع عشرات من النانومترات (جزء من مليار من المتر)، واقترح فريق «ناسا» بشكل مبدئي أنها يمكن أن تكون حفراً دقيقة أي بقايا بكتيريا صغيرة، أصغر بكثير من أي شيء معروف على الأرض حتى ذلك الوقت.
ونظراً للادعاءات التي قدمت بشأن النيزك ALH 84001 فإن المجتمع العلمي أخضع الأدلة للتدقيق الصارم. وسرعان ما انهارت بعض عناوين هذه الأدلة عندما وجد العلماء طرقاً لإنتاج المواد الكيميائية نفسها، من دون تدخل عضوي، في حين تم تجاهل بعض الحفريات لأنها تشير ضمناً إلى وجود بكتيريا نانوية صغيرة جداً كي تتكاثر وفقاً لفهمنا الحالي، ومع ذلك، لم تجر أي تجربة بعد لإنتاج هذه البنى بوسائل أخرى، خاصة أن الاكتشافات الحديثة عززت الأدلة على وجود البكتيريا النانوية على الأرض.
والحقيقة أن أقوى دليل على أن الحياة قد وجدت في النيزك ALH 84001 يوماً ما يأتي من معادن الكربونات وأوكسيد الحديد الأسود التي ترسبت في أنماط متميزة تشير إلى أنها يمكن أن تكون آثاراً خفية للبكتيريا القديمة.
وفي العام 2001، ادعى فريق ثان من «ناسا» أنه نجح في محاكاة هذه الأنماط من دون عمليات عضوية، في ظروف شبيهة بالمريخ.
محمد هاني عطوي – جريدة الخليج