عوالم افتراضية تفتح الباب لباقة من برامج الذكاء الاصطناعي

الرئيسية » إبداع وتنمية » عوالم افتراضية تفتح الباب لباقة من برامج الذكاء الاصطناعي

عوالم افتراضية تفتح الباب لباقة من برامج الذكاء الاصطناعي

كانت لعبة الفيديو “ماين كرافت”  Minecraft لعبة مألوفة بالنسبة إلى خوسيه هيرنانديز أورالو، من قَبْل أن يبدأ استخدامها في أبحاثه بفترة طويلة. شاهد عالِم الحاسوب هذا – الذي يعمل بجامعة بوليتكنيك في مدينة فالنسيا في إسبانيا على ابتكار أساليب جديدة؛ لقياس ذكاء الآلات – أطفاله وهم يلعبون – لأول مرة – داخل العالَم الافتراضي ثلاثي الأبعاد، حيث يتم التركيز على حل المشكلات، بدلًا من القضاء على الوحوش.

في عام 2014، اشترت شركة “مايكروسوفت” لعبة “ماين كرافت”، ومَنَحَ الذراع العلمي بالشركة – وهو قسم البحوث المسمى “مايكروسوفت ريسيرش” – باحثيه إمكانية الوصول إلى نسخة جديدة من اللعبة، أتاحت لبرامج الحاسوب وللبشر استكشاف البيئة ثلاثية الأبعاد، وتخصيصها بما يتواءم مع رغباتهم. وبعد دعوة مجموعة صغيرة من الباحثين الخارجيين، ضَمَّت هيرنانديز أورالو؛ لتنزيل النسخة الصديقة للآلات من هذا العالم في شهر يوليو الماضي، أتاحتها الشركة مجانًا للجميع؛ بغية تسريع عجلة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقد سارت شركات أخرى على النهج نفسه. ففي الثالث من شهر ديسمبر الماضي، افتتح قسم “ديب مايند” DeepMind – التابع لشركة “جوجل”، ومقره لندن – عالمه الافتراضي الخاص ثلاثي الأبعاد “ديب مايند لاب” DeepMind Lab، ليتم تنزيله وتخصيصه بمواصفات خاصة من قِبَل مُبرمجين خارجيين. أنشأت الشركة هذا العالَم في البداية لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وبعد ذلك بيومين، أصدرت شركة “أوبن إيه آي” OpenAI – وهي شركة بحثية، مقرها في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، وشارك في تأسيسها رائد الأعمال إيلون ماسك – “منصة فوقية”، تُمَكِّن برامج الذكاء الاصطناعي من التواصل بسهولة مع عشرات الألعاب ثلاثية الأبعاد، المصمَّمة أصلًا للبشر، وكذلك بعض متصفحات الويب، وتطبيقات الهواتف الذكية.

تقدِّم الإصدارات الثلاثة للباحثين والمبرمجين طرقًا سهلة لاختبار البرامج في مواقف لم يشهدها أحد من قبل، ولتكتسب البرامج مهارات جديدة، من خلال تعليم أنفسها خوض مواقف جديدة تحاكي سيناريوهات واقعية. يقول بيدرو دومينجوس، الباحث في مجال تعلُّم الآلة في جامعة واشنطن في سياتل: “لمثل هذه البيئات دور مهم جدًّا في مستقبل الذكاء الاصطناعيّ”.

خوارزمية شركة “أتاري”

كانت تُستخدم الألعاب – لعقود طويلة – كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي، لكنْ عادةً ما كانت تشعلها الخوارزميات، بناءً على استراتيجيات محددة مسبقًا. وخلال السنوات الأخيرة، تَحَوَّل التركيز نحو الآلات التي باستطاعتها التعلُّم من خبراتها الخاصة. ففي أوائل عام 2015، كشَف قسم “ديب مايند” النقاب عن خوارزمية عَلَّمَت نفسها كيفية ممارسة ألعاب “الأتاري” الكلاسيكية التسلسلية على نحو أفضل من أي إنسان، عن طريق التجربة والخطأ، دون إعلامها أهداف الألعاب.

إنّ هذه الألعاب ما هي إلا عوالم بسيطة ثنائية الأبعاد. أمّا ألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد ذات “منظور الشخص الأول”، مثل لعبة “ماين كرافت” – التي تدمج اللاعب بصريًّا في بيئة اللعبة – فتُعتبر تقريبًا أوثق صلةً بكثير بالعالم الواقعي، ومن ثم فهي تشكِّل أرضًا خصبة لتجارب أكثر تطورًا بكثير.

تُمَكِّن لعبة “ماين كرافت” المستخدمين من التفاعل مع أحجار افتراضية، واستخدامها لبناء هياكل، إضافةً إلى التنقل والتفاعل مع هياكل محددة مسبقًا. ويسمح الإصدار المتاح حاليًّا للمبرمجين – ويُدعى “مالمو” Malmo – للخوارزميات أن تفعل المِثل. على سبيل المثال.. يَستخدم هيرنانديز أورالو ذلك، لاستكشاف ما إذا كان بالإمكان استخدام البيئة لإنشاء معايير لقياس ذكاء الآلات. قد تتنافس الخوارزميات لترتيب الأحجار على هيئة أشبه بشيء معين على سبيل المثال، أو للتنقل داخل متاهة، مختبِرةً نطاقًا أوسع من المهارات عما يكفله اختبار “تورنج” Turing Test، وهو الاختبار الأشهر على الإطلاق لذكاء الآلات، حيث يركِّز على قدرة الذكاء الاصطناعي على التحدث كالإنسان.

مِن بين العوامل التي جعلت من لعبة “ماين كرافت” أداة جذّابة للتحوُّل إلى منصة اختبار للذكاء الاصطناعي أنها مَكَّنَت اللاعبين بالفعل من التواصل باستخدام الرسائل النصية. ومن الممكن لذلك أن يساعد الذكاء الاصطناعي على تعلُّم التعاون مع البشر في العالم الواقعي، حسب تصريح عالِم الحاسوب كاتجا هوفمان، الذي يعمل في مركز الأبحاث “مايكروسوفت ريسيرش” في كامبريدج في المملكة المتحدة، والذي قاد الفريق الذي أنشأ لعبة “مالمو”.

تجربة الروبوت

يقول هوفمان إنّ العوالم الافتراضية مفيدة كذلك بشكل خاص في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي، مقدَّر لها في نهاية المطاف أن تعمل كروبوتات، لأنّ مثل هذه البيئات تخصيصها أرخص، كما أن الممارسة فيها أسرع وأأمن من العالم الواقعي. كما أنها تسمح أيضًا للباحثين في مجال الروبوتات التركيز فقط على الجزء المتعلق بالذكاء في المعادلة، فالتحديات الميكانيكية التي تواجهها الروبوتات يمكن أن تمثل عنصر تشويش وإلهاء.

وفضلاً عن هيرنانديز أورالو، يتعاون قسم أبحاث مايكروسوفت مع مجموعة من المختبرات البحثية التي تَستخدِم مشروعات الإصدار “مالمو”، إلا أن هوفمان يعتقد أن هناك آخرين كُثْر يستخدمونه، ربما حوالي 100.

يسمح “ديب مايند لاب” – بشكل مشابه – للباحثين إنشاء بِنَى كالمتاهات مثلًا، كما يمكن لخوارزمياتهم أن تتعلم جَمْع الجوائز، وكذلك التنقل داخل المتاهة. وعكفت شركة “ديب مايند” كذلك على إجراء التجارب بدمج “مزيد من عناصر الطبيعة” – مثل التموجات الأرضية، والنباتات – في المنصة، حسب تصريح متحدثة باسم الشركة. والآن، وقد أمست البيئة مفتوحة، تَعقِد الشركة الآمال على أن يساعد باحثون آخرون في جعل البيئات أكثر تحديًا للخوارزميات. تقول المتحدثة: “بجَعْلها مصدرًا مفتوحًا، نسمح لمجتمع الأبحاث الأوسع أن يشارك في تشكيلها”.

وتأخذ المنصة الفوقية الخاصة بشركة “أوبن إيه آي” – المعروفة باسم “يونيفرس” Universe – الأمور إلى أبعد من ذلك.. فعن طريق إتاحة بيئات متعددة ومختلفة جذريًّا، ليتفحصها الذكاء الاصطناعي نفسه، من الممكن لتلك المنصة أن تساعد في التعامل مع واحدة من أصعب المشكلات التي تواجه هذا المجال؛ ألا وهي إنشاء خوارزميات يمكنها الاستفادة من الخبرة السابقة، إذا واجهَتْها مواقف جديدة. وعلى سبيل المثال.. يمكن للشبكات العصبية العميقة التي تُحاكي طبقات خلايا المخ في القشرة البصرية للدماغ أن تتعلم بسرعة كيف تتحرك داخل متاهة ثلاثية الأبعاد، غير أنها لا تستطيع نقل المعرفة؛ للتنقل داخل متاهة أخرى. يقول هيرنانديز أورالو: “إذا قمت بتغيير لون المتاهة، سيضل النظام الطريق تمامًا. وعندها، تفشل التكنولوجيا الحديثة فشلًا ذريعًا”.

وتعمل شركة “مايكروسوفت” حاليًّا على إتاحة لعبة “مالمو” عبر منصة “يونيفرس”. ويقول جريج بروكمان، وهو مؤسس مشارك لشركة “أوبن إيه آي”، ورئيس قسم التكنولوجيا فيها: “إن امتلاك منصة مجتمعية سيسرع من وتيرة الجميع”.

arabic nature

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *