دراسة: الاتصالات عبر الحاسوب تساعد مرضى التوحد على التواصل

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » دراسة: الاتصالات عبر الحاسوب تساعد مرضى التوحد على التواصل

دراسة: الاتصالات عبر الحاسوب تساعد مرضى التوحد على التواصل

ترسم الرؤية التقليدية للمصابين بالتوحد صورة لأشخاص منعزلين لا يهتمون كثيراً بإقامة علاقات مع الآخرين والحفاظ عليها، لكن تغيرات السلوك تظهر خطأ هذه الصورة إلى حد كبير، وتبين أن المشكلة لدى العديد من المصابين بالتوحد ذي الأداء الوظيفي العالي لا تكمن في نقص الاهتمام بالعلاقات أو العجز عن الإبقاء عليها، وإنما في الظروف التي تنشأ في ظلها هذه الصلات.

ومن بين التحديات التي تواجه المصابين بالتوحد الظروف المعقدة والمتنوعة وسريعة التغير التي يحدث في إطارها التواصل. ويفضل المصابون بالتوحد البيئات التي تتيح اتصالاً منظماً للغاية، وتتضمن القليل من الإشارات المشتتة التي تسبب عبئاً شعورياً زائداً.

وتتوافر هذه السمات إلى حد كبير في الاتصالات بواسطة الحواسيب التي تتضمن الرسائل النصية والبريد الإلكتروني وبرامج التراسل الفوري. وتوفر هذه الأشكال وقتاً كافياً يسمح للأشخاص بالتفكير في الرسائل وردودهم بسرعتهم الخاصة، كما لا تتطلب إشارات إضافية مثل لغة الجسد التي تحتاج هي الأخرى إلى التعامل معها.

ولذلك من السهل تصور ملاءمة الاتصالات عبر الحواسيب بشكل مثالي للمصابين بالتوحد، لكن حتى الآن لا يتوافر سوى القليل من الأدلة لتثبت ما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، ما يجعل من المهم وجود دراسة تقارن بين أنماط الاتصال لدى الأشخاص الذين يعانون من التوحد في مقابل مجموعة تحكم من الأشخاص العاديين، وهو ما قام به فريق من الباحثين من جامعات هولندية عدة.

وقارن الباحثون بين أنماط الاتصالات بواسطة الحواسيب لـ113 شخصاً يعانون من التوحد ذي الأداء الوظيفي العالي مقابل مجموعة تحكم ضمن 72 شخصاً. ولفتت نتائج الدراسة إلى الطريقة التي يمكن أن تسهم بها التكنولوجيا في مساعدة المصابين بالتوحد، وتحسين مستويات رضاهم عن حياتهم نتيجة لذلك.

وطلب فريق البحث من المتطوعين المشاركين في كلتا المجموعتين الإجابة عن عدد من الاستبيانات تتناول أسلوب استخدامهم للإنترنت، وأشكال الاتصال الاخرى المعتمدة على الحاسوب، إلى جانب الإجابة عن استبيان قياسي عن رفاهيتهم، واختبار معياري يقيس درجة إصابتهم بالتوحد. كما جمع الفريق معلومات أساسية عن المشاركين كالجنس والسن والوظيفة، وما إذا كانوا عزاباً أم لا، ونحو ذلك. وأخيراً كان البحث في النتائج لاستخلاص روابط مثيرة للاهتمام.

وأشارت النتائج إلى اختلافات واضحة بين المجموعتين، فأظهر المصابون بالتوحد ميلاً لاستخدام الاتصالات بواسطة الحواسيب بمثل معدل المجموعة الأخرى أو بدرجة تفوقها، كما كانوا أكثر تثميناً لها وبطرق مختلفة. وفي المتوسط، كان لدى المصابين بالتوحد عدداً أكبر من الأصدقاء عبر الإنترنت مقارنة بمجموعة التحكم.

وبهدف التعرف إلى أسباب ذلك، سأل فريق البحث المشاركين عن تفضيلاتهم، إذ اعتبر المصابون بالتوحد أن من مزايا هذا النوع من الاتصال عدم حاجته إلى إشارات غير لفظية مثل لغة الجسد، إضافة إلى المعدل البطيء لتبادل الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، إذ لا تتطلب استجابة فورية، ما يتيح مزيداً من الوقت للتفكير.

وفي المقابل، عدت مجموعة التحكم مرونة الوقت ميزة للاتصالات عبر الحواسيب، لما توفره من راحة، والقدرة على الرد في الوقت الذي يحدده الشخص.

وذكرت الدراسة أنه بشكل عام، يحدد ويقدر المصابون بالتوحد ميزات تساعدهم على تخفيف صعوبات التوحد، في حين تبدو الجوانب المتعلقة بالراحة أكثر صلة وأهمية لمجموعة التحكم.

وأشارت الدراسة أيضاً إلى الارتباط البارز بين الاتصالات بواسطة الحواسيب والرفاهية، «فالأشخاص الذين يعانون من أعراض طيف التوحد راضون نسبياً بحياتهم الاجتماعية على الإنترنت أكثر من حياتهم الاجتماعية وحياتهم عموماً».

ومع ذلك، فلم يبلغوا بعد مستوى الرضا لدى مجموعة التحكم، لكن يظل الفارق أقل من جوانب أخرى، وفي المتوسط يبقون في الطرف الإيجابي من المقياس.

ويلفت ذلك إلى الدور المحتمل للاتصالات بواسطة الحواسيب في مساعدة البالغين المصابين بالتوحد ذي الأداء الوظيفي العالي على تأسيس علاقاتهم والمحافظة عليها، إلى جانب مساهمتها في جودة حياتهم، لكن يظل من الصعب استخلاص استنتاجات محددة عن منافع الاتصالات القائمة على الحاسوب لمشكلات عدة، منها ما يتعلق بتصميم البحث.

ومن ذلك، فإن مجموعة التحكم لا توفر المجال للمقارنة المنطقية، فعلى سبيل المثال أشار الباحثون إلى فوارق ملحوظة بين المجموعتين كوصول المصابين بالتوحد إلى مستويات تعليمية أقل بالنظر إلى تمتعهم بنفس مستوى الذكاء، كما أنهم أكثر عرضة للبطالة ونحو ذلك. ويمكن لهذه الاختلافات أن تكون أصلاً الدافع وراء قضاء المصابين بالتوحد وقتاً أطول في استخدام الإنترنت مقارنةً بمجموعة التحكم، فقد يكون لدى شخص لا يعمل مزيداً من الوقت لتخصيصه للإنترنت بصرف النظر عما إذا كان مصاباً بالتوحد أم لا.

كما تتضمن التساؤلات المحيطة بالدراسة مسألة تعريف طبيعة الصداقة. وسمح الباحثون للمشاركين باعتماد تعريفاتهم الخاصة التي قد تختلف بشكلٍ جوهري بين المجموعتين، وهو ما لم يتأكد منه فريق البحث.

وذكرت الدراسة «لا يمكننا التحكم في هذه التفسيرات المختلفة، لكن لانزال نعتقد أن الأصدقاء والمعارف الذين حصل عليهم المصابون بطيف التوحد يلعبون دوراً مهماً في حياتهم، بالنظر إلى الرضا النسبي عن حياتهم الاجتماعية على الإنترنت».

وعلى الرغم من ذلك وحاجة البحث إلى تحسينات، توفر الدراسة، التي حملت عنوان «الاتصالات الحاسوبية للبالغين المصابين بالتوحد ذي الأداء الوظيفي العالي»، دليلاً على إمكانية الاستعانة بتقنيات الاتصال عبر الحاسوب لمساعدة المصابين بالتوحد، ومنحهم شعوراً أقوى بالرفاهية في مواقف معينة، وزيادة قدرتهم على تكوين علاقات مع آخرين.

الإمارات اليوم

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *