بحلول العام 2030، سنختبر جميعًا إنترنت الحواس، وهي تقنية تعتمد على كلٍ من الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز، وشبكة الجيل الخامس، والأتمتة.
يعود مصطلح إنترنت الأشياء إلى العام 1999، ويُعد المبتكر البريطاني الرائد في علوم التقنية كيفن آشتون، خبير أجهزة استشعار المستهلك، أول من استخدم المصطلح لوصف الشبكة التي تربط الأشياء المادية من حولنا بالإنترنت، وذلك أثناء عمله في شركة بروكتر آند جامبل. وأراد آشتون، خلال عمله في تحسين كفاءة سلسلة الإمداد في الشركة، جذب انتباه الإدارة العليا إلى تقنية جديدة ومثيرة للاهتمام تسمى التمييز بالترددات الراديوية.
وتَستخدم التقنية المجالات الكهرومغناطيسية للتعرف تلقائيًا على البطاقات المرفقة بالأشياء وتتبعها، وتتضمن البطاقة أجهزة إرسال واستقبال راديوية صغيرة. كان آشتون يعمل في هذا المجال حين ابتكر مصطلح إنترنت الأشياء ليشرح من خلاله أسلوب عمله. ونما هذا التوجه المبكر بسرعة كبيرة خلال العقدين التاليين، على الرغم من أن عامة الناس لم يفهموا مغزاه تمامًا إلا في السنوات القليلة الماضية.
وبعد مرور عشرين عامًا على ظهور مصطلح إنترنت الأشياء، تشهد البشرية اليوم ولادة «إنترنت الحواس» أحد أحدث الاتجاهات التقنية المهتمة بالمستهلك للعام 2021 وحتى العام 2030.
استكشاف المستقبل من منظور المستخدم
يتوقع مختبر كونزيومر-لاب التابع لشركة إريكسون، أنه بحلول العام 2030، سيختبر الناس جميعًا إنترنت الحواس، ففي الإصدار التاسع لتقريره «أهم عشرة اتجاهات متعلقة بالمستهلك» رأى المختبر أن المستهلكين يتوقعون نظامًا متكاملًا من الخدمات التقنية المتصلة بالشبكة، يتفاعل مع حواس الرؤية والسمع والذوق والشم واللمس، بحلول العام 2030.
وتعتمد إنترنت الحواس على تقنيات كالذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والجيل الخامس، والأتمتة، وتشمل الدوافع الرئيسة وراء تطوير إنترنت الحواس كلًا من الترفيه المحيط والتسوق عبر الإنترنت، إضافةً إلى أزمات المناخ والحاجة إلى الحد من العوامل المؤثرة عليه. وسنتعرف اليوم معًا على أول تلك الاتجاهات «الدماغ واجهة المستخدم.»
عندما يصير الدماغ واجهة المستخدم!
يتوقع الكثيرون أنه بحلول العام 2030، ستختفي الحدود الفاصلة بين التفكير والفعل، إذ يرى 59 في المئة من المستهلكين أننا سنتمكّن من رؤية مسار رحلتنا على الخريطة من خلال نظارات الواقع الافتراضي بمجرد التفكير بالوجهة التي نرغب بالذهاب إليها.
ورأى فلاسفة الإغريق منذ أكثر من ألفي عام، أن ما يفكر به الإنسان مقتصر عليه وحده ولا يمكن لغيره الاطلاع عليه، وأن تلك الانعزالية جزء طبيعي من تركيبة البشر، إلا أن ذلك قد يتغير قريبًا. إذ يُتوقع بحلول العام 2030، أن تستجيب التقنية لأفكارنا، بل وتشاركها أيضًا مع الآخرين.
ووفقًا لتقرير «أهم عشرة اتجاهات متعلقة بالمستهلك» فإن استخدام الدماغ كواجهة مستخدم قد يعني نهاية لوحات المفاتيح والفأرة ومقبض التحكم بالألعاب وواجهات المستخدم بكل أشكالها لجميع الأجهزة الرقمية، حتى الهواتف الذكية قد تعمل بلا شاشات لمس، إذ يكفي المستخدم أن يفكر فحسب بالأوامر التي يريدها، لتُنفذ على الفور.
وأشار التقرير أيضًا، إلى أن ذلك سيوجد أنواعًا جديدةً من الأجهزة بأساليب تفاعل جديدة كليًا، من أهمها نظارات الواقع المعزز التي تُعد من أكثرها إثارةً لاهتمام المستهلك. إذ يتوقع 60 في المئة من المشاركين الأوائل في استبيان أجراه المختبر أن تقنية تحديد المسار على الخريطة من خلال التفكير ستتيح عرض الخريطة مباشرةً أمام أعينهم، إضافةً إلى تمكينهم من البحث عن الأماكن ورسم مسارها على الخريطة بمجرد التفكير بها.
وحين تتاح تقنيات الواقع المعزز بكل إمكانياته، فإن كثيرًا من التطبيقات الأخرى التي يصعب اليوم تخيلها أو تصديقها قد تصبح شائعةً وبديهيةً. فمثلًا، هل سبق أن قابلت شخصًا يبدو أنه يعرفك، ولم تتذكره أو تتذكر اسمه؟ لن تواجه مثل هذه المشكلات بعد العام 2030، وفقًا لتوقع 54 في المئة من المشاركين في الاستبيان، فنظارات الواقع المعزز ستعرض لك معلومات عن الأشخاص حين تلتقيهم، تتضمن أسماءهم والمواقف التي جمعتك بهم في السابق.
وأبدى المستهلكون في فترةٍ سابقةٍ اهتمامهم بالاتصال من خلال الأفكار، وفقًا لتقرير إريكسون كونزيومر-لاب للعام 2015، إذ رأى أكثر من ثلثي المشاركين آنذاك أن التواصل الفكري سيكون شائعًا بحلول العام 2020.
التقنية تطّلع على أفكارك بالكامل!
وفقًا للتقرير، فإن الاطّلاع على أفكار المستخدم هو بلا شك من الأمور المقلقة التي تنطوي عليها هذه التقنية، وعلى الرغم من فائدة ذلك في تسهيل إيجاد وجهتك التالية على الخريطة، أو ربما زيادة الاستمتاع بألعاب الفيديو، فهل ستتمكّن من الاحتفاظ بأفكارك لنفسك إن أردت ذلك، أم أن الخصوصية ستصير شيئًا من الماضي؟
يرى نحو نصف المشاركين في الاستبيان أنه بحلول العام 2030 سيتبين أن الإغريق كانوا على خطأ وأن عقولنا ستتصل مع بعضها، إذ يتوقعون مثلًا أن نتمكّن من الرد على الرسائل القصيرة من خلال التفكير فحسب، حتى أن 40 في المئة منهم يرون أننا سنتمكّن من مشاركة أفكارنا مباشرة مع أصدقائنا وأحبائنا. ولكن، مرةً أخرى، ماذا عن الأفكار التي لا نرغب بمشاركتها مع أي أحد؟
خدمات الأفكار وخصوصية بياناتها
من الواضح مع هذه التقنية، أن مفهومي الأمان والخصوصية سيتخذان أشكالًا جديدةً. ومع هذا، فلا يرغب الناس أن يطّلع المعلنون على أفكارهم، إذ يرى أغلب المشاركين ضرورة الحفاظ على خصوصية البيانات المرتبطة بجميع الخدمات الفكرية، وأكّد سبعون في المئة منهم على أهمية حماية البيانات الفكرية المتعلقة بإقفال وفتح أبواب المنازل والأبنية وضرورة الحفاظ على خصوصيتها. وتعتمد معظم التطبيقات اليوم (إن لم يكن جميعها وبمختلف فئاتها) على الإعلانات كمصدر رئيس للدخل.
إذن، كيف سيبدو أسلوب العمل الجديد في العام 2030؟ تتطلب الإجابة على هذا السؤال مزيدًا من البحث والتفكير، وفي الوقت الحالي، سنكمل بحثنا في اتجاهات المستهلك التسعة المتبقية من هذه السلسلة بانتظار ما ستسفر عنه الأعوام المقبلة من ابتكاراتٍ تقنيةٍ حتى العام 2030.
مرصد المستقبل