التصديق والهيمنة مكونا من مكونات المنهج النقدي في القرآن الكريم 9/9

الرئيسية » الأعمدة » بصائر » التصديق والهيمنة مكونا من مكونات المنهج النقدي في القرآن الكريم 9/9

فإذا تدبرت، على سبيل المثال، مفهوم الطلاق وكيف تمّ التصديق والهيمنة بخصوصه في القرآن على ما سلف، ثم نظرت في سياقات دينية وحضارية حُظر فيها الطلاق سوف تتجلى أمامك الهيمنة على هذه المفاهيم المستقرة، وسوف تكتشف كيف أنّ القرآن المجيد قد قوّى هذا الرباط المبارك المتصل بصناعة الحياة؛ رباط التزويج، بفتحه لإمكان مفارقة الرفيق متى ما أصبحت الحياة المشتركة متعذرة لسبب أو لآخر، درءا لدواعي اللجوء إلى ما لا يحل، وهو لجوء عادة ما تفضي إليه التدينات التي لا تتيح هذه المكنة باليسر وكذا الاحتراز الموجودين في شرعة الإسلام، وهذا مما يؤهل الباحث لأن يكون أقرب نفعا للعالمين من خلال إفاضة وتعدية هدى كتاب الناس إلى الناس.

مسألة أخرى بهذا الخصوص تتجلى إن نحن انتقلنا بالبحث إلى الجوانب الفكرية وإلى الأفكار السائدة التي هي بمثابة البراديغمات المسيطرة المنتجة لما يسمى بـ “النسق المفاهيمي المؤطر” لحضارة معينة، سوف نتبيّن من مدخل استحضار هذا الإدراك أن المنطق العام المهيمن على الحضارة الراهنة منطق يدور في فلك ما أسماه الله تعالى: ظاهرا من الحياة الدنيا، في قوله سبحانه: “يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاَخرة هم غافلون [الروم، 7]؛ أي أنّ النسق المفاهيمي التصوري في هذه الحضارة منحسر ومنحبس في هذا الإطار الذي هو ظاهر الحياة الدنيا أي: الحجب الثلاثة: حجاب الدنيا والمادة، وحجاب النفس، ثم حجاب الخلق، فإذا تم الدخول إلى القرآن المجيد في استحضار لهذا الإشكال الكبير الموجود في هذه الحضارة (الانحسار في ظاهر من الحياة الدنيا)، سوف تبرز مجموعة من المعطيات الجديدة المهيمنة والمخلِّصة، كالميزان والمعاد والجزاء القائم على الحساب، والسعي إلى الرضوان، والتجانف عن الغضب والإبعاد، والتنعم بالنعيم، والفرار من الجحيم، مما يعتبر هيمنة محررة من سجن هذا الاعتقاد المحجّم لأبعاد الحياة وأبعاد الإنسان. وإذا انضاف إلى هذا، استحضار الانتماء إلى الأسرة الآدمية الممتدة في انتشارها الزماني والمكاني، والاعتقاد بوجوب تبنّي همومها لما يقارفه من الأجر والرضوان، سوف يستطيع الباحث أن يرى أوجه الهيمنة في القرآن الكريم على هذا الضرب المنحسر من التفكير، ومن ثم سوف يتمكن من تجاوزه في ذاته ثم في الآخرين من خلال إبرازه لهم وكما قال ابن خلدون: (في حلَّة قوية البنيان ومتينة الأركان) بحيث تتقبّله العقول ويكون رحمة للعالمين، فهذه سبعة شروط متصلة بقضية التصديق والهيمنة وآليات عملهما في القرآن الكريم أردتُ الإسهام بها من أجل استئناف فتح ملف هذه القضية التي أعتقد أنها لم تُعط حقّها كما يلزم ضمن الأبحاث المنتمية إلى دائرة معارف الوحي.

والله المستعان، والحمد لله ربّ العالمين.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *